18 نوفمبر، 2024 1:02 ص
Search
Close this search box.

ردا ًعلى كتاب إحسان وفيق السامرائي ، وما جاء فيه

ردا ًعلى كتاب إحسان وفيق السامرائي ، وما جاء فيه

حين يقوم أي كاتب محترف بالتطرق السوسيولوجي لمجتمع ما ، وطرح شخصيات ذلك المجتمع على طاولة النقاش والنقد ، كان لا بد  له من الاستعانة المسبقة بمصادر موثّقة  لها مراجعها وأصولها وقرابتها قبل البدء بالكتابة الجدّية ، لأن الموضوع الذي يتم تناوله بهذا المستوى التوثيقي يكون بالتأكيد بعيد كل البعد عن السرد  القصصي الذي يسمح  لمؤلفه ويفتح له مجال التخيّل والخلق والابتكار والتحاور ضمن شخصيات لا واقعية ابتكرها ومنحها حيزا ً ارتآه مناسبة لسرده  ،  كونها قصته ؛ يحيكها ويحبكها كيفما يشاء ، ولن يجادله احد في موضوع القصة وحقائقها  ، لكن إخراج كتاب توثيقي يستعرض فيه مدينة البصرة وأحداثها ، وشخصياتها التي عرفها الناس عن كثب  ، للفترة من بدايات القرن العشرين وحتى 1979 كما أراد  المؤلف إحسان وفيق السامرائي في مقدمة  كتابه  (لوحات من البصرة،عبير التوابل والموانئ البعيدة)  إذ  كان الأجدر به مراعاة المصداقية في طرح الحدث والمعلومة  . وكان المفترض فيه أيضا ً أن يكون حريصا ً أشد الحرص على أن يدقق ويتابع ويسترشد ويبحث عن أية معلومة يذكرها مهما كانت صغيرة وغير مؤثره بنظره ، وهذا ما لم يحصل.

جاء في كتاب ( لوحات من البصرة  ، التوابل والموانيء البعيدة ) للكاتب إحسان وفيق السامرائي ، من منشورات مركز دراسات البصرة ، وبمساعدة جامعة البصرة ،الصادر عام 2010 وعلى الصفحة 443 من الكتاب ، ومن ضمن سير شخصيات البصرة سيرة ( جاسم حلاّوي ) ، حيث جاء في السيرة أنّه كان شيوعيا ً وأنه قد اختلف مع الشيوعيين فخرج من الحزب الشيوعي ، وهذا ما لا يحق له ذكره فمن أين له هكذا معلومات،   ومن أعطاه الحق بالكلام  بهذه الصيغة التجريحية ؟ إذ لا يمكن السماح لأي ٍ كان التشكيك بشيوعية وماركسية جاسم حلاّوي الا بشهادة معلومة ، لا افتراض مبهم . أما موضوع  النقاشات والتي يتخللها الخلاف الفكري في نقاط ما  فهي بكل تأكيد من ميزات الأحزاب الشيوعية وأسباب بقاءها واستمرارها وديمومة قوتها أمام هجمات الدكتاتوريات والأنظمة البوليسية على مر الزمن كونها أحزاب ذات طبيعة ديالكتيكية تقبل النقاش والنقد مما يزيد ذلك من متانتها وتماسكها ، لا التصفيق ألنفاقي ( للقائد الضرورة) للأحزاب البوليسية الشوفينية !
أما موضوع دراسته في جامعة كادحي الشرق في (أذربيجان ؟ ) وأنه اشتغل عامل بناء وانه لم يتقدم في الحياة ، فهذه أخطاء مضحكة وتزوير للحقائق جاءت ربما دون عمد من كاتب  لم  يحاول الاستعانة بأقارب وأبناء جاسم حلاّوي لمعرفة سيرته الحقيقية في أنه خريج معهد دار المعلمين العراقية وليس جامعة كادحي الشرق في موسكو ( لا في أذربايجان كما حددها الكاتب لا أدري كيف ! ) علما ً أنّ الجامعة الأخيرة هي من خيرة الجامعات العقائدية والتي درس فيها يوسف سلمان يوسف  ( فهد ) .
 واستمر جاسم حلاّوي  معلّما ً مرموقا ً قبل وبعد خروجه من سجن نقرة السلمان حين أعاده النظام الجمهوري إلى التدريس بعد ثورة تموز/ 1958   وواظب على التدريس في مدارس الأصمعي والنبراس في البصرة ، وأصبح مديرا ً للمدرسة متقدما ً بذلك على أقرانه  في المجتمع كشخصية بصرية  معروفة  ، والذي ما أن يُذكر اسمه  حتى يُعرِف  ويميّز بشخصيته الأدبية ، وبالبيريه الفرنسية التي يعتمرها ، لا أن تُطرَح جملة   (لم يتقدم في الحياة)  بكل سهولة كما ذكرها الكاتب بنص العبارة وكأن جاسم حلاّوي أصبح عالة ً على المجتمع ومنبوذا ً. وإن كان كذلك فكيف حمّله الكاتب على متن كتابه كشخصية بصرية؟!
ولم يعمل والدي بالبناء إطلاقا ً ليس ترفّعا ً بل أن والده ( جدّي ) هو من كان عامل بناء ، وكان والدي جاسم حلاّوي يفخر أن جدّي قد مات إثناء عمله في البناء ، وأن عمل البناء والجهد الذي قدمه جدّي والذي  لم يكن يسد لقمة العيش هو ما جعل والدي شيوعيا ً ، هكذا أخبرنا وعلّمنا نحن أبناءه الخمسة .
 وان والدي جاسم حلاّوي  كان يمقت أن يقال عنه طيبا ً ، كما كان يؤكد دائما ً، فالطيبة كان يعرّفها بالغباء والبلادة والركون وعدم الحضور والاستسلام  .  كان الأجدر بالكاتب  إحسان السامرائي أن يسميه مصلِحا ً محبا ً للفقراء ، مساعدا ً للضعفاء . فقد كان جاسم حلاّوي معلما ً متنوّرا ً ثوريا ً، قام بتخريج المئات من الطلبة الذين أضحوا أطباء ومحامين وقتها ، ومهندسين وعلماء في الفيزياء والذرة ، وشعراء غذّاهم المعلم جاسم حلاّوي بخبرته البلاغية في النحو والأدب ، لا أريد ذكرهم  وزجّهم في هذا الموضوع  الذي أكرِهت على الخوض به  ؛  أناسا ً ظلوا  يذكروه  ، وينحنون له أمامي كلما صادفوه وأنا صغير حين كان يحب أن يخرجني معه  . وماركسيا ً لم يضاهيه أحد في إلمامه بالفكر الماركسي  . إذ كيف عرف الكاتب إحسان السامرائي  أن والدي جاسم حلاّوي كان طيبا ً إلى درجه حالت دون تقدمه في الحياة ؟ إهانة اوجبتني على الرد عليها وأن أقوم بتعميم  اللامصداقية على كل ما جاء بكتابه هذا .
ثم هل يستحق جاسم حلاّوي ثمانية أسطر فقط ليـُكتـب عنه ؟ ذلك الشخص الذي ساهم  بتأسيس الحزب الشيوعي العراقي ، واستمر صديقاً ورفيقا ً ليوسف سلمان يوسف ( فهد ) وزكي محمد بسيم ( حازم ) وحسين محمد  الشبيبي   (صارم ) ، وصديقا لمحمد حديد ، وعبد الكريم قاسم ، وكامل الجادرجي ، والجواهري،  وصلاح خالص ، ومحمود عبد الوهاب .
جاسم حلاّوي الذي حاول المشاركة مع الجيش الأممي لإنقاذ جمهوري اسبانيا الفتية من هجمات فرانكو الفاشية عام 1937، ليعتقل على الحدود العراقية ، ولم يطلق سراحه حتى سقوط الجمهورية الاسبانية وسحق الجيش الأممي بالكامل ، وسيطرة فرانكو بمساعدة جيوش هتلر النازية   والطابور الخامس . والتي خلد مأساتها  بيكاسو بلوحته ( جيرنيكا ) ،
جاسم حلاّوي الذي قاد مظاهرة عمال السكك وعمال الموانئ إبان الحكم الملكي  . وأدخل أول مطبعة للحزب الشيوعي العراقي هدية الاتحاد السوفيتي عن طريق حزب تودة الإيراني لينقلها من الاحواز ويعبر بها شط العرب ويدخلها البصرة تحت جنح الظلام وبكل تلك الجرأة والتحدي عام 1943 ، والتي وثقتها موسوعة مديرية الأمن العامة العراقية  بأجزائها الخمسة تحت عنوان   (أضواء على الحركة الشيوعية في العراق ) من إصدار دار المرصاد إبان الهجمة البعثية الشرسة على الحزب الشيوعي العراقي والجبهة الوطنية عام 1979، تأليف (الاسم  وهمي) سمير عبد الكريم / الجزء الأول ، ص 61.
ويسجن في سجن نقرة السلمان سيء الصيت بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي العراقي المحظور لا أكثر ، وبالأشغال الشاقة الثقيلة عام 1949.
  
وكانت وفاته عام 1995 على ذراعي  إثناء نقله إلى المستشفى بعد جلطة ألمت به في الدماغ ، ليخبرني أنّ ساعة موته قد أزفت ، وأنه سيموت ماركسيا ً ، وانه فرح إذ  لم يضعف ويترك يوما ًهذا الفكر الحقيقي الحي  ، هكذا قال لي ، ومات مرتاحا ً .

ملاحظة :
هذا نص ما كتبه إحسان وفيق السامرائي عن جاسم حلاّوي حرفيا ً في كتابه ( لوحات من البصرة ،عبير التوابل والموانيء المنسية ) :-

يعتبر الكاتب والصحفي ” جاسم حلاوي ” من مناضلي الحزب الشيوعي ومن رفاق ” فهد ”  درس في جامعة كادحي الشرق في اذربيجان واشتغل عامل بناء وسجن وابعد إلى نقرة السلمان ثم اختلف مع الأطراف التي انشقت بعد إعدام فهد ورفاقه عام 1949 فخرج من الحزب الشيوعي .
له إلمام واسع باللغة الانكليزية فاشتغل ببعض الشركات ثم تركها بسبب مراقبة الأجهزة الأمنية وبدأ الكتابة في الصحف والمجلات اليسارية المنصبة على الصراعات الطبقية .
عرف بطيبته المتناهية وصراحته التي حالت دون تقدمه في الحياة .
[email protected]

أحدث المقالات