6 أبريل، 2024 7:18 م
Search
Close this search box.

رحلة مع القبور الخمسة قصة من الواقع العراقي….. من قصص الحرب في مدينة الموصل – الجزء الثاني

Facebook
Twitter
LinkedIn
تحركت عجلة الزمن رغم تباطىء عقارب الساعة لكن الاخبار تشير الى بداية العمليات العسكرية ولكن بصورة بطيئة جدا.. لان القوات المشاركة في هذه المعركة من قبل الحكومة والتحالف الدولي معها  لا تريد ان تضحي بخسارة بشرية كبيرة  وتريد حسم المعركة لجانبها ورسم الخطط العسكرية الدقيقة لهذه المعركة كونها سوف تتحول الى حرب شوارع لأن غايتها فك الحصار عن العوائل داخل المدن والاحياء السكنية وان الطرف الاخر اصبح في وضع صعب جدا ولايعنيهم عدد الضحايا والخسائر بين صفوف المدنيين…
تقدمت القوات العسكرية لتحرير المدن الواقعة تحت سيطرة المسلحين وكان بدايتها المدن البعيدة عن مدينة الموصل كونها آخر مدينة في الرقعة الجغرافية تقع تحت سيطرتهم…معارك طاحنة بدأها تقدم للقوات البرية على الارض وقصف جوي كثيف يرافقه اطلاق قذائف مدفعية متطورة…
لم تكن ساحة المعركة واعادة اي مدينة من سيطرة المسلحين بالأمر السهل كون ظرف المعركة مختلف تماما عن كل المعارك التي تخوضها القوات العسكرية وكذلك تواجد الملايين من سكان هذه المدن داخل منازلهم واي خطأ عسكري سوف تكون له عواقب وخيمة…..
وفي ظل هذه الاحداث الصعبة والمخيفة كانت هناك وكما ذكرنا سابقا عائلة كبيرة من اهالي مدينة الموصل مكونة من ثلاثة أسر تعيش اسوة بغيرها الرعب والمأساة وربما انقطاع الامل في بعض الأحيان…
ثلاثة اخوان هم ابو نجلاء وابو ايمن وابو زمن  مع نسائهم واطفالهم يعيشون تحت سقف منزل اورثه لهم والدهم. اثنان منهم يعملون سواق شاحنات نقل كبيرة عند احد مكاتب النقل والثالث يعمل في سوق شعبي لبيع الخضراوات ولا يملكون من هذه الدنيا سوى مصروفهم اليومي الذي يحصلون عليه من اجورهم اليومية… حياتهم صعبة جدا ويعيشون تحت خط الفقر ولكنهم يمتلكون القناعة والامل بمستقبل افضل..
ومع دخول المعارك وتوقف عجلة الحياة نهائيا في مدينة الموصل اصبحت هناك شحة في المواد الغذائية في منزلهم واصبح همهم الوحيد توفير لقمة العيش لعوائلهم…. وبين هذا الظرف المرعب والجوع والخوف من مستقبل مبهم وما ان اقتربت القوات العسكرية من المنطقة التي يسكنونها حتى قام الجماعات المسلحة المسيطرة على المدينة بتبليغهم بأخلاء منازلهم والرحيل الى منطقة سكنية اخرى ومن لا ينفذ الامر فانه سوف يقتل في منزله….
عوائل كبيرة لا تعرف اين سوف تكون وجهتها القادمة والى اين يذهبون…ما اصعب الحياة عندما تصبح عديمة الطعم من كل الصفات الانسانية…
قام الاخوة الثلاثة مستسلمين لأقدارهم بترك منزلهم والرحيل منه والتوجه الى المناطق السكنية الاخرى وقد واجهوا التنقل والترحال والسكن بعدة مساكن نتيجة لظروف كل العوائل الصعبة… وما اصعبها من لحظات عندما تجد اكثر من عشرة عوائل يسكنون تحت سقف واحد يرافقهم الجوع والخوف في كل لحظة…
استقر بهم المطاف في اخر لحظاته في منطقة تسمى حي الرسالة وقريبة جدا من الشارع الرئيسي لسوق موصل الجديدة.. وعينهم تراقب وتتأمل وصول القوات العسكرية لإنقاذهم من محنتهم هذه…
كانت وسائل الاتصال شبه مستحيلة وكان استخدام جهاز الهاتف النقال يتم بصورة سرية جدا ولدقيقة واحدة  فقط.. وكان الاخوة الثلاثة يقومون بالاتصال بين الحين والاخر لمعرفة ما يدور حولهم واين اصبح تقدم القوات الأمنية.. وكل المتصلين يبثون فيهم روح الامل بان خلاصهم من تحت سيطرة المسلحين باتت قريبة جدا.
اصبح القصف الجوي وصوت الدبابات والمصفحات العسكرية قريبة جدا منهم… ولكن القصف الجوي اصبح كثيف جدا وفي كل لحظة يسمعون صوت قذيفة قادمة تسقط قربهم ويسمعون انفجارها يرافقه صراخ وعويل…
دقائق تحبس الانفاس وانت تنظر نظراتك الاخيرة الى افراد عائلتك ولسانك يشد عزيمته ولكنك انت نفسك مكسور العزيمة لعدم وجود اي بصيص للأمل يبعث فيك الطمأنينة..
وماهي الا لحظات وهم يسمعون صوت صاروخ هائج قد ظل هدفه واذا به يسقط فوق المنزل الذي يتواجدون فيه. زهقت الارواح البريئة الى خالقها تشكو ظلم الانسان لأخيه وتشكو جور الحكومات لشعوبها….
وعلى اثر انفجار هذا الصاروخ فارق الحياة كل من الاخوان ابو نجلاء وزوجته وابو زمن وزوجته وابو ايمن تاركين خلفهم اطفالهم الذين كانوا يسكنون  في غرفة اخرى قريبة من المكان المتواجدين فيها اهلهم فكتب الله لهم العيش بعد ان فارق ابائهم وامهاتهم هذه الحياة الدنيا وما هي الا ساعات حتى دخلت القوات الأمنية لتلك المنطقة  واعيدت المنازل رغم الدمار الذي حدث فيها  الى اصحابها….  ولكن من يعيد ارواح هؤلاء الأبرياء المظلومين… من يعيد الحياة لمن كان يتمنى ان يعيشها قبل ساعة من الان…
اسئلة كثيرة ومبهمة وحروب يصنعها الانسان بنفسه وادوات قتل نبتكرها ليقتل بعضنا البعض فيها…
وبعد يومان من الحادث الاليم استطاع الناس اخراج جثثهم ليستلمهم اخوانهم واقاربهم ويقومون بإجراءات دفنهم في المقبرة الخاصة بعائلتهم…
خمسة قبور لخمسة شهداء من عائلة  واحدة يدفنون في يوم واحد…
يالها من مرارة في الحياة حينما تعيش فيها تحت خط الفقر وتحت الخوف والرعب ثم تفارقها تاركا خلفك عائلتك لا تعرف عن مصيرهم شيئا……
دماء تسيل في الشوارع.. وجثث متروكة هنا وهناك ودوي للانفجارات بكل مكان من هذه المدينة. لقد عاش اهلها يستنجدون السماء لتنقذهم من ظلم الارض وساكنيها…..
انتهت المعارك وبقى السؤال كيف سوف يواجه  اطفال الشهداء مصيرهم في هذه الحياة وقد اصبحوا  بلا اب او ام واصبحت المدينة  تحتوي على الالاف من هؤلاء الاشخاص الذين فقدوا من يعيلهم في هذه الحياة…
بالنسبة لاطفال الشهداء الخمسة المذكورين في احداث هذه القصة فقد جاءت  رحمة الله من فوق كل شيء.. فان الله الذي أخذ ارواح اهلهم كفيل بهم.. فسخر لهم من يقوم بعنايتهم فتكفل بهم عمهم ابوعلي الاخ الاكبر للشهداء  وقام باضافة كل تلك العوائل وضمهم الى عائلته الخاصة وتقديم الرعاية الصحيحة لهم وبافضل صورة ومازال يهتم بهم اهتمام خاص هو وزوجته تلك المرأة الراشدة المحسنة والتي تعاملهم اسوة بأفراد عائلتها..ويعتبر اليوم الاب والعم المثالي للجميع… وكان نعم المربي والحريص عليهم دائما وانه نموذج مميز للانسانية جمعاء…..
واليوم وبعد مرور عدة سنوات على وقوع الحادثة كبر ابناء الشهداء وحقق قسم منهم طموح اهلهم بمواصلة الدراسة للحصول على اعلى الشهادات العلمية..ومازال الباقين يمارسون حياتهم الطبيعية وبرعاية من تكفل بهم…
هذه قصة حقيقية من واقع الشهادة والشهداء في مدينة الموصل نكتبها لتبقى شاهد للتاريخ نحاكي فيها ضمائر العالم المتحضر الذي صنعوا  القذائف  والصواريخ لقتل الأبرياء وزرع الرعب في قلوب الاطفال والنساء…
..هذه قصة حدثت في مدينة العلم والادب والثقافة… مدينة الانبياء والاولياء.. التي اختارت الارادة الدولية لها العيش بعزلة تامة عن العالم وتدمير كل واقعها الحضاري وايقاف عجلة الحياة فيها بصورة تامة…مدينة الموصل.. مدينة الشهداء والقبور الخمسة….

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب