17 نوفمبر، 2024 4:51 م
Search
Close this search box.

رحلتي من البيت الى ساحة التحرير

رحلتي من البيت الى ساحة التحرير

حبي للعراق لا يوازيه حب سوى الله وأمي وعائلتي , حب فطري جبلت عليه منذ نعومة أظفاري وكثيرا ما اثناء دراستي  الاعدادية والمتوسطة ارسم خارطة العراق وكنت ارسمها وأحفظها عن ظهر قلب .
كانت ليلة  التظاهرات تذكرني بأيام ما قبل ليلة العيد حيث نحتفظ بملابسنا تحت وسادتنا ونحاول جاهدين ألا ننام حتى يلج الصباح ولكن على حين غرة يأخذنا سلطان النوم  , هكذا كان حالي في ليلة الخروج إلى ساحة التحرير وكنت متأكدا بأنها ستكون تظاهرة شعبية حقيقية وبان السلطة ستفتخر بان الشعب بدا يمارس حقوقه المشروعة وبأنه شعب حي يرفض الفساد والاضطهاد , خرجت من البيت باتجاه الشارع العام حيث كان الكثير من الجنود المدججين بالسلاح وكان الشارع خاليا كليا من الظواهر اليومية الطبيعية كازدحام السيارات في الشارع والمحلات مغلقة وليس هناك بائعة القيمر التي كنت كثيرا ما أمر عليها لاشتري بعض الشئ مما يحبه أولادي كان الشارع حقيقة مخيفا جدا خاصة وأنت لأتعرف من هو نوري المالكي في سلوكه كأب للعراقيين أم رجل الديمقراطية أو دكتاتور. كنت قد اتصلت بمجوعة من الاصدقاء للخروج بمظاهرة وطنية ومن اجل ان نعطي رسالة الى السلطة باننا شعب حي ولكن للأسف في الصباح خذلوني جميعهم و بأسباب واهية .
عبرت تقاطع بحيرة حي الأمانة في جانب الرصافة وكنت أحسب عدد السيارات الواقفة في بداية كل زقاق ورأيت مجموعة من الرجال يسيرون أمامي فقررت أن الحق بهم كرفقة في الطريق الى ساحة التحرير ولكني لم الحق بهم إلا عند مدخل جسر القناة حيث أوقفوهم هناك مجموعة من ما تسمى مكافحة الشغب وسيارات وزارة الداخلية المرابطة هناك وبعد أن سمحوا لنا بالمرور وعبور جسر القناة كنا نسير بسرعة كبيرة باتجاه التحرير وحقيقة كنت اشعر بحماس وخطواتنا تتسابق بإصرار وعزيمة وما بين جسر القناة وساحة الطيران كان هناك أكثر من ثلاث سيطرات ولكن المضايقات كانت شبه أن تكون معدومة قياسا لتوقعاتنا ثم عبرنا تقاطع وزارة الداخلية باتجاه حديقة الأمة حيث بدأت مظاهر التأزم والحيطة والحذر وإلانذار جيم واضحة للعيان حيث كانت أكثر من ثلاثين سيارة إسعاف مظلله وكما علق عليها بعض الإخوان بأنها ( شر البلية ! ) وكانت منتشرة في ساحة الطيران ومدخل الشيخ عمر حيث يتجمهر الكثير من الوطنين عند مدخل الشارع المحاذي لحديقة الأمة والتي ضرب حولها سياج يمنع الناس من المرور إلى ساحة التحرير إلا بعد التفتيش والسؤال ومنع القنوات الفضائية والإعلاميين والصحفيين وكانوا يسالون عن ماهية ذهابنا إلى ساحة التحرير والحمد لله عبرنا منهم بسلام وكنت متلهفا للمسك بأرض التحرير والتبرك بطلب الإصلاح والقضاء على الفساد والمفسدين دخلت إلى ساحة الكرامة والتحرير وكأني بزفة عرس , الله ما أحلاها وأجملها من ساحة للتعبير والحرية وأتمنى من الكل إن يجربوها وأنت تشارك في هذه المظاهرات تشعر بالفخر في نفسك وحبك لبلدك وأنت تسير وتدور حول ساحة التحرير تشعر بأنك مطوق من كل الشوارع التي تلتقي  بالساحة وكانت فروع شارع السعدون مليئة بسيارات الداخلية ولواء التدخل السريع والفرقة القذرة والتي سميت بمكافحة الشغب والذين كانوا يقفون بالجانب الثاني من الحواجز الكونكريتية فوق جسر الجمهورية والتي وبعد أن زاد حماس المتظاهرين قاموا بإسقاط تلك الحواجز والتي لم تتوقع الحكومة ولا الجيش القابع خلفها مما أثار فرقة مكافحة الشغب ومع رغبة البعض بعبور الجسر قامت القوة بضرب المتظاهرين بالعصي وتدخلت سيارات سوداء غريبة ولأول مرة أرى مثلها في كل المظاهرات في العالم حيث كان عبارة عن سخانات ترش الماء الحار على المتظاهرين ورغم ذلك كانت المظاهرات تزداد عددا ونوعا على الرغم من قطع الطرق والجسور باتجاه ساحة التحرير وعلى الرغم من تدخل بعض رجال الدين وأقيمت صلاة الجمعة في ساحة التحرير وأم بهم بعض السادة والشيوخ المعممين , كنت أتصور إن المالكي سيلجأ إلى العقل ويزهد بالدنيا والحكم كما كان أمير المؤمنين على بن أبي طالب(ع )  ولكنه بعث إلينا بابنه احمد وكمال ألساعدي وسلمان الموسوي والذين كانوا يتابعون المظاهرات من خلال الطابق الرابع في المطعم التركي وجواسيسهم في الأرض منتشرة بيننا وهذا ما عرفته لاحقا .
كنت التقيت بأحد الإخوان في ساحة التحرير وكنت فخورا بان التقي به ولكنه اختفى بعد فترة وشخص أخر اختفى وبعد أن اتصلت بأحدهم أعلمني بأنه ذهب للقاء ممثل المالكي بعد أن اتصل به احدهم من ارض التحرير وعندما سألته عن ماهية ذهابه إلى هناك ابلغني بانه يريد أن يؤسس أحدى منظمات المجتمع المدني حتى أني وبخته وبان الساحة ليست للمغانم الشخصية بل هي ساحة للتغيير الجذري في حكومة فاسدة وتركته في أحلامه الزائفة  .
بدا الحماس في تزايد والشعارات رائعة بحب الوطن وكان بعض الشباب يحاولون السيطرة على التصرفات الغير لائقة والتي تصب في غير صالح المظاهرة حتى انك هناك تنسى نفسك وما سيؤول إليه مصيرك لو إن السلطة ثارت ثائرتها ورأيت والتقيت بالكثير من الناشطين والوطنيين وعلى حين غرة تنزل علينا طائرة يوشن وبارتفاع جدا منخفض وتحت مستوى بنايات ساحة التحرير وتثير علينا الغبار والأتربة والأوساخ وكان هذا تصرفا ارعن فكنت أتخيل ماذا سيحدث لو إن الطائرة سقطت لأي سبب كان ماذا ستبرر الحكومة فعلتها ولكن على الرغم من كل هذا فانك تشعر بأنك تمارس حق من حقوقك وأنت تفتخر بنفسك أمام اهلك وأولادك ولكن هذه الحادثة لم تثني المتظاهرين ولم تقلل من عزيمتهم وصبروا على هذا ولكن الحكومة أثبتت عدم صبرها فقامت بطلاق النار علينا وأصيب البعض .
وقلت في نفسي حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم متجبر ضد شعبه وانسحبت الى البيت ولكني شعرت بان قواي تخونني من الجوع والعطش وخيبة الأمل التي منيت بها ولكني كنت اعزي نفسي بان الوطنيين من أبناء شعبنا سيستمرون في التظاهر وينصبون الخيام ولا يثنيهم إلا الموت ولكن للأسف كان اليوم الثاني بائسا في التظاهر والسلطة في حالة هستيرية .

أحدث المقالات