23 ديسمبر، 2024 2:10 ص

رسالة إلى الرئيس الأمريكى..

رسالة إلى الرئيس الأمريكى..

الرئيس الأمريكي: دونالد ترامب ـ البيت الأبيض ـ واشنطن.
تحية طيبة، وبعد، فإنه من المؤكد ـ السيد الرئيس ـ ان تقارير عديدة قد وصلت إليك تفيد أن منطقتنا تنتظر زيارتك التاريخية لها علي أحر من الجمر ـ علي حد ما يقول المثل العربي لكني حقيقة غير متيقن من الاسم الذي يطلقه معاونوك علي هذا الجزء من العالم، فهل يسمونه: العالم العربي أم الشرق الأوسط أم الشرق الأدني؟ ودعني أقول لك إن الاسم الأقرب إلي الصواب هو «الأول» وأن الأكثر دقة هو اسم: الأمة العربية لأنه يجمع بين المبني والمعني، فهو تاريخ وجغرافيا وحضارة.. تختلط وتمتزج وهذا هو السر في أن بعضها يتداعي إلي بعضها عند حدوث أزمة هنا أو هناك.. والمهم أن هذه الأمة لحمة واحدة ـ مهما بدا من رعونة أحد.. أو.. عقوق آخر ـ وهي أمة مسالمة هادئة لكن إذا استهان بها أحد ومس عرضها فانها تتحول إلي نمر كاسر.. وقد تصبر طويلا لكنها لا تنسي، وقد تتحمل ما لا يتحمله غيرها لكنها حتما ترد الصاع صاعين، فهي لا تتنكر لمن ربت علي كتفيها ولا تغفر لمن أساء إليها!

تلك ملامح بسيطة للأمة التي تمثل قلب العالم الإسلامي.. وحسنا أنك ستزور الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ـ ولها مكانتها إسلاميا وعربيا ـ وفيها ستلتقي مع عدد من القادة العرب والمسلمين قبل أن تتجه إلي إسرائيل وبعدها الفاتيكان.. ويبدو أنك جاد في البحث إسلاميا ويهوديا ومسيحيا عن موقف الأديان من الإرهاب، وتلك مسألة مهمة لكنها مفروغ منها وقد قتلت بحثا وقيل بالأسانيد إنه لا علاقة للدين ـ أي دين ـ بالإرهاب.. وأن الجماعات التي ترفع راية الدين تختفي وراء عباءته ولتجذب المخدوعين لتجنيدهم في صفوفها.. ولن أشرح ذلك ـ فقد كتبنا وغيرنا ـ كثيرا.. ويمكنك ـ السيد الرئيس ـ تكليف مركز دراسات تثق به لكي يعد لك ورقة مختصرة حول هذا.. ولعلي أشير إلي كلمة الإمام الأكبر شيخ الأزهر في المؤتمر العالمي للسلام الذي نظمه الأزهر في القاهرة نهاية الشهر الماضي وشارك فيه البابا فرانسيس بابا الفاتيكان.. حيث أكد الإمام الأكبر ـ بالحجة ـ أن الإسلام لا ينفي الآخر وانه ضد الإرهاب والعنف إلي درجة التحريم، وأنه لا يوجد.. ولا توجد حضارة تتبني الإرهاب وانما هو من نتاج تيار سياسي عنصري بغيض، وهذه الخلاصة هي حصاد دراسات دينية، وسياسية، وثقافية واجتماعية علي مدي سنوات عديدة شارك فيها مفكرون ومتخصصون من دول في قارات الدنيا علي اتساعها.. ولديكم في الولايات المتحدة في جامعاتكم وفي مراكز الدراسات وفي مكتبة الكونجرس وملفات المخابرات ما يؤكد أن »الأهداف والمحركات السياسية« كانت دائما وراء تشكيل الجماعات الإرهابية ـ المسماة ظلما بالدينية.. سواء كانت إسلامية، أو مسيحية أو يهودية.. وسواء كانت قديمة أو حديثة!

ومن ثم.. ومن هنا.. فإن تلك نقطة محورية فاصلة بل هي حجر الزاوية في أي بحث ودراسة عن الإرهاب إذا كان الهدف حقا هو.. القضاء عليه.. وهو اقتلاعه من جذوره؟! فإن كان ذلك كذلك.. فانه يمكنك أن تتخذ الإجراءات المناسبة وأن تدعم الدعوة لعقد مؤتمر دولي لمقاومة الإرهاب في إطار الأمم المتحدة ـ وهو ما نادت به مصر منذ 1996، وعلي أن يسبقه اجتماع تحضيري من أهل الخبرة والرأي لتحديد المحاور ومسودات الاصطلاحات ومفاهيمها ومن ذلك مثلا: ما هو الإرهاب؟ ومن هو الإرهابي؟ وما الفرق بين الإرهاب والعنف وبين المقاومة المشروعة لتحرير الوطن من الاستعمار؟ وتحديد المسئولية الدولية والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب؟ وغير ذلك مما يجعل دول العالم تتوافق علي استراتيجية واحدة تنفيذها.. وعندئذ ـ السيد الرئيس ـ فإنك بدل أن تدخل التاريخ كرجل أعمال أصبح رئيسا لدولة كبري.. ستدخله وبجدارة وستترقي لتصبح «رجل سلام» يسهم في أمن وسلام الإنسانية ويعيد إليها ازدهارها.. فإنه ليست هناك سعادة تعدل أمن وارتياح الإنسان وهو يمارس حياته بلا خوف.. فيبدع ويتوهج!

تري.. هل يمكن أن يتحقق هذا؟ أم.. أن تلك أمنيات وأحلام؟

تري أن الفرصة سانحة أمامك ـ السيد الرئيس ـ وإذا كانت مصانع الموت المشهورة باسم مصانع السلاح التقليدي وغير التقليدي تضغط لتغذية الإرهاب والحروب والنزاعات لكي تربح الأموال بمبيعاتها، ومثال ذلك ما يتردد الآن عن صفقات سلاح تبلغ قيمتها سبعين مليار دولار لثلاث من دول الخليج، فإن السلام والأمن بالقضاء علي الإرهاب وبتحرير الأراضي التي لا تزال محتلة وارساء الحقوق الكاملة للإنسان ـ أيا كان وفي أي مكان ـ يمكنه تعويض تلك المصانع إذا ما اتجهت إلي صناعة الرخاء بدلا عن الدمار.. وتعمير الأراضي واستثمار كنوزها وليس تخريب المعمور.. وبالمناسبة.. هل ستتضمن جولتك السياسية الدينية هذه، زيارة «بيت لحم» ـ حيث ميلاد السيد المسيح؟ أم.. أنك ستتراجع تحت الضغط العنصري؟؟

ان زيارتك لهذه المدينة وكنيستها المقدسة واللقاء مع رجالها سوف يضيف لك كثيرا ويصحح أخطاء متداولة.. وستعرف يقينا: أي أرض هذه؟ ومن هو صاحبها؟ وما تاريخ المنطقة؟ وكيف هي العلاقة بين اتباع الديانات؟

السيد دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. ان التاريخ ينظر إليك ويفتح صفحاته ممسكا بقلمه ليسجل وقائع هذا الاجتماع الهام في الرياض.. وهذه الجولة الهامة التي ستقوم بها والمحادثات التي ستجريها مع القادة.. وإما أن يخط التاريخ سطورا قليلة ويقلب الصفحة بعد أن تسقط من عينيه دمعة أسف.. وإما أن يفرد لها صفحات وصفحات تحت عنوان مضيء مشرق.. ولك وحدك أن تقرر.. وفقط عليك أن تعرف أن الشعوب في هذه المنطقة ـ أعني الأمة العربية ـ وسواء كانوا مواطنين عاديين.. أو.. قادة وحكاما.. يؤمنون بالسلام بين جميع الأديان والشعوب.. لكنهم أبدا لا يفرطون في حقوقهم.

وختاما .. لك من أمتنا.. تحية السلام
نقلا عن الاهرام