لعله حضي العاثر، يصور لي الجمال في كل شيء جديد، هذه المرة أنا متجه للعاصمة (بغداد)، حتماً سيختلف كل شيء أمام عيني، حتى رئتاي عليهما الإستعداد لتنفس هواء جديد، دولة العباسيين، ودار السلام والثقافة، قررت أن أستكشف المدينة بكل ما فيها، شوارعها, مبانيها, حدائقها, ساكنيها، قد تكون رحلة شاقة ومتعبة! لكنها قد تكون ممتعة، بعدما أخلد للراحة مع قلمي، على سرير أوراقي.
أمام الفندق الذي أسكن فيه، أتهيأ للإنطلاق، وأحاول منذ الخطوة الإولى أن اكون مستقراً، حتى لا تفوتني متعة وأنا غافل بشيء أقل متعة، إبتدأت من على الرصيف، أنتظر سيارة تقلني، الناس يتسابقون ويتدافعون مع النساء، لم يكن هنالك شيء من الحشمة بينهم، التوتر يملأ وجوهم، هنالك من سيتأخر عن موعده، ومنهم من تأخر على عمله، الكل منزعج مع إشراقة الصباح، رجال الأمن متوترين ويكتفون بكلمة ( تحرك)، السائق يصرخ بأنه سيقف المكان الذي هو يريده، لا الذي يريده الراكب.
يا لها من رحلة شاقة للوصول الى مقعد السيارة، حتى (نيل أرمسترونغ) كان يتكلم عن رحلة أسهل للوصول الى القمر، ما كانت نوافذ السيارة كافية لأرى المباني، كنت أتطاول برقبتي لأرى المباني، التي هي الإخرى تعاني حالة التوتر، كانت بحاجة الى كثير من الأدوات لإستكمال أجسادها، تشبه عارياً بُترت أحد أطرافه، الشوراع مرتبكة أيضاً، زحمة السير تمسك بالسيارة تارة لتوقفها، وتهزها تارة أُخرى بمن داخلها، وهي لا تطيق وجود سيارة جنبها، وصار الجو يعج بصراخ السيارات.
طابور طويل للأهالي إنتهى مطاف السيارة إليه، ضحكت مع نفسي، لأنني كنت راكباً ولم أسأل السائق أو الركاب عن وجهة إنطلاقتهم! إقتربت استطلع وجوه الواقفين بالطابور، كنت أحاول إستقراء وجهتهم بما يحملون من أوراق، فيطالعونني بتوتر وأنفعال طغى على وجوههم، خوفاً من أخذ مكان أحدهم في الطابور، الموظف كان هو الأخر يعاني التوتر والارهاق، يكتفي بكلمة ( تعال غداً)، مع شدة العطش وحرارة الشمس، توتر الواقفين سيكون أكثر في اليوم التالي، الذي سيقفون به بنفس المكان.
إنطلقت نحو متنزه صغير لأستريح قليلاً، كان بداخلة مجموعة من العوائل مع أطفالهم، البواب أو الحارس هو الأخر متوتراً من ما يعبث به الأطفال، رأيت العوائل منزعجين، من عدم وجود إحتياجات الترفيه الضرورية، الأطفال ايضا يعانون التوتر، لأنهم لم يجدوا ما يستحق متعة اللعب، خرجت أستقل سيارة أخرى بعد إن توترت أنا أيضاً، ولم أعد أتحمل وجودي هناك، بنفس معاناة السيارة الأولى، نزلت في مكان أخر بعد إن إنتهى طريق السيارة.
أُجبرت أن أسير، وأنا أنظر الى من حولي والإنفعال والتوتر قد شغل الجميع، البائع والمشتري ومن خرج للنزهة، هنالك العديد من نقاط التفتيش والطرق مغلقة، حتى أهل المدينة عندما يصل الى نقاط التفتيش تلك، ما كان ليلقي التحية على رجال الأمن! وما كان لرجال الأمن أن يستقبلوا الأهالي بابتسامة، الجميع منزعج ومتوتر، إنتهيت الى قبب ذهبية ما رأيت أجمل منها، وأنظف وأرتب، توسعت عيناي عجباً، وإبرهت بما أشاهدة من جمالية البناء ودقة النقوش وألوانها الصارخة الجميلة.
كل شيء إختلف، وكأني دخلت عالم ليس الذي كنت فيه، شعرت بارتياح، التوتر والإنفعال غادرني، وبدأت البسمة تدب بالجميع، أحسست أني في فضاء ملائكي، الإنسان يُعامل بإحترام، النساء محتشمات، سألت أحدهم قال) : أنت الأن في مرقد الإمام موسى الكاظم أحد أولاد الرسول محمد بالتتابع من ذرية إبنته الزهراء، هنا تهدأ النفوس وتتحابب القلوب وكأنك تعيش في الجنة)، أيقنت بعد تلك الرحلة الشاقة :-
1- أن شعارات الحكومة في حقوق الشعب، لم تكن إلا كذبة، بدليل هذه المأساة التي يعيشونها من توتر وإنفعال يومي.
2- إن مراقد أهل البيت والصالحين، هو الخلاص الوحيد الذي ينقذ العراقيين من تلك الأجواء الخانقة المتعبة، ومن يريد أن يعرف العراقيين على حقيقتهم فليذهب حيث تلك الأماكن، فهناك ستجد العراق بصورة أجمل.