7 أبريل، 2024 11:10 ص
Search
Close this search box.

رحيل عزيز محمد

Facebook
Twitter
LinkedIn

اثار رحيل عزيز محمد سكرتيرالحزب الاسبق الى مثواه الاخير جدلا بين العديد من الشيوعيين هو في حقيقته انعكاس للرؤى المتباينة والمختلفة لمكانة ودورالحزب الشيوعي العراقي ودوره في تلك المكانة التي جبلتها تضحيات ودماء الشيوعيين وهي من ترك بصماته على الحركة حزبا واشخاصا وليس العكس كما يدعي اصحاب الخطابات الانشائية الجاهزة والخالية من كل مضمون. تراس عزيزمحمد قيادة الحزب الشيوعي العراقي لثلاثة عقود هي من اكثر الفترات تعقيدا وتدميرا وتمزيقا وتشتيتا وتخريبا للحزب انتهاءً بانتهاءه كقوة فاعلة لها وجودها المؤثر ليس في الساحة العراقية بل والعربية.

اختيرعزيزعام 1964 سكرتيرا للجنة المركزية للحزب بعد اعدام عدد كبير من قيادة الحزب عقب انقلاب شباط الدموي 63 والذي قادته ال سي آي إي وما تركه ذلك من فراغ حتم ملاه فجاء اختياره حلا وسطا لصراع كان قائما داخل قيادة الحزب، حين رُفض ترشيح عبدالسلام الناصري لهذه المسؤولية من قبل احدى كتلتي الصراع وذلك لجملة مواقف فكرية، سياسية وتنظيمية. منها بعض الممارسات التي كان الناصري قد سلكها بحق هؤلاء، حيث كلف احد اعضاء ل.م. ان يتقفى “خطواتنا ويلتقط همساتنا” كما عبر المرحوم عامر عبدالله يوما، متوجا ذلك السلوك برفع تقاريره عنهم. ورغم ما تمتع به المرحوم عزيزمحمد من ظرافة ولطافة وكياسة وتواضع وروح مسامحة مرنة مجانبة للعنف وخلق عال حتم عليه الاتصال طالما يسنح الوقت برفاق الامس رغم الابتعاد بالرؤى والاساليب، فبقي على تواصل مع بعضهم ودون انقطاع، منهم باقرابراهيم الذي اتصل به قبل اسبوعين من رحيله مؤكدا له على تلك المعزة المكنونة في النفس والذكريات التي تبقى رغم عوادي السياسة والنفوس المريضة.

الا ان بساطة امكاناته المعرفية ومستواه الثقافي قد تجلى عبر مسيرة الحزب لثلاثة عقود وما تخللها من حقبة هي الاشد هولا في حياة الشيوعيين الداخلية. لم نقرا له كتابا او مقالة بل حتى جملة عن الفكر، الثقافة، التنظيم اوالذكريات، فمعظم مسؤولي وسكرتيريي الاحزاب الشيوعية والعمالية واليسارية تمتعوا بمستوى معرفي عال وثقافة موسوعية مكنتهم من لعب ادوارا حاسمة في مسيرة احزابهم وحركاتهم وشعوبهم والتي تكللت بالنصر، واقرب الامثلة دور الشهيدين فهد وسلام عادل اللذان بذلا المستحيل لبناء حزبا شامخا ووضعه في مساره الصحيح عبر تمتين وحدته الداخلية فكريا، تنظيميا وسياسيا وعدم التفريط باي عضوشيوعي وعبرالالتصاق بهموم الشعب والتعبيرعن تطلعاته وفضح وتعرية التامرعلى حقوقه ونهب ثرواتة والتصدي للاحلاف والمعاهدات المكبلة لارادة الوطن والتضحية في سبيل وحدة الوطن وسعادة الشعب مضحين بحياتهم في سبيل تلك الاهداف السامية، وهنا نتذكر قول اركادي سوفوروف سكرتير المفوضية السوفيتية في بغداد فترة اعدام فهد:”ان موت فهد اثبت كونه اقوى من حياته”. بينما شهدنا في فترة العقد والنصف الاخيرة من قيادة عزيز محمد التضحية بالحزب، امكانية ومكانة ورمزية المثل والقييم الشيوعية والدوس على كل رادع في سبيل المنافع الذاتية والملذات بكل اشكالها. كنت مقتنعا ان عزيز محمد السكرتير الاول قد تمكن من فهم فلسفة هيجل ليستوعب الماركسية ويفهمها بالشكل الصحيح والعميق والمعاصر واذا به عاجز عن قراءة رواية. عام 84 كنا ثلاثة نقرا سوية رواية مئة عام من العزلة فساله احدنا: رفيق هل قرات هذه الرواية؟ اجابه: والله رفيق بدات بها ولم افهمها فتركتها.

لم تكن عضويته في المكتب السياسي ثمرة كفاح خاضه في ميادين وسوح النضال كما هو معهود لاغلب قادة الحزب وكوادره ـ رغم انه دخل السجن وعمره الحزبي سنة ـ بل نتيجة انضمامه الى راية الشغيلة، حيث بدا حياته السياسية بانشقاق داخل السجن وانهاها وانهى الحزب بانشقاق، فقد تنازع ارادته ثلاثة عناصر امتلكت قياده واستحكمت بقراراته. اولاها: ام عرفان التي اسرت عليه كل قواه الروحية والعقلية وكانت السبب في ان يسقط سكرتيرالحزب في حفرة بسبب حالة السكرالتي كان شهودها طارق عزيز عندما كان ابو سعود يتوسطه وام عرفان التي لهاعليه وعلى النظام كبيرعرفان بخدمات جلى والتي كانت تعل له الكاس بعد الكاس خلال حفل خاص في احدى بيوتات بغداد ومطربها ياس خضر، وكان متابع من قبل رجال الامن الذين انتظروا تلك اللحظة ولحظتها تيقن النظام ان فترة سقوط الحزب في حفرة النهاية قريبة، واستطاع ان يشخص الشخص القادرعلى انجاز ذلك المشروع. حدث ذلك بعد فترة من تنبيه عمم داخل قيادة الحزب بضرورة تجنب زيارة بيت ابوعرفان وكان الشخص المعني عزيز محمد. هذه ليست العلاقة الوحيدة اذ كانت له علاقات اخرى وان كانت مشينة ومعيبة، لكن لم تثر تلك العلاقات ذلك الضجيج الذي اثارته العلاقه بام عرفان وذلك لانها جهازالمخابرات في قلب الحزب. الخلل ليس في ذلك التصرف فحسب بل في قبول الحزب قيادة واعضاء لتلك السلوكيات ولهكذا مستوى. عزيز محمد لم يكن عضوا بسيطا ولا ممثلا لنفسه بل ممثلا لكل شيوعي ويساري. الانسان سلوك في حقيقته وجوهره. معروف ان تلك المراة وزوجها ارتبطا بالفرع الاول لجهاز استخبارات النظام منذ النصف الاول من السبعينيات بعد اسقاطهم سياسيا وتوظيفهم داخل الحزب لحساب امن النظام السابق. الامانة على مصير حزب يضم مئات الالاف بين عضو وصديق والامانة على دماء الاف الشهداء وقضية شعب نذر الشيوعييون حياتهم لاجلها تستوجب اقصى اشكال الحذر وكما تقول الحكمة: من مامنه يؤتى الحذر. ومع ذلك وجدنا الملذات الحسية لعزيز تطغى على كل اعتباروكان كل شئ دونها. واستمرهذا المسلسل المشين بعد اعتقال زوجها 86 في دمشق حين طالب عزيز محمد من عبدالله الاحمر اطلاق سراح زوجها فاجابه في المرة الثانية بانه يعمل ليس ضد سوريا فحسب وانما ضد حزبكم. وحاول ابو سعود اشراك الحزب الشيوعي السوري في لعب دوره لاطلاق سراحه. في نفس الوقت، سالت زوجة احد الشهداء عزيزمحمد: رفيق لماذا لا يستطيع ابنائي المجئ الى دمشق لالتقيهم؟ اجابها: والله رفيقة لا اعرف، اجابته طبعا لا تعرف، لانك لم تلتق يوما زوجة شهيد اوابن شهيد لتستفسرعن احوالهم وظروفهم. في نفس الوقت استدعى الحزب منتصف احدى الليالي احد الاطباء الشيوعيين لحالة طارئة، قدم وهو يحمل روح التضحية قبل ادوات العلاج، دخل البيت المعني مع مبعوث الحزب واذا به يصادف لاول مرة رجلا مع زوجته، كانت خصيتيه ملتهبتان واللتان احيطتا بكل الرعاية والاهتمام من قبل الحزب والنظام معا، كان ذلك هو ابوعرفان. في الوقت الذي حرم فيه من العلاج شيوعيون قدموا للتومن كردستان، او منع العلاج عن اخرين، بل والاكثرحوسب من وفردواءا لبعضهم. والمدهش ان نفس الرفيق الطبيب ارسل لحالة طارئة اخرى في موسكو منتصف السبعينات عندما قدم احد اعضاء ل.م وبعد ان ترك زوجته وابنائه في الفندق خرج ليبحث عن احدى بنات الشوارع والتي ما ان دخل بها الغابة في منطقة مرتفعات لينين حتى خرجت بواسيره. وبعدعشرة اعوام يكلف من قبل عزيز وفخري لمهمة في بلد اشتراكي سابق، وتاكيدا لحكمة المتنبي “وشبه الشئ منجذب اليه” فعل الافاعيل وسلك مسلكا يندى له الجبين.

الحزب الذي يؤكد فهمه وقرائاته للواقع على طريقة ترديد النشيد، مصيره التقهقر والافول وهذا ما حصل. الحزب الشيوعي العراقي من اكثر الاحزاب الشيوعية تشددا في اقتفاء اثرالسوفيت كما هو الموقف من الشيوعية الاوربية التي انتقدت الاتحاد السوفيتي الذي استنفذ امكانياته ولم يعد قوة فاعلة ضد الامبريالية وابتعاده عن الديمقراطية وادارة المجتمع، وهذا الراي قد طرح عام 82 من قبل الشيوعيين الفرنسيين لوفد الحزب الى مؤتمرهم 22. حيث رفضت تلك الافكار. عندما اعترف الشيوعيون السوفيت بصحة طروحات الشيوعية الاوربية 87 لم يعد للحزب موقف لان الشيوعيين العراقيين لم يقيموا فهمهم للماركسية على ضوء الواقع العراقي وينطلقوا بها من هذا الواقع، بل حاولوا صياغة الواقع وفق الفهم الخاطئ للماركسية، عكس الشيوعيين الفيتناميين الذين قادوا الشعب نحو انتصارات خلال 35 سنة اذهلت العالم ولا زالت الى الان. لانهم انطقلوا بماركسيتهم من الارض الفيتنامية، فاستطاعوا جذب القوميين الفيتناميين الى صفوف الحزب ليصبحوا قادة الحركة الشيوعية الفيتنامية.

ربيع 78 ـ وبعد سنة من خطاب عزيزمحمد في ذكرى تاسيس الحزب حين قال عبارته الشهيرة:” سنبني الاشتراكية معا.” موجها كلامه لنعيم حداد. ـ عقد المكتب السياسي للحزب اخر اجتماع له والذي اتخذ خلاله قرارالحزب انهاء العلاقة مع السلطة ومستلزمات التوجه الجديد، في مكان سري، كنت الشخص الوحيد الموجود في ذلك البيت، حيث حضر كل اعضاء م.س باستثناء عزيز محمد والذي زارالمكان قبل ايام من موعد الاجتماع. في كل ميادين الحياة نجد المسؤول الاول، اول في التعبيرعن دوره القيادي من الرعاة الى زعماء كبريات الدول مرورا برؤساء الشركات والمؤسسات، بل حتى الذئاب عندما تخطط للهجوم يقود عملية الاستطلاع والتخطيط وكذلك الهجوم ذئبا رئيسا او فذئبة، هو اوهي من يقررالهجوم او التراجع، فالقيادي هو من يتخذ القرار الصعب في اللحظة الحرجة، وبما ان كل فترات الحزب خلال قيادة عزيز محمد حرجة تقريبا الا اننا لم نلحظ اي قرار ينسب اليه، بل لم نقرا ولم يعرف الشيوعيين العراقيين ان سكرتيرحزبهم قدم ولو مرة واحدة مبادرة لانقاذ الحزب وانقاذه والشد من ازره والسير به في الطريق السليم .

ثانيها: النزعة القومية التي تبدت في موقفين معبرين في ابلغ تعبير. الموقف الاول: ما يوثقه ويستغرب ويندهش له المرحوم رحيم عجينة في مذكراته حيث يقول:”لم يكن الامل الذي عقدته على عودة السكرتيرمبررا كليا، فانه كان يقاوم بعناد واصرارمزاجيين اي جهد لوضعه في قلب النشاط القيادي في تلك الفترة ومن ناحية اخرى كنت ارى، ويرى اخرون انه لم يكن موفقا في اكثر من مناسبة في مواجهة النزعات القومية الضيقة، واجج في اكثر من مناسبة هذه النزعات. ولا بد لي من القول ان هذا لا يعني انه لم يتصد لهذه الاراء ولكنه لم يكن ثابتا، بل واقعا تحت ضغط فكري وقومي ونفسي غير قليل… اخذتني الحيرة حول اسهامه في الاحتفال بذكرى تاسيس الحزب المقامة في اربيل اذار 92 ولكن صدمني حين القى كلمته وصدمني اكثر عندما قرات نصها. سكرتير الحزب كل الحزب يلقي كلمته بالكردية في تجمع يفهم العربية بشكل جيد. كان ينبغي ان تكون بالعربية والكردية لتجسيد تركيب الحزب في بلد متعدد القوميات، بالاضافة الى ان سكرتيرالحزب كردي مما يعكس الروح الاممية لدى الشيوعيين العراقيين العرب. ثم ان المحتوى لم يجسد طبيعة الحزب العراقية ونضال الشعب العراقي وانما كان حديثه عن الشعب العراقي كانه يتحدث عن اي شعب صديق اخر، وغلبت على الكلمة نزعة قومية كردية تلقاها الحاضرون بترحيب لمنطلقها القومي.” هذا هو راي مسؤول سابق في الحزب. رحيم عجينة يتسم بالهدوء والسكون والرزانة، رغم انسياقه بقدراواخر في تلك السياسة التي قادت الى تفتيت الحزب وتقزمه. هذا الاندهاش وتلك الصدمة تعكس سذاجة الشيوعيين العراقيين خصوصا الفئة المثقفة والواعية في قبول قيادة شخص لا تتمثل فيه سمات الامانة والحرص والقدرة. لم يشهد له بدو، ولاعبارة واحدة ماثورة لديه، القيادة قدرة، امكانية، نبالة تولد في لجج الحياة وعنفوانها، ينفخ في روحها صلابة الموقف والاصرار المستمد من عمق الوعي الثوري، اعني ثورية الحياة، الصيرورة كواحدة من اهم مقولات الديالكتك. عندما ابلغ المرحوم عامرعبدالله عزيز محمد بما تناهى الى سمعه عن موقف المرحوم ثابت حبيب العاني في السجن، اتخذ الموقف المعروف بحق ابو حسان مباشرة، ولكن عامر لم يهمل الموضوع فاستمر في التحقق من صحة ما سمعه، ولما تاكد له من مصادر كانت قريبة من سلطة القرار في النظام السابق واكثر ثقة بل واكدوا لعامران ذلك المصدر شخص لا يؤخذ برايه ولايعتد به، ومعروف عن ثابت انه صمد ولم يتخاذل لحظة، نقل عامر عبدالله المعلومات الجديدة لعزيزالذي بدوره القى بها في سلة المهملات.

الموقف الثاني: دوره في شق الحزب 93 لتاسيس الحزب الشيوعي الكردي، لم يكن عزيز وقتها خارج الحزب او خارج المسؤولية بل هوالامين على وحدة الحزب وسلامة منظماته وتوجهه، فتعامل مع هذا الكيان كاي دخيل يظهرعكس ما يستبطن، متسلحا بنزعه قومية شد على يديه عمرعلي الشيخ وكريم احمد الذي يصفه حنا بطاطواستنادا الى الوثائق البريطانية وبعد تسلمه سكرتارية الحزب 53 بعد اعتقال بهاء الدين: “كان حتما خارج مكانه عند تسلمه السكرتارية، لم يكن يعرف عن الماركسية اكثر من شذرات قليلة، وكان ما زال متخلفا بالمعنى السياسي ـ والحقيقة انه لا زال الى اللحضة متخلفا بالمعنى الفكري والسياسي ـ وكشفت الافكار عن رجل مشوش فكريا.” وظف عزيزكل الامكانيات والجهود والظروف الغير طبيعية وغيرسليمة واللامبداية لتحقيق هدف شق الحزب منتقيا مجموعة تعودت على الامتثال لما يطلب منها، ترى الخضوع لب السياسة وجوهر الامانة الحزبية، لا تعرف ان قول لا ولا يعرف روح الاختلاف لروحها سبيلا.

ثالثها:فخري كريم بما مثله من دورهئ واعد له منذ ما قبل الخروج من العراق. الانسان سلوك، وسلوكه ينطق عنه بلغة الافعال. منح نفسه عضوية المكتب السياسي وهو المرشح لعضوية اللجنة المركزية. قدم موسكو 1980 فقدم نفسه عضو مكتب سياسي. وقتها سال السوفيت المرحوم عزيزشريف عن صدقية هذا الادعاء وهم ادرى بخفايا الامور، فقال لهم: هو مرشح لعضوية ل.م. في المؤتمر الثالث. وبموازاتها اغتصب مؤسسات الحزب، واخذ يكيل الاتهامات لبعض الشيوعيين بانهم على علاقة بالنظام وسفارته في بيروت، الا ان اثنان ممن اتهموا طلبوا لقاء فخري، وحصل ذلك على سطح احد بيوتات بيروت، اخبرهم ان ثمانين بالمئة من الحزب غير معروفة مواقفهم، اجابه احدهم بعد ان امسك مسدسه: سافرغ محتوى هذا براسك ان سمعتك تتقول علينا ثانية. حاصر كل الشرفاء والمناظلين، منهم المرحوم حسين الكمر الذي وضعوا ب.ن. حارسا عليه وحذروه من التحدث اليه، بعد فترة ادرك ان هناك شيئا ما وراء الاكمة، فاقترب منه واخذ يحادثه ويطمئن اليه، فكانت كلمة حسين الكمر:”احذروا فخري كريم انه خطر لا تعرفون حقيقته.”. واستكمالا لذلك ولما اصبح في يديه من ملايين الدولارات من تلك المساعدات الممنوحة للحزب من جهات ومصادر عديدة قد اودعها في حسابه الخاص، وما حققه من المضاربة بالليرة اللبنانية. اقدم على تاسيس جهازامني داخل الحزب، بموافقة عزيز محمد الذي طرح بدوره الموضوع على احد قيادة الحزب، فاجابه اخشى ان يتحول هذا الجهاز ضد الحزب، وهذا ما حصل. جند شيوعيين كمخبرين ضد رفاقهم. في كل منظمة هناك شخص مكلف بفض وقراءة الرسائل الشخصية للشيوعيين للطلاع عليها. وقد وجه اثنان رسالة مشتركة الى قيادة تنظيم الخارج ينتقدون الحزب لتجنيدهم في هذه المهمة، وجاء فيها: “لو كانت جهودنا قد سخرت ليس ضد رفاقنا وانما ضد سفارة النظام لحققنا اشياء كثيرة.” فالعديد من اعضاء ما يسمى قيادة الحزب الحالية عملوا مخبرين في ذلك الجهاز ضد الشيوعيين والشيوعيين فقط. قال يوما للمرحوم عامر عبدالله اثناء زيارته له: ابو عبدالله لدي جهاز مثبت الى الهاتف يسجل كل ما تقوله بعد ان تغلق الهاتف. اخرج ابو عبدالله من غرفة نومه مسدسا وقال لفخري: سافرغ هذه الطلاقات براس كل من تسول له نفسه ان يتجسس علي. هذا الجهاز كان فعلا موجود وصنعه بالاساس م.ع. لحزب شيوعي في الجزيرة والخليج، وعندما عرف فخري بهذا التكنيك من قبل أ.م. بعد واقعة ما، طلب الحصول علىيه. ولان شبه الشئ منجذب اليه، فكان الانجذاب لما سيحققه هذا الجهاز من اشاعة الخوف والرعب وازاحة كل من يعوق ذلك التحول، وتحقيق الامكانات المالية عبر سرقة حقوق حزب بكاملها. هذان العاملان هما القوة الحقيقية التي اجهزت على ما بقي من الحزب، القوة الخارقة والمحطمة لاي كان والتي يستغرب لها المرحوم رحيم عجينة في مذكراته حيث يقول: “تحولت اخر جلسة من دورة م.س. نوفمبر 91 الى جحيم حقيقي بالنسبة لي لا يمكن تحمله. فقد طلب فخري كريم بحث الحديث الدائر حوله وتقرراستدعاء احد اعضاء ل.م. الى الاجتماع ووجه اليه كلام مهين وابتزازي من قبل فخري. وفي اثناء هذا الاجتماع جرى التهديد من قبل فخري كريم لاي عضومن اعضاء ل.م. وبعدها مباشرة تحدثت الى سكرتير الحزب واخبرته انني اشعر ان م.س. اهين ول.م. اهينت والرفاق يهانون دون ان تقال كلمة في ذلك، وتساءلت عن القوة الخارقة التي تستطيع تحطيم اي عضو في اي وقت وفي كل وقت. ومع الاسف لم احصل منه على كلمة واحدة”. يقدم المرحوم عجينة شهادات عديدة، هؤلا الذين وجه اليهم التهديد، الاهانات، الاذلال، الاخضاع والازراء بانسانيتهم، اغلبهم يشكلون اليوم ما يسمى”قيادة الحزب”، قد تنازلوا عن حقهم في التعبير عن ارائهم وحقهم في الاختلاف، ومن يتنازل عن حقه، يتنازل عن صفته كانسان، كما يقول روسو. ومن الطبيعي ان يتنازلوا ويقفوا مع الحصار والعدوان والاحتلال والامتثال للحاكم الامريكي. الحرية يصنعها الاحرارلا الخاضعين. عام 2014 زرت الرفيق ارا خاجادور في براغ، فتحدث عن اشياء كثيرة. منها طرد فخري كريم لعزيز محمد من سكرتارية اللجنة المركزية لاسباب اخلاقية!. وعليك ان تتخيل من يطرد من ولاسباب اخلاقية. كان وقتها ارا مسؤول العمل العسكري في المكتب السياسي، حين انعقد الاجتماع القادم للمكتب” قال فخري: من يدير الاجتماع؟ والكلام لابو اسكندر فاجبته: الرفيق عزيز هو سكرتير اللجنة”. يوثق عجينة دورالمرحوم عزيز محمد في كل ما جرى ومسؤوليته الكاملة، فكل ما حصل تم بموافقته على كل ما قام به فخري على امتداد كل تلك السنين. لكن عجينة يكشف عن خلل كبير يتمثل في عدم اهليته للمكان الذي كان فيه، والا كيف غفل او تغافل عن اثني عشرعاما من التخريب الذي قاده فخري كريم والصقه بالاخرين. كيف اصبح عضو م.س. دون مؤتمر ودون ان يمر بعضوية ل.م. لماذا طرد مئات والاف من خيرة اعضاء الحزب ومناضليه وما هو دور السكرتير الاول والذي قد تم كل شئ بموافقته. لماذا مورست اساليب النظام السابق في النيل من الشيوعيين والحاق الاذى بهم لمواقفهم التي زكتها الحياة، رغم ان المرحوم عجينة يؤمن بحرية الاختلاف بالراي، لم يطرح سؤالا: لماذا تم النيل من الشيوعيين الذين عجز النظام عن النيل منهم وايذائهم من قبل فخري كريم الذي وفر الحماية المادية والتنظيمية للمتسللين داخل الحزب من الذين ارسلهم النظام الى دمشق، بعضهم عبرمكتب المخابرات في اثينا والذي اصبح اليوم ضمن ما يسمى قيادة الحزب، واخرون عبر بغداد مباشرة، احدهم كان المسؤول الحزبي والعسكري لمعسكرات الحزب في لبنان واصبح عضو ل.م. وتبين انه ضابط كبيرفي جهاز استخبارات النظام والبعض الاخركان عضو في قيادة المنظمة في دمشق وكان يقوم باشرافات حزبية الامرالذي ادى الى ابتعاد العديد من الشيوعيين من التنظيم ناياً بانفسهم، واخرون قد اعترفوا وسلموا تنظيماتهم، في حين طرد الشيوعيين الذين ادلوا بمعلومات عن مواقف هؤلاء بتهمة المشبوهية. اعدم النظام ابناء شقيقة عامرعبدالله انتقاما منه، والذي جرت محاولة اغتياله 74 واختطافه في طريق عودته من لندن الى دمشق88. طرد الحزب كل اقرباء عامرعبدالله انتقاما منه. قتل النظام الابن الوحيد لثابت حبيب العاني انتقاما منه، اكمل الحزب الموقف من ابو حسان بانتقام اكبر. حاصرامن النظام السابق بيت باقرابراهيم طيلة عام 79 وكانوا يتابعون الابناء من والى المدرسة، صودرالبيت وما فيه واقتحم رجال الامن عدة بيوت لاقرباءه لضنهم انه هناك، وتمت محاولة اختطافه مرتين من دمشق، وسجن من كان يمد العائلة بظروريات الحياة وعذب رغم بعده عن السياسة. عوقب شيوعيون لانهم وفروا دواء لباقرابراهيم خلال مرضه الذي اقعده في كردستان، وعوقب كل من له علاقه به. طارد امن النظام عائلة عدنان عباس وصودر البيت وما فيه، حاولوا اغتياله 83 وبعد المؤتمر الرابع صادروا جوازه ـ وهي وسيلة متبعة لمعاقبة الشيوعيين وتقييدهم ـ وحرموه من لقاء عائلته فاضطر للتسلل عبرايران الى افغانستان. عومل زكي خيري باساليب تعكس الانحطاط بكل اشكاله. بعد عودته من رحلة ايام خارج دمشق اكتشف ان قفل باب البيت قد تم تغييره من قبل الحزب الذي يناضل لتغيير النظام. واتخذ التعامل مع حسين سلطان العضو في الحزب الشيوعي العراقي منذ 1938 اسلوب ثاري عشائري قبيح، يعكس اشكال السقوط الاخلاقي والفكري والسياسي والذي اعدم النظام ولديه بنفس طريقة اعدام حسان ثابت حبيب العاني ـ الاغتيال في الجبهة من قبل فرق الموت ـ فقد اسكن قبوا في دمشق في وقت يعاني فيه من مرض الربو. في روايته مذلون مهانون يرسم دوستويفسكي صورة عبر سبراغوار نفسيات ابطاله، لشكل وطبيعة الصراع في عالم الجريمة، بين الشريف النبيل صاحب العواطف القوية والاستقامة والعزة والكبرياء وبين الوغد، الحقير واللئيم الذي لا يتورع عن شئ ولا يحجم عن شر، فلهه النساء وله المال. تقول الطفلة نللي: “وكنا قد استاجرنا ركنا في قبو. فهتفت انا اندريفنا: تعيش في ركن من قبو، وهي مريضة بهذا المرض! فاجابت نللي: نعم. فقد كانت امي فقيرة. ثم اضافت بحماسة: وكانت امي تقول لي ان الفقر ليس خطيئة، وانما الخطيئة ان يكون المرء غنيا فيهين الاخرين”. الماساة الحقيقية حين يكون المرء سارقا، محتالا، نصابا، مجردا من كل القييم والمبادئ والاخلاق، على استعداد فعل كل شئ لاشباع نزواته. الماساة حين يكون هذا المنتقم معبا بالحقد والكره وروح الانتقام والثار. هؤلاء الذين ذاقوا اشكال الاهانات والاساءات ومحاولة النيل منهم، ان كانوا قد التزموا جانب الصمت فليس لضعف فيهم بل لحكمة امتلكوها: ان عظِمة العظيم تظهر في معاملته للحقير.

بعد ان استقبل احد الشيوعيين في بودابست عامرعبدالله وهو في طريقه للجوء في لندن، اتصل به فخري كريم وانتقده لاستقباله ابوعبدالله، فاجابه انه اسقبله بصفته الشخصية وان عامرعبدالله الرجل المثقف صاحب المكانة الفكرية والسياسية تستحق التقدير. رد عليه فخري كريم هؤلا عملاء يقصد عامر عبدالله ،باقر ابراهيم ،زكي خيري ،ماجد عبدالرضا ،حسين سلطان ،ناصرعبود عدنان عباس والاف الشيوعيين الذين ناهظوا النهج التخريبي والتدميري للحزب. يقول ابن رشد:”ما من رجل تكبر او تجبر الا لذلة وجدها فيه”. شخص يعجز عن كتابة مقال واحد، كيف لا يحقد على هؤلاء الذين يكتبون له الافتتاحيات والمقدمات. اثبتت الايام صحة وسلامة وصدقية طروحات المرحوم زكي خيري فيما يتعلق بمصيرالعراق، ونحن نعيش اليوم وفي كل لحظة الماساة التي حذرمنها. في عام 86 كتب احد الشيوعيين وقد دخل اليوم عامه 93 رسالة الى قيادة الحزب، قال لهم: ان مصيركم هو مصيرشيخ احدى عشائر مدينة العمارة والذي اسام ابناء عشيرته الضيم والعسف والجور فهجروه وتركوه، فكان يطلب من السركال ان يضع بعرورة في البستوكة عوضا عن كل واحد يهجرالعشيرة وشيخها، حين حصلت مواجهة مع عشيرة ثانية، طلب من السركال جمع رجاله، فاحضر له بستوكة البعرور. كل ذلك النهج وتلك الممارسات والتجاوزات والسحق لكرامة الشيوعيين كان ليس بعلم عزيز محمد بل بموافقته الكاملة. وهوغير قادرعلى رفض اي طلب او معارضة اي موقف لفخري كريم. فبعد المؤتمر الرابع قطعت مساعدة المعيشة عن خمسة اعضاء لجنة مركزية ومكتب سياسي وكانت قيمتها خمسين دولار للشخص. وقطع مبلغ مئة دولار ثمن علاج دنيا ابنة ماجد عبدالرضا، من ذوي الاحتياجات الخاصة والمقيمة في احدى مستشفيات بيروت. واستطاع المرحوم عامر عبدالله الحصول من اليمنيين على مبلغ مئة دولار لكل من زكي خيري، باقرابراهيم، عدنان عباس، حسين سلطان وماجد عبدالرضا، وما ان علم بها فخري كريم حتى طلب من عزيز محمد ايقافها، فاوقفها. عندها اجابهم علي سالم البيض: نحن نحترم هؤلاء فهم رموز تاريخية لنا، لكننا لم نتدخل في شؤونكم، فانقطعت المساعدة، وما كان بمقدور عزيز فعل اي شئ رغم ميله للاعنف وميله للتفاوض مع النظام وقتها، وطرح المسالة على عزيز شريف عام 88 فاجابه المرحوم شريف:”لا خوف من التفاوض شرط ان تكونوا موحدين كي لا يستقوي النظام بضعفكم”. اليوم يتكلم فخري كريم بالضمير والشرف والقييم. العاهرة اكثر من يتحدث بالشرف. اواخر عام 82 بداية 83 كنا في بشتاشان وكان التجمع قد اصبح كبيرا في القاعدة حيث ان كثيرين من الذين يتهيؤون للتوجه للعمل في الداخل كان ضمن هؤلاء، لكن الغريب ان( الحزب الذي رفع شعار اسقاط النظام واقامة الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) رفض اطعام رفاقه وهم جنود الجيش الذي يقاتل لاسقاط النظام كي يقيم الديمقراطية للشعب!. بعض هولاء كان ياتي للادارة العامة للحصول على وجبة غداء بحكم الرفقة القديمة. لا يمكن ان ايكون هناك قائد اوسكرتيرحزب اوحتى راعي غنم لا يعرف كيف يعيش جنوده او رفاقه اواغنامه الا عزيز محمد. كان صلاح الدين يفت الخبزمع الجنود كما يقول الجواهري. ومع ذلك عاش الشيوعيون العراقيون ظروفا داخل الحزب كفيلة لتدمير اي بناء سياسي. يقول الشاعر: اصديقة الاحزان/ يُثري في هذا العالم الامي والنصاب/ يطلب شاعر ثوبا وترفل في الحرير قحاب.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب