12 أبريل، 2024 5:47 ص
Search
Close this search box.

رسائل جمعة المرجعية

Facebook
Twitter
LinkedIn

من علامات الظلم والجور في هذا الزمان هو اختطاف منبر الجمعة الذي سنه رسول الله(ص) وأوصياؤه(ع) ليكون سبيلا لتحقيق القسط والعدل ، ويكون تظاهرة اسبوعية يعاد فيها تقييم العمل والأداء للحاكم والمحكوم على حد سواء ، فضلا على كونه منبرا يكشف عن حالة التطور التي قطعها المجتمع الإلهي في سبيل الغاية التي من أجلها خلقت المخلوقات وتخصيصا الانس والجن ، فمنبر الجمعة الإلهي هو منبر لشحذ الهمم باتجاه الغاية المنشودة وهي أن يكون العباد عارفين معرفين بالله سبحانه.
        أما منبر الجمعة اليوم الذي تقيمه المؤسسات الدينية فهو منبر لجلد الذات ومنبر إحباطي ، فما دور المؤسسة الدينية اذا كانت بهذا الموقف المزري فهي كمن يرى الحرامي يسرق حتى اذا اتم سرقته ، قام هذا الرائي يخطب بالناس ويقول : هل يعقل أن تشيع السرقة في مجتمعنا ولا نجد أحد يقف بوجه السارق ، وهؤلاء السراق أنا أعرفهم فهم من طبقة (حاميها حراميها) ولذا علينا أن نفعل كذا وكذا للقضاء على هذه العادة الاخلاقية السيئة ، ويتحمل مسؤولية تلك المصيبة السارق والمسروق ، أما الخطيب ومؤسسته فهما يقفان على مسافة واحدة من السارق والمسروق (ضمانا لعدالة الموقف السياسي)!!!
        نعم العجب لا ينقضي من مؤسسة دينية تتحدث عن فضائل الاخلاق بالخطبة الاولى ثم تأتي بالخطبة الثانية لتنسف ما نظرت له بالخطبة الاولى ، ولتكون الخطبة الثانية رسائل موجهة للسارق : أن خلا لك الجو فبيضي واصفري وأما المسروق : فعليك أن تنزع عن ظهرك ليكون ساحة للجلد والتقريع ، فلولا أنك أيها المسروق تستحق السرقة لما أقدم السارق على سرقتك ، فأنت ايها المسروق السبب في شيوع خلق السرقة بين الناس!!!
        ما هو دور المؤسسة الدينية التي لها كل هذه السطوة في رسم السياسة الخارجية والداخلية ، ولكنها مع الناس تلبس لبوس الحمل وكأنها مستضعفة من المستضعفين فتأتي منحنية الرأس أمام الحاكم الظالم ، متكبرة على المظلوم وبيدها سوط الكلمة والتوجيه ليكون يوم الجمعة مناسبة احتفال يجلد بها السامعون بتلك الخطب التي لم نجنِ من ورائها غير التراجع المستمر إلى الوراء وكأننا أمة تتحدى العالم المتطور بالتخلف ، ولا أدري بأي لسان يتحدث خطباء الجمعة فما تدري أ هم من أهل الدين ام من أهل الدنيا ، فهل خطيب الجمعة ديك فصيح أو دجاجة في بطن (الملة) تطيح؟؟!!
        ولكن من زاوية أخرى أن منبر الجمعة يحقق للسارقين والحرامية إنجازات لا يمكن لهم أن يحققوها لولا عمل أولئك الخطباء الدائبين على جلد الناس وإشاعة روح الإحباط والتيئيس من الصلاح والإصلاح ، فلسان أولئك الخطباء يقولها صريحة فصيحة ـ واعتذر للتعبير الدارج ولكنه واصف لحالهم ومقالهم ـ (إحنا النلعب شاطي باطي ** إحنا المامش رداد النا)!!!
        نعم فخطباء المؤسسة الدينية هذا حالهم مع الناس ، فهم يسبحون في فضاء آمن من العقوبة وتحمل المسؤولية ، فهم يسجدون في محراب الحاكم ، وسياطهم تلعب على ظهور الناس ، حتى أشاعوا بين الناس أن لا سبيل إلى الاصلاح أبدا ، ولكن لا باس أن ندعو باللسان حسب عسى أن تأتي ريح فيها صر تصيب حرث السارقين ، أو يأتيهم عارض يمطرهم فيغرقهم ويخلصنا منهم ، أما دور هؤلاء الاتباع في الحياة فهو دور الطفيليات التي لا حق لها بالحياة إلا على دماء العاملين الكادحين ، فإذا لم يتيسر لها كادحا فعليها أن تصنعه لتمتص دماءه فتديم حياتها.
        واعتذر ربما ـ لألم الكاتب ـ جرى المقال في ساحة جلد الذات وكأنه يسير على خطى أولئك ، ولكن ما يريده المقال هو أن ينبه القارئ أن هذه الحفلات المسماة ـ ظلما وزورا وعدوانا ـ بخطبة الجمعة ما هي إلا رسائل موجهة للناس : إن عليكم أن تضعوا السنتكم بأفواهكم لا تفتحوها ، وأن تضعوا أيديكم على رؤوسكم انتظارا لفرج يخرج من تحت عباءات سدنة المؤسسات الدينية ولن يأتي مادام هذا الحال هو من يضمن لتلك المؤسسة البقاء والاستمرار!!!
        هل يتصور الناس أن ما يسمعونه من السن أولئك الخطباء فيه رضا لله سبحانه؟؟!! ليس فيما يسمع من أولئك الخطباء غير التخذيل والتيئيس ، وبالمقابل يعطون للفاسدين ـ الذين ينتقدونهم ظاهرا ـ الضوء الاخضر : لقد حضرنا لكم الساحة وعبدنا لكم الطريق فصولوا وجولوا كما تشاؤون وبما تشتهون ، فالناس قد أعطيناهم حقنة تخدير تنيم الفيل إلى الجمعة المقبلة ، فلا أحد يراكم غيرنا ، نعم صار منبر الجمعة اليوم ساحة لتخدير الناس ، ولتشجيع الظالم على الظلم ، وإلا ما معنى هذا الخطاب الذي توجهه تلك المؤسسات للناس وكأنها مؤسسات تعيش حالة استضعاف واستكانة!!! فكيف يتلائم موقف الاستكانة الذي تلزمه تلك المؤسسة الدينية مع تسلطها على مقادير البلاد والعباد؟؟؟!!!
        الذي يستطيع أن يجعل الناس تخرج عن بكرة ابيها استنكارا على قناة الجزيرة القطرية لأنها استضافت شخص تناول قداسة المرجع وانتقد دوره السياسي في البلد ، مع أن لا قيمة تذكر لا للجزيرة بوصفها قناة القاعدة شاهرا ظاهرا ، ولا لذلك الشخص الذي انتقد (المرجع) ، وخروج التظاهرة لم يرفع ظلما ولم يرجع حقا ، فالتظاهرة وهرجها فعل لا حكمة فيه ولا قيمة له ، تماما كفعل قناة الجزيرة ، فبربكم هذا الذي يستطيع أن يحشد الناس ضد قناة فضائية انتقدت شخص المرجع إلا يستطيع أن يخرج الناس للمطالبة بالحقوق المسلوبة والدماء المباحة والأنفس المزهوقة؟؟!!
        ربما يقول قائل : ماذا نفعل؟؟!! أن يجلس المرء في بيته يعبد ربه سبحانه ويخلص في دعائه كي يبين له سبيل الخلاص أفضل بمئات المرات من الجلوس تحت منبر لا هم له سوى جلد السمع قولا وإيماء وتلميحا وتصريحا ، وبالمقابل يقول للسارق : اسرق على راحتك فقد غاب القط ، ولعل الناس لو اتخذت هذا الموقف وأفرغت تلك المنابر التي تسيء للدين بل تقتل الدين باسم الدين ، وجعلتها خاوية والتفتت إلى ربها سبحانه وسألته الخلاص بإخلاص ، سيتحقق لها ما تريده من ربها سبحانه ، فالله سبحانه جعل منبر الجمعة للعلاج والتطوير ولم يجعله للتخدير والتخذيل ، وعندما يفقد هذا المنبر روحه في الاصلاح الحقيقي فهجرانه واجب على الناس لأن فساده أعظم ، ولا يؤمن فيه سخط الله سبحانه وغضبه.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب