يصادف هذا اليوم , العمر الأخير من عمل مجلس النواب بدورته الحالية التي استمرت أربعة سنوات , وهي سنين مرت وكانت مزدحمة بالأحزان والمشقات ولم يجن منها الشعب غير الذكريات الحزينة وضياع الزمن والفرص والأموال , وقد ختم مجلس النواب صفحاته بعدم التمكن من تحقيق النصاب القانوني لعقد جلسته يوم الخميس الماضي لمناقشة واحدة من اخطر التحديات التي تواجه الجميع , بعد أن تعرضت القوات المسلحة إلى اقل مانسميها كبوة أدت إلى خروج محافظات ومدن عن سيطرة الحكومة الاتحادية , وهي الآن بحكم المجهول لان إعادتها إلى وضعها السابق يستلزم إجراءات غاية في الحكمة ورجاحة الفعل القيادي الناجح في مختلف المجالات , دون أن نغفل الحاجة لنزف الدماء ومزيدا من التضحيات . ومن سيئات مجلس النواب التي سوف تبقى عالقة في الذكريات وتمثل مثلبة كبيرة لايمكن اغتفارها لأنها سجلت في التاريخ , هو العجز الكامل للمجلس عن إصدار الموازنة المالية لسنة 2014 حيث إن البلد يعيش بدون موازنة منذ بداية العام الحالي رغم توفر الإيرادات , والاختلاف لم يكون لأسباب فنية وإنما لأسباب سياسية أبقت أغلبية الأعضاء عاجزين عن الاتفاق ولو بالحدود الدنيا التي توفر للشعب سبل توفير متطلبات المعيشة , وبشكل أسهم في شل القطاعات الاقتصادية وأبقى العديد من المواطنين بالبطالة وبلا خدمات أساسية مما جعل الحكومة تتعكز على غياب الموازنة في تعطيل المشاريع والاستمرار في التنمية , وهو ما جعلنا ( فرجة ) أمام العالم رغم أننا في طليعة الدول الديمقراطية الحديثة في الربيع العربي كما يدعي البعض ويفترض أن تكون تجربتنا الأنموذج الذي يتمناه الآخرون .
لقد اخفق مجلس النواب من وجهة نظر الشعب في الاضطلاع بأدواره كافة سواء في الجوانب التشريعية أو الرقابية وعاش منذ بداية انطلاقه بخلافات واختلافات بين الكتل الموجودة فيه أو بين أعضائه أو في علاقته مع الحكومة فلم ينتج اشياءا ايجابية في ذاكرة العراقيين , فاغلب أيام انعقاده شبه معطلة بسبب عدم اكتمال النصاب والانسحابات والتواجد في الكافتيريا كان أفضل من التواجد في الجلسات لاسيما في لحظات التصويت , والعمل في لجانه كانت مليئة بالتقاطعات والغيابات مما جعل إصدار القوانين يستغرق فترات طويلة , وقد سادت حالة من الصراع غير المرغوبة بين بعض الأعضاء وهيئة الرئاسة , وفشلت جميع المحاولات لاستبدال رئاسة المجلس كما فشلت جميع المحاولات في استجواب أو سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء . وقد اغفل المجلس عن جوانب مهمة وأساسية في تسيير شؤون الدولة , ومنها بقاء منصبي وزيري الدفاع والداخلية شاغرين منذ اليوم الأول وحتى انتهاء مدة ولايته والسماح بإدارة هاتين الوزارتين المهمتين بالوكالة , كما لم يتخذ إجراءا بعيدا عن المجاملات بخصوص شاغرية منصب رئيس الجمهورية خلال مدة سنتين رغم إن الدستور له نصوصا واضحة بهذا الخصوص , وفي الوقت نفسه كان المجلس يضع نفسه أو يضعوه في الوقت المحرج الذي يضطر فيه لاتخاذ قرارات سريعة لاسيما فيما يتعلق بالتشريعات المهمة كالموازنات المالية حيث مررها في مرات عديدة بدون حسابات ختامية كاملة , ولعل العجلة في إصدار القوانين هي التي جعلت اغلب القوانين الصادرة تحمل العديد من الثغرات ومنها على سبيل المثال قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 الذي يعده من أفضل الانجازات , لان هذا القانون خال من الفلسفة والأهداف ومكرس لخدمة مصالح معينة على حساب مصلحة الجميع .
لقد كانت أيام مجلس النواب حاشدة بالأيام الدامية والانفجارات والاغتيالات والتظاهرات والعلاقات السيئة مع الجيران والعديد من دول المنطقة , ولم نجد معالجات حازمة لتلك الأمور لان أفضل ما شهده الجمهور من ردود الأفعال هو عقد المؤتمرات الصحفية والشجب والاستنكار وتبادل التهم مع الحكومة , وغياب المعالجات هو الذي جعل الأمور تتفاقم لتصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من أحداث ربما ستوصل البلد إلى المجهول , وقد يسأل سائل هل يتحمل الأعضاء أو الكتل مسؤولية ذلك , والحقيقة إن الجميع يتحمل المسؤولية لان تقليل كفاءة وفاعلية أعلى سلطة دستورية في البلد كان من الواجب أن يرفضها الجميع لان انعكاساتها لا تستثني أحدا , بدليل ما آلت إليه
الأمور اخذين بنظر الاعتبار بان مدة دورته أربع سنوات وليس لأيام وقد كان الجميع يشهد انخفاض أدائه يوما بعد يوم .
وما يقلق المواطن الآن , هو هل إن مجلس النواب الذي تم انتخابه قبل أسابيع وبات معروفا من حيث الأسماء والكتل من قبل الجميع سيكون أفضل حالا من المجلس السابق وقد تكررت فيه اغلب الكتل والأسماء , وما نمتلكه حاليا هي الأمنيات بأن يعي المجلس الجديد بالمسؤوليات التأريخية والمهام الجسام التي تنتظره لاسيما بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي باراك اوباما بشأن الأوضاع في العراق أمس , والتي أعلن فيها عن عدم تقديم بلده لدعم عسكري مباشر للعراق بسبب هشاشة الوضع السياسي مؤكدا أهمية الوئام السياسي ونبذ الخلافات السياسية والطائفية لمواجهة التحديات , حيث ترك الكرة في ملعب السياسيين العراقيين لحل مشاكلهم الداخلية , وبدون نصيحة من الرئيس الأمريكي أو من غيره فان مشاكلنا لايمكن أن يحلها أحدا غير أبنائه المخلصين بالترفع عن المغريات ومجلس النواب هو الحاضنة الوطنية لمثل
هذه الواجبات .
لقد تداولت أخبارا ( لم تتأكد بعض ) بان البعض من أعضاء مجلس النواب في دورته المنتهية ممن تم منعهم من السفر بسبب احتمال تعرضهم للمسائلة القانونية بعد رفع الحصانة البرلمانية عنهم اعتبارا من يوم 15/ 6 قد انهزموا إلى المناطق المضطربة للحيلولة دون ملاحقتهم , ولهم ولمن عمل في مجلس النواب في دورته السابقة أو من سيعمل في الدورة القادمة نقول , لقد عهد الشعب بكم أمانة وأشهد الله عليها , وان شعبنا المظلوم الذي عانى من ويلات الحروب والحصار والفقر ويتعرض اليوم للقلق والخوف بسبب ما يسود , قادر على تشخيص الصالح والطالح وسيتذكر العراقيون بكل فخر واعتزاز من وقف إلى جانبهم في السراء والضراء كما انه سيرمي من خذله في مزابل التاريخ , وقبل ذلك فان بعد الدنيا حساب الله الذي هو اعلم بالنيات والأعمال , فعضوية مجلس النواب هي أمانة (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا
حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) النساء آية 58