منذ القرن الثاني الهجري ومنذ بداية عصر تدوين ” السيرة ” وكتابة المدونات التاريخية الأهم في العصور المبكرة للأسلام كان للأقوام الغير عربية دورا بارز في كتابة المدونات الأهم في الفترة المبكرة لبزوغ الاسلام وكان البخاري واحدا من أولئك الأعاجم الذين غاصوا عميقا وبذلوا جهذا عظيما لتدوين الأحداث الأهم التي شكلت الدولة الاسلامية الأولى وفي جانب آخر كانت هناك أقوام أعجمية بأعداد كبيرة لم يكن الأسلام يشكل بالنسبة اليها سوى عزوا أتاهم من صحراء العرب وأذل كبريائهم ومدنيتهم العريقة فبرزت خلال القرن الثاني الهجري حركات القرامطة بقيادة فرس خراسان المندحرين امام الغزوات العربية وبرزت أفكار أمتزج فيها الاسلام بعقائد زرادشتية وأفكار قومية فارسية رفضت الاذعان لفكرة أن يكون ” الرسول المختار ” عربيا وبرزت أفكار وفرضيات رفضت فكرة تنزيل القرآن وشككت بالوحي وأعتبرت النبي صاحب الفكرة والامتياز, وخلال فترة حكم الأمويين ضل العرب هم أصحاب القرار ومحتكري المناصب القيادية العسكرية والسياسية الى أن جائت الدولة العباسية والتي كانت دولة شعوبية بامتياز, فقد أسست دولة بني العباس بسيوف الفرس الخراسانيين بقيادة ابو موسى الخراساني ذلك العبقري الذي غير التاريخ من خلال أدوار عسكرية وسياسية لعبها باتقان “وأجتث” الامويين وحكمهم العربي بكل ما تحمله الكلمة من المعاني مع السفاح العباسي أبو العباس الذي وصل به الأمر الى أخراج جثث موتى الامويين وصلبها فكانت بداية جديدة لدولة أسسها وهيمن عليها الفرس حتى الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي أنقلب على هذه المعادلة التي جعلت الخلفاء العباسيين مجرد واجهة لحكم الفرس وانقض على عائلة البرامكة الفارسية المهيمنة على القصر العباسي في ذلك الوقت وأستعان بقبائل الترك الذين كانوا خيارا مثاليا للعباسيين الذين لم يكن لهم بين العرب مؤيدين كثيرين ولم يكن لهم أي العباسيين أن يثقوا بالعرب الذين أنقسم ولائهم بين الأمويين والعلويين فأستبدلوا الفرس بالترك وكلمة الترك لم تكن تشمل أتراك الاناضول الذين نعرفهم اليوم فحسب بل كانت تشمل العشرات من قبائل وقوميات آسيا التي يغلب عليها العرق الأصفر وبعد وفاة الخليفة الرشيد برز الصراع على الهيمنة نزاعا دمويا بين أبنيه الأمين ” أبن الفارسية” والمأمون ” أبن التركية” وكانت معركة انتصر فيها المأمون مع أخواله الترك وذبح فيها أخيه الأمين فكانت بداية لعصر سيطر فيه الأتراك على مقدرات الدولة الأسلامية لقرون طويلة .
خلال تلك الحقب من النزاع بين الفرس والترك لم يكن للعرب دورا كبيرا في السياسة وكانوا يشكلون طبقة شعبية همشت في العراق وانعكس ذلك بكل قوة على مدارس الفقه التي ولدت في العراق وكانت الحرب على مدرسة الأمام جعفر بن محمد الصادق حربا لا هوادة فيها فقد كانت تشكل تهديدا حقيقيا ومعارضة واضحة لهيمنة الأعاجم على الحكم وبرزت تلك الحرب وذلك التمييز بصورة كبيرة في عهد المستنصر بالله الذي أسس المدرسة المستنصرية التي لم تكن سوى مدرسة دينية كانت تدرس ” المذاهب الأربعة ” التي أختارتها الخلافة العباسية من بين العشرات من المذاهب وفق قياسات وشروط محددة وكان التلاميذ في تلك المدرسة يستلمون راتبا من المال العام ويأكلون ارقى ما وفره ذلك الزمان من الطعام بتمويل من القصر العباسي ليكونوا رسلا لنشر “مذهب الدولة ” في العراق وبين شعوب الفتوحات الحديثة في مقابل المدارس الاخرى العلوية وحتى غير العلوية من مدارس السنة التي شكلت معارضة فكرية وممانعة عقائدية والتي شرد أتباعها وقتلوا وملأت بهم سجون الترك في بغداد وسر من رأى والتي حولها لسان سكانها الأوائل من الترك الى ” سامرا ” وأصبح المذهب الرسمي للدولة هو مذهب الفقهاء الفرس وعلى رأسهم مذهب الشيخ أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن مرزبان الفارسي والذي لم نقرأ او نسمع أحدا ينتقص من نسبه ودمائه الفارسية النقية نقاوة دماء الأكاسرة بل جرت العادة على الانتقاص من الأمام علي بن الحسين بن علي وأولاده من أئمة المذهب الجفري لأن أم علي بن الحسين بن علي هي أبنة كسرى الفارسية ولم يشفع له ولا لأولاده دماء أجدادهم علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله فقد أصبحوا فرسا بامتياز خلال عصر الهيمنة العثمانية الارطوغلية التي تناست أن فقهائها من الفرس فلم يكن بين الترك في بدايات الاسلام فقهاء او علماء فقد جائوا قبائل محاربة مأجورة لا تملك لغة مكتوبة وكانت المنافسة الفكرية والعلمية مقتصرة بين العرب والفرس وامتدت السيطرة التركية الى عصر جديد من الاحتلال الواضح خلال غزو قبائل السلجوق القادمة من آسيا والتي أستولت مع اقوام آسيا من التتر والزنك والعديد من القبائل والشعوب التي واجهت عقدة نفسية عظيمة تلخصت بأنساب خليطة ومجهولة الى حد كبير وكانت في الحقيقة قبائل وشعوب بمسميات مختلفة لا تملك نسبا معروفا أو أن أصولها ونسبها عبارة عن روايات مختلفة أو مختلطة ! وهذا الموضوع كان مستحيلا بالنسبة للعرب وغيرهم من سكان المنطقة الأصليين فبرزت حركة معاكسة طالما لجأ اليها من يشعر بالنقص في أن يبادر بالهجوم على الآخر ويشكك في النسب أو غير النسب وبرزت حركة شعوبية جديدة شككت واحتقرت كل ما هو عربي وأمتدت الى آخر عمر الدولة العثمانية حيث برزت الحركة القومية الحديثة بقيادات أغلبها لا تنتسب الى العرب وبدأ عصر جديد من أضطهاد العرب حتى بعد أنهيار الدولة العثمانية وضلت العائلات العثمانية وأتباعهم المحتكرين للسلطة والمال في بداية الدولة العراقية الحديثة حتى سقوط حكومة نوري سعيد باشا الداغستاني على يد المرحوم عبد الكريم قاسم أول عربي عراقي يحكم العراق منذ انهيار الدولة العباسية وهنا بدأت حربا شعوبية أخرى ضد ” الزعيم” الذي وصف بالشعوبي ! حتى سقط حكمه على يد الجنرالات الطائفيين وبدأ عصر جديد من أنقلابات عشائرية مذهبية رسخت لثقافة أعجمية موروثة من دولة بني أرطوغل تحتقر كل ما هو فراتي او جنوبي في العراق وهي مناطق شكلت عقدة لدى الدولة التركية التي لم تحكم سيطرتها عليها بشكل كامل خلال فترات زمنية طويلة سيطرت فيها القبائل العربية العراقية الاصلية مع القبائل العربية النازحة من نجد ومن الحجاز على مناطق شاسعة من وسط وجنوب العراق حتى باتت ملاذا للفارين من بطش الأبادة الجماعية التركية من الأرمن الذين لجأوا الى البصرة والناصرية والعمارة وفيما بعد في بغداد هربا من الأبادة العثمانية التي ينكرها اليوم القوميين الاتراك لكن آثار الكنائس الارمنية الاولى في سوق الشيوخ وفي العمارة وفي البصرة تحكي لنا مع الارمن الذين اصبحوا عراقيين وأخوة لنا قصصا مرعبة عن عنصرية ودموية الدولة العثمانية التي لم نتكلم عنها ما يكفي وما زلنا نخاف او نستحي ان نتكلم عن قرونها الطويلة الحالكة التي اعادت العراق وبلاد العرب الى عصور ما قبل الكتابة لكننا اليوم نجد انفسنا وياللغرابة والسخرية ندافع عن عروبة ابناء علي بن أبي طالب بن عبد المطلب .