حكى لي متذمّرًا كيف تخلّص من طيش سائق التكسي يوم استأجر سيارة أجرة للذهاب إلى عمله، وكيف بدأ السائق مستعجلًا منذ اللحظة الأولى، بالكاد رحّب به ثم انطلق بسرعة كأنّه في سباق يريد الفوز بالمركز الاول.
خلال الطريق لم يلتزم بعدم التجاوز، لم يترك مسافة أمان ولم يخفّف سرعته عند المنعطفات بالشكل المطلوب. وعندما طالبه الرجل بالتمهّل قليلًا، جاءه الرد بجملة باردة: لا تخف، أعرف طريقتي.
ما إن وصل إلى المكان حتى قال الرجل: دفعت الأجرة مرتين، مرة بالمال ومرة بأعصابي.
هذه القصة تتكرر كل يوم، ففي عالمنا اليوم أصبحت مسألة تأجير السيارات وتوصيل الركاب أمرًا سهلًا وسريعًا، ولكن ما لم يُصبح سهلًا بعد هو العثور على سائق يجمع بين المهارة والرقي.
حين نسأل عن السعر قبل الركوب، فإننا نظن عن حسن نية أن ذلك هو الضامن الوحيد للرضا، لكن في الحقيقة، السعر هو الجزء الأسهل في الرحلة، أمّا أصعب ما فيها، فهو أخلاق السائق ووعيه وسلوكه خلف المقود.
لقد بات واضحًا أن بعض السائقين لا يُجيدون فن القيادة، لا لأنهم لا يعرفون كيف يُحرّكون السيارة، بل لأنهم يفتقرون لما هو أعمق من المهارة التقنية: الذوق والمسؤولية والاحترام.
وقد قالها الناس من قبل وكرّروها على مرّ الأجيال: “السياقة فن وذوق وأخلاق”.
فن، لأنها تتطلب تركيزًا وقدرة على التقدير والتصرّف وفهمًا للطريق.
وذوق، لأنها تعكس طريقة تعاملك مع الناس، مع المسنّين، مع من يركب معك، ومع من يمر أمامك.
وأخلاق، لأنها مسؤولية يومية عن حياة الآخرين، حتى وإن كنت لا تعرف أسماءهم.
إنّ قيادة السيارة لا تعني مجرد إيصال الراكب إلى وجهته، بل تعني أن تصل به بسلامة وكرامة، فهناك فرق بين من يرى الراكب مبلغًا، ومن يراه أمانة.
لذا، في المرة القادمة التي تطلب فيها سيارة أجرة ، لا تجعل أول أسئلتك: “كم السعر؟” بل اسأل نفسك: “من الذي سيقود بي؟ وهل أثق أني سأصل بسلام؟”
فثمن الرحلة لا يُقاس بالأجرة وحدها، بل بما تشعر به بعد أن تنزل من المركبة.