جلسَ عمار امامَ الحاسوب فورَ وصوله من المقهى وهو مرتبك بشدّة، ومندفع، ليعرف ما يحويه هذا القرص.
عمار عاصر أكثر الفترات الفوضوية في البلد، كان يشاهد القتل المجاني والغدر والجثث المقطعة والأغتيالات العشوائية، والتفجيرات المختلطة برائحة شواء الأجساد.
كانت فوضى المسلحين الملتحين تجوب أرجاء بغداد [تصك حتى البعوضة لو أرادت صكها]،كان هناك صراعاً تأريخياً مرير حط بأجنحته على شوارع بغداد ليغذي سيناريو القَتْل على الهُوية. اصبحَ القتلُ حتّى من أجل اللاشيء، كل لحظةٍ من لحظات بغداد الَتِي تنفجر فِيهَا تلك المفخخات الحقيرة كانت تشعل السماءَ بالنار.
النار هي الوحيدة التي كَانت تُعطي ضياءً إذ لا كهرباء.
ألموت وحده كان سيّد الموقف، الحَيَاة كَانت لئيمة مَع ألشعب لاتمنح اَهلها الأمل، منحتهم سِلسلة مَن ((الأحد، والاثنين، والاربعاء الدامي …. الخ)).
التهجير كان سمةً ثانويّةً لتلك الفصائل المسلحة، لأن استلاب الحَيَاة بواسطة -الدريل،او الذبح او الحرق المدبس- هو شيئًا حتّى القرآن لم ينص عَلَيْه في جَهَنَّم!، لذلك كان التهجير سمةً رحيمةً بَعْض الشّيء مَع الذين شَاءَ المسلحون أن يبقوهم علَى قيد ألبلاد!.
اناسٌ كالمراحيض، كَانُوا يتحكمون بحرّيّةِ الدّكتور الجامعي، والطبيب، والبروفيسور،والأكاديميين.
عمالةٌ أجنبيةٌ وعمالةٌ عربيّةٌ وشركاتٍ مشبوهةٍ ومنظماتٍ ٍسريةٍ وعلنية، ورجالُ مخابراتٍ وأزلامُ بقايا النّظامِ المقبور. أمريكان، وإيرانيين، قطريين وسعوديين، كردٍ وعرب. جنسياتٍ حتى موزمبيقية.! حلّت كأسيادٍ ومستثمرينَ في العراق، ساسةً وقادةً وبرلمانٍ كلهُ عن ( النهج الصحيح محرّفُ) كانت الفوضى فتاكةً حتى بدجاج التنور! لا احد كان يسْتَطيعُ ضبطَ إيقاع هَذَه الكوميديا السوداءِ بالبلد!.
عمَّار؛
كان يمتلك مؤهلاتٍ علميةً ولغويةً تمكّنه من فرض نفسَه كنموذجٍ يمكن الأستفادة منه، فضلاً عَن لغاته الثلاثَ الَتِي كان يُجيدها.
عمل مع الأمريكان، ومن ثُم التحق بأحد الأحزاب الكبيرةِ بالبلد.
كَذَلِك
كان يعملُ كمستشارٍ لِبَعْض ذوي النّفوذ، وفي بَعْض الأحيانِ يكون ذراعاً خفيّةٍ لِبَعْض الشخصيّاتِ الَتِي تحتاجُ إلى مساعدته،، صَار أسماً يتمّ تداوله بحذر بين الأوساطِ لحل بَعْض الأمور الَتِي تحتاجُ إلى مفاوضاتٍ غير رسميّةٍ، او عقد صفقاتٍ من النوع المريب! بدأت حسابات عمَّار تختلف حسب نوّع الظّروف والزمن، وبدأ يفكّر ان يستغل كل الفرص المتاحةِ لهُ لغرض تكوين ثروةٍ يحتمي بها عِند خروجه من ألعراق.
فعلاً حصَّل علَى ثروةٍ لابأس بها نتيجةً للصفقات التي كَانت تُعقد بالنيابةِ عَن مُختلف الشخصيّات المتنفذة.
في أحد الاجتماعات العامّة الَتِي كَانت تُدار بأسم تحقيق المساواة ونبذ الإقتتال بين أفراد ألشعب كَانت اناهيدُ حاضرةً في تلك الندوةِ مُمثّلةً عَن الحُقوق والحريات الإنسانيةِ، خارج التوجّهات الدينيّة، كانت الندوةُ عبارةً عن تجمعٍ يضمُ اكبر عددٍ مَن الشخصيات المؤثرةِ والدينية، لقراءة المشهد بشكلً أخر والخروج بِبَعْض الحلول لإيقاف التشنج الطائفي والاحتدام المؤسف بين المكوّنات.
بالعادة بعض وليس كل هَذَه الاجتماعات هِي لغويةٍ تنظيريةٍ لغرض التسويق الإعلامي! فإن هناك من يدير تلك الأمور بشكلٍ أكثر تأثيراً مَن هَذَه الاجتماعاتِ والندوات، الأمر الآخر في هَذَه اللقاءات هِي التعارف الجاد بين المؤسّسات او الشخصيّاتِ الاكثر اهميةً وتأثيراً، ليتسنّى عقد إجتماعاتٍ أكثر جدّيةً وسريةً لغرض عقد صفقاتٍ مَن نوّعٍ اخر، اغلبها كان إستثماري ربحي.
هناك اسثمارٌ حقير، تجارةً بطرقٍ أكثرُ نذالةً مَن منفذ الجريمةِ نفسه، هو الإستثمار الإرهابي، حتّى في دخول المفخخات من خلال سيطرات التفتيش!! والمخدّرات، والأسلحة، والأطعمة الفاسدة، والأدويةِ الفاسدة او غير المرخصة.
فضلاً عن الأستثمارات الأقل وساخةً، لكنها نظيفة من الناحيةِ القانونية.
بالنتيجة، كل شَيْء يمكن ان يتمّ استحصالُ المالِ منه هو يخضعُ لبعضِ تلك اللقاءاتِ والاتفاقات، سواءً كان مول أو مشروعَ موتٍ!، او مؤسسةٍ ذَات مسمى علمي او ديني.
كَانت انهايد جَمِيلَةٌ بشكلٍ جَعَل الحاضرين يعانون مشاكل في أجزاءٍ حسّاسةٍ من أجسادهم!
لم يكن احداً يفكّر بحرمةِ مصافحتها من عدمه. الجميع مد يده لها عندما صافحتهم، وحتى عمَّار. ولم يكن الأمر يعني شيئاً لهم حتّى لو وصّل إلى قادتهم المستشكلينَ ايدولوجياً علَى مثّل هَذَه الممارسات.
كانوا يتكلّمون وعيونهم تتجهُ صوبَ اناهيد، وايلان. الشابةُ المسيحيّةُ الَتِي حضرت ممثلةً عَن تجمّع الأقليّات.
يوجد حضور نسوي في الندوة، كان قوياً في العرضِ والأداء ، لكن بالجمال؟. مقارنةً بإيلان واناهيد يعتبر شيئاً مهملاً، فالجميلاتُ دائماً يأخذنَ مساحةً كبيرةً من الاهتمامِ عند النقاش في الندوات الفكريّةِ والأيدولوجية ولا أعلم ما الربط؟!
عمَّار أنتبه الى إنها تتكلم بمعقوليةٍ ذاتَ أبعادٍ لايمكن تجاهلها في الوضع، كأنها تعلمُ شيئاً، او أن هناك تحولاً قادماً في الأفق،وضعت دراسةً شاملةً وإستراتيجيةً لما يمكن ان يَكُون في المستقبل، واكدت على إننا سنغادر هذه الفوضى والدَّم المجاني.
ركزَ عمَّار جيداً في كلامها. وبأعتباره هو اكثر الحاضرينَ تميزاً. دقق في مداخلاتها، فهم أن هناك مستقبلاً جديداً يتمُ رسمهُ بطريقةٍ أخرى في العراق، بعيداً عن طاولة التّوازن للقوى المتصارعة، وآلة الشحن الطائفي.
هناك سياسةً جديدةً للبلد تسيرُ نَحْو الإستقرار والثروةِ المريحة.وان التقاربَ هَذَا حاصلٌ بالسيطرةِ علَى منابع الشحن الطائفي، واستخدام وسائلَ مُجديةً أما في قمعها او توظيفها نَحْو أسس بنّاءة.
فهم ذَلِك عمَّار واشتد اعجابه بـ اناهيد وفكّر ان يكون شريكاً لها في عملها.
اناهيد تعملُ بمجالاتٍ كثيرةٍ تابعةٍ لواحدةٍ من المؤسساتِ التي تمول نفسها ذاتياً، وتمتلك مشاريع دافئةً ورحيمةً مع البشرِ لتحقيق مساعداتٍ إنسانيةٍ عديدة.
تم مفاتحة اناهيد من قبل عمَّار أن يكون ضمن طاقم عملهم ويتخلى عَن أعماله مَع الآخرين، وتم استحصال الموافقة من ((الرئيس)) حسب تعبير اناهيد، الرئيس هو المسؤول عن كل الأعمال الإنسانيةِ والخيرية الَتِي تديرها اناهيد في العراق، ويتمتع بصلاتٍ وثيقةٍ مَع جميع الاطراف النافذة في البلد وخارجه، كما انه احياناً يتواجد خارج العراق، واكثر تواجدهُ في لندن والكويت.
عمل عمَّار مع اناهيد لمدّةٍ قاربت التسعةَ أشهر او سنةٍ تقريباً، لم تكُن الأمور تسير على مايرام بالنسبة الى عمَّار، الأجورُ قليلة، الصفقات شحيحةً او معدومة،حالاتٌ أخرى من التي كان يمارسها عمَّار للضغطِ علَى الخصومِ او المستثمرين اصبحت غيرُ موجودةٍ، فقط كان عمل يشمل أكثر الجوانب الإنسانيةِ ومساعدةِ الآخرين، والإهتمامُ بتثقيف المجتمعِ فضلاً عَن برامج نبذ العنف، والاستبياناتِ الخاصةِ بمجالاتٍ اسريةٍ، وندوات ومؤتمرات وورشٍ للعمل.
كانت اعمالاً معظمها خيري بإمتياز، والقليل منها كان ربحي.
رأى في اناهيد إنسانة أكثر من رائعة في صلابتها وشجاعتها وإمكانياتها الكبيرة في الإدارةِ والحوار، والإنسانية مع الآخرين. لكن شخصيتها الغامضة كَانت مثار جدلٍ كبير في عقل عمَّار.
بعد أن اصبحت العلاقةُ وثيقةً جداً باناهيد وكانت حميميةً ايضاً في ساعاتٍ كان عمَّار يُشَك إنها اناهيد التي يعرفها، وماهذا اليوم المفاجئ الَّذِي تكون فيه اناهيد بهذه الطّبيعة! والأنوثةِ الخلاقة التي تمنح من خلالها كلّ شَيْءٍ إلى عمَّار.اصبح كل شَيْءٍ يُفتح بواسطة رمزٍ سري، بيد اناهيد! الحاسبة-التلفون-القاصة.
اصبح عمار ورقةً مكشوفةً عند انهايد.
ازدادت ثقةُ عمار بأناهيد بحدودِ اللامعقول لكثرة ما كَانت تمارسهُ مَن أعمالٍ خيريةٍ وإيمانٍ منقطعُ النظير في التعامل الإنساني مع الآخرين. مع ثقافتها ولباقتها وعقليتها الفذّةِ في إدارةِ المشاريع الرحيمة.
كل تلك الفترة كان يخطط عمَّار لخطف قلبها، ليسرقه مع الثروة التي حصَّلَ عليها، ويهاجر معها بعيداً عن أرض الفوضى!.
فتح عمار الحاسوب وبدأ بتشغيل القرص الصَّلب.
ملاحظة:اي اسم يرد او موقف هو من خيال الكاتب ليس بالضرورة ان يَكُون حقيقًة،ولا عِلاقة للكاتب بأي تشابه يحصّل علَى أرض الواقع فهو بنحو المصادفة.