في إحدى المدن الصغيرة كان هناك شخصا يُدعى (خنفور)، وكانت مهنته هي سرقة أكفان الموتى! كلما مات احدٌ من أهل المدينة ذهب خنفور في منتصف الليل وسرق كفنه.. ودأب على هذه الحالة سنين طويلة دون أن يشعر به احد .. وذات يوم توفى خنفور وبعد موته لم يعد هناك من يسرق الأكفان فتبين لأهل المدينة إن خنفورا هذا هو من يسرق أكفان موتاهم .. فأخذ الناس يلعنون خنفورا صباحا ومساء وكلما مات عندهم شخص ولم يسرق كفنه انهالوا على خنفورٍ باللعن والسب. وكان لخنفور ولد، لم يحتمل لعن أبيه فذهب إلى احد الحكماء وقص عليه الأمر، فأجابه الحكيم انك لن تستطيع محوَ ما جناه أبوك إلا أن تأتي بفعل أقبح من فعل أبيك .. فكر الغلام، وتوصل إلى فكرة وهي أن يسرق الكفن ومن ثم يدق في دبر الميت خشبة، استفاق أهل المدينة على هذا الفعل الشنيع واخذوا يترحمون على خنفور إذ لم يكن يفعل بأمواتهم مثل هذا الفعل بل يكتفي بسرقة الاكفان .. وهكذا تحول لعن خنفور إلى ترحم عليه من قبل أهل المدينة لصدمتهم بالفعل الجديد!! وهذه القصة تذكرني بالنظام السابق وبالسياسيين في وقتنا الحاضر، فقد لا أغالي إذا قلت أن السياسيين الذين انتخبناهم جعلونا نترحم على أيام الإعدامات والمقابر الجماعية وزنزانات السجون!! فكل أساليب النظام الوحشية لم تصل إلى درجة أن يُذبح الناس الأبرياء بالشوارع كالخراف ولم يأمنوا على حياتهم لا في المدارس ولا في المقاهي ولا بالشوارع ولا بأي مكان، ويتحول غالبية الشعب الى الفقر المدقع .. كما أني وقد تجاوزت الثامنة والخمسين من عمري – لم أرَ صداماً أو حزبه الفاشي استولى على مدرسة من مدارس البلد وتحصن بها كما هو حال مجلس محافظة ذي قار الذي استقر بمدرسة حديثة شُيدت بمنطقة لا توجد فيها أي مدرسة للبنات والمحافظة تعاني من الاختناقات في المدارس واغلبها تحتوي على (دوام ثلاثي) – إلا عندما استغل (ﮔراج مصلحة نقل الركاب القديم)، بعد توقف سيارات النقل الحكومي في البلد، وحوّله إلى فوج طوارئ – وهو ذات المكان الذي بُنيت به المدرسة المستَغَلَة من قبل المجلس الآن – ولي حكاية مع ذلك الفوج المرعب آنذاك، لكوني من سكنة المنطقة منذ عقود، ففي أحداث الخليج الاخيرة وبعد حرب الكويت استقر المقام بفوج طوارئ ذي قار في هذا المكان وكنا كثيرا ما نعاني من بدلاتهم العسكرية وتدريباتهم في أزقة المدينة وشوارعها وعجلاتهم ومنظر الاسلحة التي بأيديهم التي ترهب الأطفال والنساء – لكننا والحق يقال – لم نكن نعاني من إغلاق الشارع ولا من الاختناقات المرورية ولم يمنعونا من المرور قرب باب النظام كما هو حالنا مع المجلس محافظة ذي قار حاليا .. على أي حال، فقد أرسل علينا آمر فوج الطوارئ أنا ومجموعة من أهل المنطقة بأن نكتب تعهدا خطيا بأننا مسؤولون عن أي اعتداء على مقر الفوج المجاور لبيوتنا وحمايته تقع على عاتقنا! ولكوني كنت في عملي لم اذهب مع الآخرين فتركوا لي خبراً في بيتي لكي أقابل آمر الفوج بعد عودتي من العمل فورا لأنهم وقعوا تعهدا خطيا هناك. اخبروني أهلي بالتبليغ وهم خائفون، فارتديت بدلتي وربطة عنقي ومعطفاً كان عندي وتأبطت محفظة أوراقي التي كتبت فيها بعض المقالات وأبيات الشعر، نظرت إليّ زوجتي وهي مرتبكة وقالت أذاهبٌ أنت إلى حفلةٍ أم إلى ندوةٍ ثقافيةٍ ؟! لِمَ كل هذه الأناقة وأنت ربما ستدخل للسجن؟ لم أكلمها وذهبت إلى فوج الطوارئ .. أخبرت الحراس أن الآمر طلبني، دخلت وأنا اختار الكلمات التي تجذب نظره لي – وكنت عامداً ذلك – فلما دخلت عليه، وكان برتبة عقيد على ما أتذكر، أخبرته أني صاحب الدار الفلانية وانه أرسل بطلبي، قال: أن حماية فوج الطوارئ من أي إعتداء هي مهمتكم، فأجبته: أستاذ كيف يُعقل بأن أناساً عزّل يعيشون بحماية الفوج أن يكونوا هم الحماة؟ قال: أتستهزأ ؟ قلت : لا والله بل هي الحقيقة، كما اننا ضقنا ذرعا بأسلحتكم وعجلاتكم وتدريباتكم اليومية فهل يعقل أن يكون فوجا للطوارئ داخل المدينة؟ سألني عن عملي، أخبرته بتفاصيل عملي .. والحقيقة كان الرجل كريما جدا معي واخبرني انه من اخوتنا أهالي الموصل الكرام، قال لي : والله أنا معك يا أستاذ ولو كان الأمر بيدي لذهبت بهذا الفوج إلى منطقة (سيد خضير) – وهي منطقة نائية عن المدينة – قلت له مبتسما : الآن أوقع على ما تطلب مني، فقال : بل أنا أوقع لك بأن حمايتك من مسؤوليتي، وخرجت فرحا لأني لم أُزج بالسجن .. وكل هذا الرعب والتشديد لكن المرور كان مسموحا لنا بالقرب من باب النظام سواء بسياراتنا أم سيرا على الأقدام, ولا توجد الدعامات الكونكريتية التي قطعت أوصال مدرستنا كما هو حالنا مع مجلس محافظة ذي قار الآن.