23 ديسمبر، 2024 11:00 ص

رسالة إلى السياسيين الهتلية ..!

رسالة إلى السياسيين الهتلية ..!

منذ البداية نوضح بأننا سنناقش معضلة اجتماعية بروح موضوعية بعيدة عن الطائفية والعنصرية وهي ظاهرة الهتلية السياسية ، والهدف هو تشخيص الوقائع لإيجاد وسائل حضارية لإنقاذ البلاد من إخطار داهمة تهدد مستقبلها الديمقراطي وتجعل الحديث عن الوطنية والأمانة والكفاءة والانتماء والتمدن والحضارة اقرب إلى الأسطورة والخرافة .
والهتلية مشتقة من المصطلحات العامية السائدة مثل السيبندية ويقصد بها علميا كل من خرج عن التقاليد والأخلاق العامة ، بل المقصود بدقة هي مجموعة القيم والتقاليد الهجينة الممزوجة مابين السرسرية والادبسززية والبلشتية ، وجذور أخرى لها علاقة بالكلاوجية والمطيرجية وامتدادات لاشتقاقات متأصلة في فئات اجتماعية توارثت الشعور بالظلم والإحساس بالمهانة والاعتماد على ردود الفعل والبقاء على هامش الحضارة مثل قطاعي الطرق والصكاكة والعلاسة والقفاصة والحرامية والنشالة والسلابة الذين يرفضون القانون والتمدن والتحضر ولا يعترفون بأصوله الحضارية بل نرى كل انتماءاتهم صورية مصلحية مادية ذات نزعات إجرامية، فلا نجد لهؤلاء الناس هوية محددة المعالم أو واحد بالمليون لأخلاق تستند لقيم أصيلة ذات ملامح عربية معروفة .
نقول ذلك ليس دفاعا عن مقولات البعض و نحن بالضد منها وخاصة عندما يصفون العراقيين بالحفاة والقادمين من الهند وباكستان وإيران أو البلدان المتخلفة في العالم ، ولكننا إمام ظاهرة اجتماعية تتمثل بمجموعة من الرعاع الذين فشلت المدارس والجامعات والأحزاب بإعادة صياغة عقليتهم البدائية وتهذيب سلوكهم الذي يعتمد على العدائية والاعتداء والنزوع لطرق القتل والسلب والنهب … وما يسميه العلامة الراحل علي الوردي المغالبة والمشاطرة على استحواذ أملاك الدولة ومقتنيات الآخرين باستخدام القوة السلطوية والحزبية والدينية والعشائرية وطرق النصب والاحتيال و أساليب الحوسمجية ، ويتجلى ذلك في صور متعددة في كل مرحلة من مراحل تاريخنا المعاصر .
أن جوهر هؤلاء مازال واحدا متوحدا ولعل اخطر مراحلها ما نعيشه الآن، فقد فقدنا الأمل في تأسيس دولة ديمقراطية على أنقاض الدكتاتورية وأصبح هذا الحلم هشا وبعيد المنال لان الذين ينتمون للهتلية مازالوا يفكرون بطريقة الغالب والمغلوب وانصر أخاك ظالما أو مظلوما وكأنهم مازالوا في العصر الحجري لم يصقلهم دين ولم تعلمهم حضارة .
إن هؤلاء الهتلية الذين لا يمثلون المتعلمين والمثقفين من أبناء العراق ، أصبحوا بين ليلة وضحاها يتولون صناعة القرار السياسي ويتحكمون في مسارات نمو المدن العراقية وثقافة المجتمع ودليلنا إننا منذ أكثر من 13 عاما من سقوط النظام ولحد الآن لم نستطع ان نرتقي بواقع الشعب العراقي في كل مفاصل حياته من ضمانه المعيشي والصحي والأمني والخدمي ولم نستطع ان نبني مصنعا أو نزرع حقلا أو نؤهل محلة عراقية واحدة لكي ترتقي بمستوى حضاري كنا نحلم به بالأمس القريب .
وكدنا نقترب من أبواب المدن الخليجية التي كانت عبارة عن خرائب وأصبحت اليوم جنات على الأرض ، وتحولت مدن العراق إلى مدن الخراب، تغزونا كل يوم عواصف الرمال والغربان من أشباه الرجال وقادتها مازالوا وكأنهم رعاة بقر يقودون الأمة وهم على ظهور البعران وياليتهم كانوا هكذا لان عربان الجزيرة الذي كنا نسخر منهم هم الآن يتحكمون بالاقتصاد العربي و الغربي ويتمتعون بخيرات النفط ويوظفونها في خدمة مجتمعاتهم ويتمتع بها الغني والفقير على حد سواء.  
إما نحن وفي ظل السيبندية فالوقائع تحدثنا عن مآس حقيقية ، فموجة الجراد البشري التهمت ثروات العباد وزحفت إلى المدن لتغيير معالمها واجتثت آخر ما تبقى من علامات التمدن والحضارة ، فهل نتوقع بعد ذلك ظهور عراق جديد وقد سرقوا أمواله وتحكموا بمصيره ..؟ والجواب هو ليس إمامنا إلا إن نتوقع الكارثة التي ستعيدنا ذات يوم إلى قلب الصحراء لنكون عند غياب النفط عبيدا لعربان الخليج وسادتنا الهتلية سيهربون خارج البلاد سالمين غانمين .
[email protected]