في سنوات عجاف، كانت الأصوات تخفت، ويهمس في الأذنين، ويدعي المصلي أنه شارب الخمر؛ خوفاً من إتهامه بحزب الدعوة.
كان في داخل العيون بريق أمل، وتطلع لمستقبل؛ يلعب في الإسلام السياسي دوراً في تغيير الواقع، ويرفع الحيف والظلم، ويقيم العدالة الإجتماعية.
قارب الحلم لحظات البزوغ، وإنتظرت الجماهير جني ثمار معاناتها، وتأمل أن ترى النظريات واقعاً، وتلك الأحزاب الأمل في مقاليد السلطة، وإنتظر الشارع سمو الأطروحات الفكرية، وعقلية الدعاة الرافضة للأنا والفردية، وما الكراسي هم سوى تحقيق غايات نبيلة كامنة في صدور المعذبين.
فُرض الإنتظار على شعب أعزل ما تزال آثار الجلادين مطبوعة على الأجساد، ويربطه شريان دماء من الأهوار الى الجبال؛ بشواهد مقابر جماعية؛ تخط مسار الحرية للقادمين الى تطبيق نظرية العدل في الحكم، وتأمر بصيانة المباديء ورص الصفوف والتلاحم، وتتحرك التنظيمات لإدراك مطالب الجماهير غابت عن الأبصار.
لم تمضي سوى 3 سنوات، حتى إنقلب المالكي بعد تسلمه رئاسة الوزراء، على أمينه العام أبراهيم الجعفري؛ بعد إتفاق تنازل الجعفري ليكون أباً روحياً للحزب ورئاسة الوزراء، وسرعان ما إتخذ المالكي إستغلال تبعية السلطة وأبعد الجعفري، وطالت الإتهامات كبار القيادات بالفساد، وإحتضان الفاسدين كنعيم عبعوب، وإرجاع قيادات شارك في جرائم المقابر الجماعية وقطع الأذن واللسان، والسكوت عن قادة عاثوا فساداً، الى أن توغلوا في المال الحرام، وخيانة العراق وبيع الموصل؟!
أدت تصرفات المالكي الفردية، الى إنهيار الحزب، وتسلقت الأصهار الى البرلمان، فيما أُبعد وليد الحلي القيادي البارز، وحل على الأديب ثالثاً، بعد بعد ياسر وأبو رحاب، وعمره السياسي أكبر من أعمارهم، وقال الأديب علانية: أن المال والسلطة هم السبب؟! ويعني نتائج تصرف أمين الحزب، الذي مال الى عائلية الحزب؛ بعيداً عن نظرياته الفكرية، التي تضع الجماهير فوق الطغيان.
تحولت الدولة تدريجياً الى سلطوية، وإعتمد التنصيب على التبعية، ومُثلت الدولة بشخوص أُستأجرت لها أقلام ومحطات؛ جن جنونها بقرار العبادي بإزالة نتوءات الفساد، وتحويل النواب الستة الى مواطنين متهمين بقضايا أهما سقوط الموصل، ومن هذه الأقلام ” باسم العوادي”؛ كرد فعل عامر الخزاعي الذي قارن أعظم شخصية تاريخية بالمالكي، بينما كان العوادي يصف الإتهامات بالخيانة للحزب ومسيرته، وأعترف بوجود قيادات من الدعوة موافقة على التهم، ودعا الى إجتماع عاجل لتدارك الظاهرة الخطيرة، وكأنه فاق الخزاعي بالعصمة، حين وصف رئيس حزب لا يخطأ، ووصف كل ما يحدث تصفية حساب؛ لا تليق بالعبادي أن يتصدرها؛ ضارباً مثلاً بالمجلس الأعلى في حل مشاكله، والمحافظة على وحدة قيادته.
أن الأبتعاد عن آيدلوجيات الدعوة، التي ولدت هشاشة المشتركات الوطنية، وتباعدت الأطروحات التي سار بها المالكي، عن رفاقة الدرب والدماء الزاكية؛ بتفكيكه القاعدة التي إنطلقت من همسة في الأذن وأمل مرتقب، وما كانت تلك الحقبة إلاّ مرتع للفساد،وهالة للأقلام المأجورة، وتبعيه أصحاب الضمائر الرخيصة، والجياع المخدوعين، وبعضهم كاد أن يصل الى الكفر بالمرجعية، بعد أن إنغمس في نظريات تأليه الحاكم.
تبدد الأمل على صخرة الأنا، وذهبت الدماء في أدراج ملفات السلطوية والمحسوبية، والتجربة زادت من المظلوم ظلماً، وأنعكست بسلبية على منهاج الحاكمية الإسلامية.
أنقل نصاً ما قاله باسم العوادي: ” من موقع الأخوة والنصح، أتقدم لأعضاء قيادة الحزب الحاليين، وبعضهم أصدقاء بأن يفيقوا من سباتهم، ويتحملوا المسؤولية الحقيقة، التي تليق بوصف قيادي في حزب الدعوة الإسلامية، ويسارعوا مباشرة لتدارس هذه الموقف، ويضعوا شهداء الدعوة وهم بالآلاف؛ نصب أعينهم ويتخذوا الموقف المناسب، الذي يتناسب مع تاريخ الحزب، ويحافظ على سمعته وحاضرة ومستقبله” وأقول أنا معك في هذه النقطة، ولكن الإفاقة هي بمراجعة الأخطاء، وأن يبدأ الحزب بالتخلص من الأدران، ويقدم نفسه مثالاً في تطبيق القانون، والمسؤولية وعدم قبول الفاسد مهما كان موقعه، في الحزب والدولة، ولا أحد أكبر وأغلى من الدماء والعراق، التي ما تزال تسيل بسبب همجية وغباء ساسةنفخهم الإعلام، وهم تماثيل من ورق، وأن قبول الفساد أهانة لحزب الدعوة.