18 ديسمبر، 2024 8:51 م

رحم الله من أحيا أمرنا‎

رحم الله من أحيا أمرنا‎

جميلةٌ هي الكلمات التي يؤطر بها الكلام ويزخرف فيبدو حسناً يجذب نظارَ الفكر بريقُه ، بيد أن عقلي لم يقبل أن يكون هذا الجمال ( جمال الكلام بإظهار محاسنه للآخرين ) معيارًا كفيلاً بإحياء الدين بحسب رواية الرضا ( عليه السلام ) : (( عن الهروي قال: سمعت أباالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبد أحيا أمرنا فقلت له: وكيفيحيي أمركم ؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنالاتبعونا )) فكم هي الكلمات التي تصدر من المتدينين وتبقى حبيسة عالمها بعيدة عن واقع الناس ومآسيهم و همومهم ، بل قد تغاير مصداقها الدلالي في الواقع الخارجي فتنفر الناس من الإلتزام بالدين .
وبقي هذا السؤال عالقًأ في ذهني ، وذات يوم التقيت بصديقٍ عائدًا من السويدِ للتو و لايرغب بالبقاء طويلاً بعد أن فقد أشياء اعتز بها وبحث عنها ولم يجدها في بلده ، كان حديثي معه عن إحياء الدين الذي لم يبق منه سوى بعض الممارسات الفردية والطقوس المتكئة على العواطف الجياشة دون أن نعي فحواها وهل هي من مصداق تعظيم الدين في القلوب ؟ فعدنا نتمسك بالقشور و خلفنا اللب وراء ظهورنا ونحن أبناء اللب و أهله .فما بال واقعنا مغايرًا لقيمنا و مبادئنا ؟
وبعد حسرات التأسف المشتركة بيني وبينه ويبدو أنها مهدت ليروح عن نفسه بالحديث فرد عليّ ( إن الإسلام اليوم شُوهتْ صورتُه مرتين الأولى من أبناء جلدته حينما لم يعوا سر وحكمة تشريعاته فغدت نصوصه مبهمة بالنسبة للأجيال المتعاقبة ولذلك أركنت فوق الرفوف بعيدًأ عن ساحة العمل الاجتماعي ، و الثانية ممن يحيك المؤامرات ليطرحه بلباس العنف و القسوة وكأن الدين جاء نقمةً للعالمين و ليس رحمة للعالمين ، هذه الصورة هي المرتكزة عن الإسلام في نفوس الغرب ، و حينما أحدثهم عن ديننا وصور الإنسانية فيه تأخذهم علامات التعجب و الاستفهام إلى أقصى حدودها فينبهرون بما يسمعون من ذلك وكأن على رأسهم الطير و لاسيما عن التشيع وما تعاهدناه من روايات عن سيرة أهل البيت في علاقتهم بالناس وكيفية معاملتهم لمن يخالفهم في المعتقد و الفكر ، فيرغبون بالانتماء لهذا الدين بعضهم من المسيح وآخرين من ديانات أخرى ) .
وهنا أدركت ماهي حجم المؤامرة التي تستهدف ديننا الحنيف متمثلةً بمشاريع الطائفية وما أشبه والمستفيد في ذلك ليس المجتمع الغربي أو المسلم وإنما كلاهما هدف لمشاريع الإمبريالية العالمية التي تحاول أن توسع الهوة بينهما ، فالإسلام يؤكد على التواصل و التعارف ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات – الآية – 13 ، فالخطاب موجه لكل الناس سنة وشيعة عربا وأعاجم مسلمين وغيرهم والتعارف و التواصل بينكم يحقق غاية خلقكم و الحكمة من وراء ذلك أنكم ستكونون مظهر الرحمة الإلهية و خلفاء الله في أرضه ، لكن هناك من يريد أن تبقى الناس له عبيدًا وهو من فوقهم حاكما سيدا ، وهذا ما نلمسه بوضوح في القوى الإمبريالية العالمية التي تسحق كرامة الإنسان باسم العلم و التحضر .
ثم واصل حديثه ( إن ديننا لايحتاج منا أن نُقسرَ الآخرين على تبنيه فكرًا و عقيدةً و هويةً ، بل فيه من عناصر القوة التي لو طُرحت و عُرضت على الآخرين مجردة عن عوامل الإكراه و العنصرية لجذبت الآخرين إليه بكل رحابة صدر ) ، لم يكمل كلماته تلك حتى استذكرت رواية الإمام الرضا ( عليه السلام ) التي ربط فيها بين ( إظهار محاسن كلامهم ) ونتيجة ذلك ( إحياء أمرهم ) فأمرهم (عليهم السلام) هو الدين ذاته ، وإظهار محاسنه ، أن نوفر له الفرصة الكاملة ليدخل إلى قلوب الآخرين بعيدًا عن التطرف و العنصرية ، فليس بالضرورة أن تكون ما نتبناه من أفكار هو الموسوم بالصحة فحسب وأفكار من يخالفنا بعيدة كل البعد عن الصواب ، بقدر ما يكون طرحنا لهذه الأفكار و تطبيقنا لها متسما بالإنسانية و الصدق مع الآخرين ، وهنا أدركت معنى الجمال و الحسن الذي طُبع به كلام أهل البيت .والأمر متروك لنا في إحياء أمر الدين أو بقائه تحت هيمنة النفوس المريضة .