(هكذا تشد الرحال في كل صباح في أخطر رحلة يومية في حياتها إلى مكان عملها في القرية المجاورة لها بين عربات القطار الذي يقف في قريتها ليتزود بالمسافرين فيه والمتسلقين عليه حاملة معها الرعب والأمل يوميا تحتضن طفلتها الرضيعة بين يديها المرتجفتين تضمها إلى صدرها بحنان الأم بإحدى يديها والأخرى تمسك بعتلة عربة القطار تثبت بها جسدها المتهالك لقطار الرعب المسرع المدوي بصوته ودخانه المتصاعد يخترق الفضاء من حوله والذي يخنق الأنفاس يلفح وجهها المتعب المكفهر الحنطي الذي يشبه سنابل الحنطة التي تغطي الأراضي من حولها المزين بخطوط سوداء خطها هواء السموم وأثقال الزمن المر ووطأة الفقر حيث تحبس أنفاسها بين أضلعها بين فترة وأخرى خوفا من دخول الهواء الحار إلى رئتها . أن عوز الحياة وثقلها جعلها لا تملك ثمن التذكرة تقابلها عزة نفسها وكرامتها التي لا تسمح لها بالذل ومهانة السؤال وهذا ديدن الفقراء المتعففين الذين لا يملكون إلا كرامتهم فأرتئت أن تجازف في هذه المحاولة الخطرة . أن كل نظرت لطفلتها وهي تتضور جوعا وعطشا وتعبا ترى في وجهها الناعم حرارة الفقر وألمه لكن تكتمه في نفسها وقلبها الذي يذوب بين ثنيا صدرها ولسانها يلعن الأيام الضواري وآلامها وجبروتها في حين ترى الأمل في أبنتها يلوح في الأفق تتصبر به وتتلمسه في قادم الأيام وبصيص من الأمل القادم الذي تنتقل به إلى خير من الدنيا وتنفرج السرائر فالزمن مخبوء به المفاجئات ) ضياء محسن الأسدي