لم اعرف شيئاً عن السياسة والحكم قبل عام 2003 لأن الحديث عن ذلك كان يؤدي الى قطع الالسن والاعناق ولأن عمري لم يكن يسمح لي بذلك.
بعد سقوط النظام الدكتاتوري الفردي الحكم عام 2003 فتحت عيني كغيري من العراقيين على حكم احزاب قيل لنا انها دينية واسلامية وذات مبادئ راقية وسامية فتأملت خيراً كما تأمل غيري من الملايين الذين انتخبوا هؤلاء من الشخصيات التي ظاهرها انيق وباطنها الله تعالى اعلم به، حيث اننا اعتقدنا بأن هؤلاء ومن منطلق تدينهم ومبادئهم الدينية سيكونون الاقرب الى تحقيق حكم الله تعالى في الارض وبناء جنة العدالة والرفاهية والمساواة بين خلق الله ولكننا جميعاً صدمنا (رغم مكابرة البعض لحد الان عن الاعتراف بذلك) نعم صدمنا جميعاً حين رأينا ان هؤلاء (الدينيين والدين من اغلبهم براء!) مستعدين للتحالف حتى مع الشيطان لتحقيق مصالح احزابهم ومصالحهم الشخصية!
اتجهت بوصلتي بعدها تلقائياً كما اتجهت وتغيرت بوصلة الملايين الى اناس اخرين وجدتهم دوماً يتحدثون عن الحريات والمساواة وحكم الشعب والليبرالية ومبادئ حقوق الانسان حيث وجدت كما وجد غيري الملايين من الشعب في هؤلاء نموذجاً اقرب الى ما نريد ولكن على عكس الكثيرين ارتأيت التريث في الحكم على هؤلاء وعدم التسرع في اصدار الاحكام والمسارعة (كما فعل الكثيرين) الى الهتاف والنصرة والتشجيع والتأييد لنهج هؤلاء وعلى العكس من ذلك بدأت في دراستهم والتقرب منهم لمعرفة حقيقتهم فالمؤمن (وهكذا اتمنى ان اكون واتصف) لا يلدغ من جحر مرتين وبعد دراسة وتتبع واقتراب منهم والدخول في نقاشات مطولة معهم وجدت العجب العجاب!
وجدت قوماً يجيدون ترتيب الالفاظ والتلاعب بها وتزويقها وتأنيقها والتجارة بالمبادئ والضحك على الذقون!
حيث ان هؤلاء اتخذوا من السياسة مهنة وحرفة وصنعة وعلماً يدرسونه ويطبقونه بحذافيره وهدفه كما يعرفونه (علم منع الناس من التدخل فيما يعنيهم) و(علم سوس وقيادة الناس ورعيهم كما يرعى الراعي قطيعه!)
كيف هذا؟ بسهولة ويسر وذلك بالسماح للناس وكل من هب ودب بان يقول ويفعل ما يشاء بعيداً عن الدولة ورجالاتها وحتى لو انقلب الشعب الى غابة غرائز ووحوش فيحس الشعب بحرية زائفة ظاهرية تجعل صاحبها يكف عن التدخل في رسم سياسات الدولة العليا وعلاقاتها الدولية والتي تسعى دوماً لتحقيق مصالح واجندات فئوية لا تختلف كثيراً عن سابقتها ويكف عن السؤال عن فقر الفقير وغنى الغني ولا فرق بين هؤلاء (العلمانيون اللبراليون) واولئك (الراديكاليون والدينيون) في انهم سيضمنون بقاء الفقر المدقع للأكثرية والغنى الفاحش للبعض اليسير ممن يسير مع الدولة ونهجها العام تملقاً او مسايرة او تحزباً ولا يهم ابداً حصول شيء كهذا فأهم شيء هو ان يغفل وينام من كان من المنتبهين والمتيقظين والمتابعين للشأن العام والمصلحة العامة وتكميم افواه من لا يفيد معه الخداع او الرشوة وهكذا يتم الامر.
نعم هكذا سيكون الوطن وسياسته بعرف هؤلاء المتحررين! وكيف لا وهم التلاميذ النجباء لمدرسة الغرب الامريكي والبريطاني الذين اجادوا لعبة منح الشعب كل شيء ولا شيء في نفس الوقت! وهم يطبقونها منذ القدم والى الان.
بعد كل ما سبق وصراعات خفية وباطنية بيني وبين نفسي توصلت الى نتيجة حتمية اعتقد (للوقت الحاضر) صحتها وحاجتنا الى تطبيقها وهي اننا لا نحتاج الى سياسي ولا ثوري ولا تاجر كلام ومبادئ.
—– نحن بحاجة الى ((انسان)) يعيش في سبيل الله والناس على صعوبة ذلك ومصاعبة الكثيرة والتي هي اصعب من الموت في سبيل الله كما يصرح بذلك الدكتور الشهيد علي شريعتي ولا يتوانى هذا الانسان عن الموت في سبيل الله والناس ان عجز عن الحياة في سبيلتحقيق هدف الله تعالى ومصالح الناس .