رسالة إلى الكاتبة الكبيرة أحلام مستغانمي

رسالة إلى الكاتبة الكبيرة أحلام مستغانمي

‏حين نقرأ لكِ يا صاحبة الحرف المختلف، ندرك أننا لا نقرأ لمجرد الاستمتاع اللغوي، بل نحن أمام نصّ يحتاج إلى أن يُفهم بالقلب قبل العقل، وإلى أن يُعاد تأمله مرات ومرات عديدة، لأن كل كلمة تخطها أناملكِ لا تأتي مصادفة، ولا تُقال عبثًا. فكل سطرٍ يضم خلفه تجربة إنسانية ربما فريدة في زمانها، وكل استعارة تنبض بوجع أمة، أو حنين امرأة، أو وجدان مثقل بخيبات وانتصارات الحياة. هكذا تعلمنا من كلامك عن النضال في سبيل التحرير وعن ثوار ثورة المليون شهيد. هكذا أنجبتك الجزائر لتحملي معك هموم أمة كاملة.نقرأكِ فنشعر وكأنك تكتبين ما نخجل نحن من قوله، أو ما عجزت قلوبنا عن الإفصاح عنه. نقرأ وأنت تكتبين عن عواطف تسكن داخل الإنسان ولا تقبل أن تعيش خارج جسده وحين تقولين:
‏((لم يكن الفشل مُعديًا تمامًا كالنجاح، والسعادة مُعدية تمامًا كالكآبة، وحتى الجمال مُعدٍ، يجمّل من يقترب منه))

‏نتوقف طويلًا، لأننا نكتشف أن في الحياة قوانين نفسية لم تدرسها الجامعات، بل تعلمناها من التجربة، من الألم،. من العلاقات التي عبرت بنا، ومن البشر الذين مروا في أيامنا. تجارب ربما مرارتها كبيرة لكن نعمة النسيان أكبر منها.
‏وفي قولكِ:
‏(( لا تجالس من ينقل إليك تشوهاته، بل من يقاسمك أناقة روحه))
‏هنا تكمن فلسفة عميقة في اختيار الصحبة، فالأرواح أيضًا تُعدي، والقلوب تمتص ما حولها، فإذا جاورت النور صرت مشعًا، وإن خالطت الظلمة صرت كئيبًا دون أن تدري. نعم، لا نشعر بالأشياء أحيانًا إلا عند ملامستها، لأن الإحساس بالشيء هو شعور وجداني دائم. كلماتكِ ليست فقط أدبًا، بل مرآة نرى فيها انعكاساتنا، وتاريخًا شخصيًا نعيد قراءته على ضوء بصيرتك. نقرأكِ فنشعر أنكِ تحكين عن أمهاتنا، عن أوجاعنا التي لم نسمّها بعد، عن الحب الذي فقدناه وما زالت أرواحنا ترسم صوره في داخلها، أو عن الحلم الذي أخفيناه ولكن تراسيم الوجوه كشفت كل جزئياته. نقرأكِ لا لنفهم اللغة ومفرداتها، بل لنتصالح مع ذواتنا.
‏سيدتي الفاضلة،
‏دمتِ كاتبة تحملين نبض الحياة في حروفك، وتزرعين في أرواح قرائك شيئًا من الأمل، وشيئًا من الحقيقة التي نخاف مواجهتها. دمتِ كما خلقك الله امرأة جميلة بكل مواصفاتها، أنوثتها في كتاباتها وإنسانيتها في فلسفتها الروحية.
‏بتقدير وامتنان من كاتب ربما يتشابه معك في أوجاعه وهمومه، ربما اختلفت الجغرافيا بينكم في مسقط الرأس، فكتب في سجلات النفوس جمهورية العراق، بينما كتبوا في سجلاتكم جمهورية الجزائر.
‏أنا أحد قرائك الذين وجدوا فيك مرآة لوجعهم، وأسلوبًا يشبه الحلم حين يُترجم إلى كلمات.دمتم قلمنا النابض من أجل حرية القلم…

أحدث المقالات

أحدث المقالات