اجمع المراقبون على ان جولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاسيوية، والتي شملت كل من كوريا الشمالية وفيتنام، قد انتهت بنجاح كبير، ودرجة هذا النجاح قد انعكست بدرجة كبيرة على ردود الأفعال الغربية ، فقد أثار التقارب بين الدولتين سخط القيادة الأمريكية ، ومخاوفهم من درجة التقارب بين روسيا وهذه البلدان ، وأكدت الجولة فشل المساعي الغربية في تحييد النشاطات الروسية في آسيا ، وتشكيل حلف مهم قد يرقى الى الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين ( التي زارها مؤخرا ) وكوريا الشمالية وفيتنام ، وأشار بيان صادر عن السفارة الأمريكية في هانوي إلى أنه لا ينبغي لأي دولة أن توفر للكرملين ، منصة لتعزيز السياسات الروسية الحالية ، ومع ذلك، تجاهلت قيادة الجمهورية الاشتراكية انتقادات واشنطن ، وتتوقع هانوي الحصول على “حماية استراتيجية” من موسكو، فضلاً عن المساعدة في عدد من المجالات ذات الأهمية الأساسية ، .
وواصل الرئيس فلاديمير بوتين تغيير ميزان القوى الجيوسياسي في آسيا ، فخلال زيارة إلى هانوي، اتفق الزعيم الروسي والرئيس الفيتنامي تو لام ، على عدم الدخول في اتفاقيات مع دول ثالثة يمكن أن تضر باستقلال وسيادة كل منهما، ورغم الانتقادات الأميركية، اتفقت موسكو وهانوي على تطوير التعاون العسكري ، واتفق الطرفان على تعزيز العلاقات الثنائية في مجال الدفاع والأمن ، ومن المخطط أن توحد روسيا وفيتنام قواهما لمواجهة التهديدات الجديدة والتقليدية للاستقرار الدولي ، ووفقا للرئيس الفيتنامي فإن بلاده سوف “تساهم دائما في العالم”.
وبعد التوقيع في كوريا الشمالية على الاتفاقية الاستراتيجية من قبل الرئيس الروسي ونظيره الكوري ، جاء دور اتفاقية الصداقة المبرمة بين روسيا وفيتنام ، والتي على الرغم من مضي 3 عقود على ابرامها ، وهي الاتفاقية الأساسية التي فتحت مجال لتعزيز مستوى جديد من الاتصالات بين البلدين ، وأعطت ديناميكية وزخماً للعلاقات ، فقد أكد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفيتنامي تاو لام ، تطلع كل من موسكو وهانوي ، إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما اتخاذ قرارات بشأن دعم الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين ، وانتهت المحادثات بتوافق وجو من الود والثقة والحديث عن التعاون المشترك، والتطرق إلى أهم القضايا الإقليمية والدولية واهتمامهم بالتعاون التجاري والاستثماري ، واتخاذ قرارات بشأن دعم الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
واعرب مجتمع الخبراء عن اعتقادهم أن التعاون بين روسيا وفيتنام في مجال الأمن ، سيغير بشكل كبير الحقائق الجيوسياسية في منطقة آسيا ، وهكذا دمرت الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين تو لام وفلاديمير بوتين خطط واشنطن لإشراك هانوي في المواجهة مع موسكو وبكين ، وبما أن الأميركيين أرادوا استخدام فيتنام ضد روسيا والصين، فإن زيارة بوتين أقلقتهم كثيراً ، وأدت الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين موسكو وهانوي إلى تعقيد تنفيذ خطط واشنطن.
الرئيس الفيتنامي تاو لام ، اكد انه على يقين أن زيارة الرئيس بوتين بمشاركة الوفد المرافق له ستسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ، والاشارة الى انه تم الاتفاق على تعزيز وتكثيف الاستثمارات المتبادلة والتعاون في مجالات النفط والغاز وتهيئة الظروف المناسبة للتعاون على مستوى القطاع الخاص ، والاتفاق أيضا على تعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجددة، وفي مجال الأمن والدفاع، والكفاح معا التحديات القديمة والجديدة على حد سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة ، وهنا لابد من التركيز على مسألة ” الكفاح معا للتحديات القديمة والجديدة ” ، كلمات حاولت الرئيسان تذكير الولايات المتحدة بمصيرها في هذا البلد ، الذي اصبح عنوان للبطولة والشجاعة ، بوجه قوات استعمارية ارادت اذلال الشعب الفيتنامي ، وهزيمة الجيش الأمريكي هناك شر هزيمة ، ودعا الرئيسان إلى نظام عالمي عادل قائم على ميثاق الأمم المتحدة ، وحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية والسلمية، وتطبيق نظام التجارة الحرة ، وكذلك لم يغفل البلدان الاتفاق على التعاون في مجالات الثقافة والسياحة والشباب ، من أجل تعزيز الثقة والتفاهم والصداقة وتهيئة الظروف الملائمة للعمل بين مواطني فيتنام وروسيا.
وأعلن صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن توصله ومجموعة شركات T&T Group الفيتنامية ، إلى اتفاق حول الشراكة الاستراتيجية لدعم الشركات الروسية والفيتنامية في أسواق البلدين ، وانه تم وفق بيان صدر عن الصندوق التوقيع على الاتفاقية في إطار زيارة الدولة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فيتنام ، وستستهدف الاستثمارات المتبادلة إلى تمويل المشاريع الهادفة إلى توسيع أعمال الشركات من كلا الجانبين ، بالإضافة الى أعلان الطرفين نيتهما لإنشاء قاعدة لوجستية مشتركة للشركات المشاركة في الاتفاقية ، وإنشاء بنية تحتية لتسهيل وصولها إلى أسواق روسيا وفيتنام.
الدولة التي زارها الرئيس الروسي أكدت عدم نيتها الدخول في اتفاقيات مع أطراف دولية يمكن أن تشكل تهديدا لسيادة وأمن موسكو أو بيونغ يانغ ، وشدد الطرفان أيضًا على أهمية رفض استخدام أراضيهما للقيام بأعمال تهدف إلى انتهاك سلامة أراضي الاتحاد الروسي أو جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ، ومن أجل منع الصراعات وضمان الأمن في المنطقة، ستقوم الدول بإنشاء نظام لاتخاذ تدابير مشتركة لتعزيز إمكانات الدفاع ، وبالإضافة إلى ذلك، اتفقت الدول على المكافحة المشتركة للإرهاب الدولي والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
وفي مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الفيتنامي ، رغب الرئيس الروسي في تذكير الغرب مرة أخرى ، بأن روسيا تفكر في إجراء تغييرات محتملة على عقيدتها النووية، والتأكيد على أن موسكو ليست بحاجة بعد إلى تنفيذ ضربة نووية وقائية ، والتشديد على أنه “في ضربة جاوبية سيتم ضمان تدمير العدو” ، وقال بوتين “روسيا تفكر في إجراء تغييرات على عقيدتها النووية، وذلك بسبب عمل العدو على خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية” ، وانه يجري وعلى وجه الخصوص، تطوير قنابل نووية متفجرة ذات طاقة منخفضة للغاية ، وأضاف “نحن نعلم أن هناك أفكارا في دوائر الخبراء في الغرب حول إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة، ولا يوجد شيء فظيع في هذا الأمر، ولكننا ملزمون بالاهتمام بهذا الأمر ونحن ننتبه إلى هذا” ، والاشارة إلى أن القوات الاستراتيجية الروسية في حالة استعداد قتالي كامل، وأضاف ” إن ما تفعله الدول الغربية الآن لا يزعجنا كثيرا، لكننا بالطبع نراقبه عن كثب” ، وإن الجيش الروسي يستعد لجميع السيناريوهات المحتملة لتطور الوضع في الاتجاه الأوكراني، مشيرا إلى محاولات غربية لدفع أوكرانيا إلى تنفيذ هجوم مضاد جديد ، كي يُعتبَر نجاحا استراتيجيا لها في عام 2024.
وتعلم روسيا أن الأمريكيين والأوروبيين يدفعون الأوكرانيين لمحاولة إرجاع وحداتها ، إلى حدود الدولة بأي ثمن ، وإنهم يخططون لتقديم ذلك على أنه نجاح كبير في عام 2024 ، قبل قمة الناتو القادمة والانتخابات في الولايات المتحدة، وأشار الرئيس الروسي إلى أن الغرب يصعد الموقف على أمل أن تشعر روسيا بالخوف في مرحلة ما، وقال، يحاولون تسخين الوضع وتصعيده. على ما يبدو، هم يعولون على أن ” نشعر بالخوف في مرحلة ما”.
ويعتبر الرئيس بوتين الهزيمة الاستراتيجية بالنسبة لروسيا ، ستعني نهاية الدولة ولهذا السبب يجب “ألا نهاب، ويجب أن نواصل (عملنا) حتى النهاية” ، والتأكيد أن موسكو لا تطلب المساعدة من أحد لإتمام العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والتأكيد أيضا أن مقترح روسيا للسلام لن يدوم إلى الأبد وسيتغير وفقا للوضع ، والإشارة إلى أن المكان الذي ستجري فيه المفاوضات بشأن أوكرانيا ليس مهما، وأنه من الممكن أن تجرى المفاوضات بشأن أوكرانيا حتى من الغد ، لكن روسيا ستنطلق من الوضع الراهن، والمقترحات الروسية مطروحة على الطاولة.
وذكر بوتين الغرب من جديد ، بأن روسيا لا تستبعد توريد أسلحة إلى دول أخرى ردا على توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، داعيا الغرب إلى التفكير أين سينتهي الأمر وقال “تحتفظ روسيا بحق توريد الأسلحة إلى جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وربما مناطق أخرى” ، مشيرا الى إلى أن الغرب يزود أوكرانيا بالأسلحة ، ويقول إنه لم يعد يسيطر على أي شيء ولا يهم كيفية استخدامها ، وقال في المؤتمر الصحافي بفيتنام: “يمكننا أن نقول أيضا: سلمنا شيئا ما لشخص ما، ولم يعد لدينا تحكم وسيطرة عليه، ودعهم يفكرون إلى أين سينتهي هذا الأمر”.
وفي ختام جولته إلى كوريا الشمالية وفيتنام، أوضح بوتين أن زيلينسكي ليس شخصية مستقلة، وأن سلطات الدول الغربية سوف “تعلّق” على كتفيه جميع القرارات التي لا تحظى بشعبية، و”تغيره” في النصف الأول من العام المقبل ، وإن كل ما في الأمر أنهم في الغرب لا يريدون تغييره الآن، فالوقت غير مناسب الآن ، وسيتم إلقاء اللوم عليه في كل القرارات التي لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض سن التجنيد، وبعد ذلك سيتم تغييره ، وخلص بوتين القول إن سلطات كييف تؤيد الآن استمرار الصراع لأنها لا تريد إجراء انتخابات رئاسية ، وأن محاولات كييف الضغط على القوات الروسية، لإخراجها من خاركوف بأي ثمن ستكلف كييف خسائر كبيرة.