9 أبريل، 2024 5:01 م
Search
Close this search box.

رحلة ملؤها حب الحسين

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم أحلّق يوماً في السماء، ولكن شاءت الأقدار أن تسنح لي الفرصة بالسفر إلى تركيا بالطائرة. بعد الإقلاع شعرت برهبة شديدة، لاسيما حينما أتطلع إلى الأرض عبر النافذة، ومن شدة خوفي دعوت ركاب الطائرة إلى الصلاة على محمد وآل محمد، وقراءة سورة الفاتحة على أم البنين. استغرب من معي سلوكي هذا، فلربما هي المرة الأولى التي يصلي فيها ركاب طائرة على النبي الأكرم.

بعد الهبوط في مطار اسطنبول والاستقرار في أحد الفنادق مع جماعة خاصتي أقمنا مجلس عزاء للإمام الحسين في (رسبشن) الفندق وسط دهشة الموجودين من الأتراك وغيرهم، لاسيما موظفي الفندق الذين تركوا أعمالهم ووقفوا يشاهدون ما أنعم الله على عباده من حب، بل جنون، بإمامهم الشهيد.

في صباح اليوم التالي ذهبنا للتبضع من أحد المولات في اسطنبول، فأعجبني منظر شاب ثلاثيني حسن المظهر، علمت أنه صاحب المول، كان يتعامل بلطف مع زبائنه والابتسامة لا تفارق فاه، أردت أن أشتري شيئاً منه لكنني لم أستطع بسبب مشكلة اختلاف اللغتين، فضجرت وهممت بالخروج وإذا بشاب آخر يقرب الأول سناً، يملك محلاً قريباً من المول، يعترض طريقي من دون قصد.. طلبت منه التنحي فأجاب بالترحيب بي في بلده بلغة عربية أكاد لا أفهمها.. اغتنمت فرصة خبره بلغتنا وشكوت له صعوبة تعاملي مع صاحب المول، فاصطحبني إليه وعرّفني به، كان اسم البائع (داوود) والآخر (حسن).

في اليوم التالي رأيت (داوود) على غير طبعه، كئيباً، مبتئساً.. بحثت عن (حسن) فوجدت محله مقفلاً، فرجعت وإذا بي أصادفه.. استفسرت منه فأجانبي: “لقد حدثت لداوود مشكلة لا حل لها، فابنتي زميلة ابنته في المدرسة الابتدائية، وقد أخبرتني بأن طفلة داوود تعرضت لحادث.. إذ دخل قلم في إحدى عينيها الخضراوين ففقأها!”.

بكيت على الطفلة كأنها ابنتي، وصعدت إلى غرفتي في الفندق وفتحت النافذة إلى جهة كربلاء ودعوت والعبرات تتسلل من ناظريّ: “إلهي، ليس لي أحد غيرك أشكو له همي، بحق الإمام الحسين، اشفِ الطفلة المسكينة”.. كسرت التربة الحسينية التي جلبتها معي ووضعت نصفها في إناء به ماء متوجهاً إلى كربلاء الحسين، متهجداً بآيات من القرآن الكريم.. أعطيت الإناء لـ(داوود) طالباً منه مسح ما فيه على عين طفلته.

في اليوم الذي تلى، وجدت وجه (داوود) فرحاً، وما أن رآني حتى احتضنني وأخذ يقبلني متحدثاً بلغته التركية التي أجهلها تماماً.. نظرت جهة الباب فوجدت (حسن) يقف مبتسماً..

– ما الذي حدث يا حسن؟

– لقد شفيتَ (بدوائك) الطفلة التي عجز عنها أمهر الأطباء والجراحين!.. شكراً لك..

– لا تشكرني بل اشكرهما!

– ومن هما!؟

– الحسين والعباس..

– ومن يكونا؟!

– هما من نلجأ إليهما عندما تتكدر الدنيا من حولنا، ويعطياننا سؤلنا، و(الدواء) هذا من تربتهما.

رفضت كل العطايا التي قدمها لي (داوود) فأنا لست ممن يتاجرون بحب الحسين، وقد سلمني رسالتين باللغة التركية كي أسلمهما للإمام الحسين وأخيه العباس، وقد وضعتهما في شباكي الوليين الطاهرين.

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب