يكشف مسار النشاط السياسي المتصاعد الذي تسير فيه المعارضة الإيرانية وفتحت من خلاله الباب أمام حركة دؤوبة من الاستقطاب ومد الجسور مع أطراف مختلفة في المنطقة، حالة الارتباك التي يعيشها نظام الملالي في طهران, والتي ظهرت في العديد من سلوكياته.
فحالة الهياج التي بدت واضحة في تصريحات المسؤولين الإيرانيين عقب مشاركة الأمير السعودي تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس في 9 يوليو الماضي تشير إلى ما يعيشه الساسة الإيرانيون من توتر ناتج عن مأزق حقيقي وصلوا إليه نتيجة سياساتهم الداخلية والخارجية.
وعلى الرغم من محاولة أقلام عدد من الكتاب والإعلاميين المحسوبين على نظام ولاية الفقيه التي انبرت لمهاجمة المؤتمر ومنظميه والمشاركين فيه، وكذلك التقليل من تأثيرات فعالياته في الميزان السياسي، إلا أن الكثير من التناقضات علت الخطاب الذي مارسه كتبة النظام بعيد انعقاد المؤتمر.
فقد حاولت هذه الأقلام تسويق فكرة تفيد بسذاجة المشاركة السعودية في مؤتمر تقيمه معارضة غير فاعلة في الداخل الإيراني، وغير مؤثرة، منوهةً إلى أن الأمير تركي لا يشغل في الوقت الحالي منصباً سياسياً أو أمنياً مرموقاً ما يقلل من أهمية هذه المشاركة.
ولكن، طالما أن الأمور تبدو هكذا لدى حكام طهران فلماذا كان خطاب عدد من كبار الساسة، والقادة الأمنيين، منفعلاً بشكل كبير، وصل حد التهديد للمملكة العربية السعودية، بل تجاوزه إلى اتخاذ إجراءات عبّرت عن حجم الانفعال من خلال استدعاء السفير الفرنسي في طهران للتعبير عن الاحتجاج لسماح باريس بعقد المؤتمر الذي يعقد في الأساس بشكل سنوي منذ عدة أعوام وفي العاصمة الفرنسية عينها.
من جانب آخر، فإن محاولات طهران تسفيه دور المعارضة والتقليل من حجم قاعدتها الشعبية في إيران، تدحضه بشكل جلي أعداد الإعدامات المتزايدة داخل الزنازين الإيرانية، لدرجة أن منظمات حقوقية دولية صنفت إيران ضمن أعلى معدلات الإعدام على مستوى العالم، حيث تشير تقارير حديثة إلى إعدام ما يقرب من 30 سجيناً خلال أسبوع واحد، ما يثبت حالة التخبط لدى نظام الملالي من خلال لجوئه إلى أساليب غاية في الوحشية للتخلص من معارضيه.
كما أن النظام الإيراني لا يوفر فرصاً تسنح له من وقت لآخر للاعتداء على المعارضين العزل في مخيم “ليبرتي” وقبله في “أشرف” عن طريق ميليشياته في العراق، حيث سقط في هذه الاعتداءت الغادرة العشرات وجرح على اثرها المئات.
لقد بدت الرسائل التي بعث بها الحلفاء في الجبهة المناوئة للنظام الإيراني، والتي وضع ركائزها مؤتمر باريس الأخير، واضحة وضوح الشمس، لربما فهمها نظام ولاية الفقيه كل الفهم، حتى وان تظاهر بعدم تأثره واكتراثه بها، إلا أنه يدرك من خلال المعطيات على الأرض تضيّق الحلقة شيئاً فشيئاً حول رقبته.
فلا مكاسب حقيقية حتى الآن جناها من الاتفاق النووي الذي وقعه مع دول الغرب، حيث لا انفراج حقيقي، ولا رفع كلي للعقوبات، ولا انتصارات تتحقق في الجبهات التي زج نفسه بها، بل استنزاف لا يتوقف في اليمن وسوريا تحديداً، وفي ميادين سياسية كلبنان.
كل ذلك يقابله حالة متزايدة من استياء المواطن الإيراني الذي عانى نتيجة العقوبات، وانتظاره الطويل للفرج الذي وعدت به الحكومة ولم يأتِ، بينما تسجل الاحصاءات أرقاماً غير مسبوقة من الفقر المدقع، والبطالة، والإدمان على المخدرات..وغيرها من الآفات التي يعيشها المجتمع الإيراني، ناهيك عن مصادرة الحريات العامة، وتكميم الأفواه المعارضة، واضطهاد الأقليات..وغيرها من الممارسات التي أوصلت الشعب الإيراني إلى طريق مسدود، تضيق معه خياراته أكثر فأكثر.