ابو عمر ..كاتب من الطراز الأول يجيد كل فنون الكتابة والأدب ” العمود الصحفي .. المقال الساخر … افتتاحيات الصحف والمجلات ..كلمة رئيس التحرير …الخطابات …المقال الطويل …التقرير … المقال النقدي .. ترجمة السير الذاتية .. الأبوذية الهادفة ..الدارمي السياسي اللاذع …الشعر الحر ..العمودي ، فضلا عن كونه رسام كاريكاتير متميز وهادف وصاحب مضمون عميق وأصيل غير دخيل ( يعني مو بس تشويه وجوه وتطويل خشوم وأذانات وأطلع كبل ) إلا أنه لم يأخذ حظه من كل هذه الفنون كما يجب ، بمعنى – سبع صنايع والبخت حيل وكلش ضايع – فعاش فقيرا ومات فقيرا رحمه الله .
ابو عمر توفاه الله قبل خمسة أعوام خلت تقريبا وليس الآن كما تظنون ، إلا أنني تذكرته وبقوة اليوم بعد سماع قوله تعالى بصوت المنشاوي : ” قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ “، فلطالما كان يكررها صباح مساء ، يوميا ، وحين سألته ذات مرة مع انني أعلم غايته من ترديد الدعاء ولكنني مشاكس واعشق المشاكسين ، ( شنو ابو عمر ، يظاهر ما حافظ غير بس هذه الآية الكريمة الرائعة )، قال وكما توقعت ( أرددها كي لا يخونني قلمي لحظة ضعف أو ساعة فقر ، أو دقيقة جوع ، أو ثانية حاجة ماسة ، أو أسبوع حرمان ، أو شهر ألم عارض ، او عام رمادة ، فأعمل مع أو لصالح الظالمين والمجرمين والفاسدين والمفسدين وأدافع عنهم وأنافح عن مثالبهم وما أشد إغراءاتهم المادية والمعنوية ، بخلاف “جماعتنه ” على صلاحهم وطيبة قلوبهم وحبهم لبلدهم ..مفاليس ” .
ابو عمر كان وكلما رزقه الله رزقا حسنا وحلالا من الكتابة يقول “فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير” ، وكان كلما وقع بصره على أمرأه حسناء يدعو فيقول ” قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” ، ولطالما كنا نسهر سوية حتى الصباح الباكر ، نكتب ، نتحاور ، نتناقش في شتى المواضيع التأريخية والفلسفية والثقافية والسياسية والصحفية وأذكر انني دعوت ذات يوم فقلت ” رَبِّ اغفِر لِي وَهَب لِي مُلكًا لَا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِن بَعدِي إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ” .
قال : ” يا أخي بس هذا دعاء خاص بنبي الله سليمان عليه السلام ” ، قلت ” مادام قرآنا يتلى آنا ء الليل وأطراف النهار الى يوم الدين فهو دعاء عام لكل من في الأرض من المسلمين وليس خاصا !!” .قال: ولكن كيف سيختصك الله بملك لا ينبغي لأحد من بعدك ؟؟
قلت: ألم يختص بصرف النظر عن رأي الناس بشخصه او بنيته ” مع او بالضد ” الإعلامي منتظر الزيدي ، من دون خلقه بضرب رئيس الولايات المتحدة بحذائه ؟؟انه ملك لم يتكرر من قبل ولم ينبغ لأحد من بعده والله اعلم بالصواب .
قال : سؤال ، أليست أنانية ان تدعو بعدم تكرار نعمة انعمها الله عليك لآخرين من بعدك ؟
قلت : قال المفسرون ، ان الملك ملكان ، ملك مأخوذ بالغلبة والجور واختيار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله تبارك، ولا ينبغي لأحد من بعدي معناها مصروف عن الأولى وهي الغلبة والجور واختيار الناس ، او أعطني ملكًا لا يمكن لأحد من بعدي أن يَسلُبه مني لأن التأريخ سجل ووثق ودون بأسمى وانتهى الأمر ” وليس معناه أنه ” يريد ألا يحصل أحد على كرامة أو نعمة مماثلة من بعده،” .
مات ابو عمر رحمه الله وبقيت احث الخطى قدما من دونه وحيدا في طريق شائك طويل ولكن على خطاه ولساني يردد ما حفظه وردده : ” قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ ” وعلى كل الصحفيين الشرفاء وطلاب الحق والمدافعين عن المظلومين والمتصدين للباطل ان يرددوه صباح مساء كي لا يتركوا لأصحاب الشر منفذا يتسللون إليهم من خلاله لشراء أقلامهم وضمائرهم وذممهم ، وحسبي ابا عمر انني كنت جليسك أياما فتعلمت في مدرستك الكثير وها آنا اقلدك من باب :
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا ** إن التشبه بالكرام فلاحُ
اودعناكم اغاتي