كل فردٍ منا يتمنى أن يكون بلدهُ متطوراً مواكباً الحداثة في كل شيء، بل يتمنى أن يكون على مسار واحد مع الدول المتطورة، يواكب حركة العمران والاقتصاد وكل شيء، يتمنى أن يكون بلدهُ في مصاف الدول النامية فضلا عن المتقدمة.
رحلتي الأخيرة الى الجارة إيران، كشفت لي الكثير من الأمور، فقد زرت إيران منذ عامين، في هذا العام كانت رحلة مختلفة كسابقاتها (فانا لا أحب تكرار الرحلات على نفس الشاكلة)، لقد جذب انتباهي التطور العمراني الهائل ما بين سفرتي هذه وسابقتها (التي كانت قبل عامين)، فهم في عمل دؤوب ليل نهار، من بناء واعمار وزراعة وتطوير وتوسع وفتح الطرق والمناطق السياحية، لقد شاهدت الكثير الكثير، ولكن لأعود للمنطقة الصناعية في مدينة قم.
لقد خرجنا من بغداد (انا وصديقي المستورد) متوجهين الى مدينة قم المقدسة براً، عن طريق الحجز في شركة نقل عراقية، تحركنا عند الساعة الخامسة فجراً ووصلنا الساعة الثامنة مساءً، حجزنا في الفندق للمبيت وبعد الاستحمام وأخذ استراحة، ذهبت وصديقي الى زيارة مرقد السيدة معصومة (عليها السلام)، ولحظة وصولي الى مدينة قم لاحظتُ كمية التطور الهائلة والجميلة، من حيث النظام والانتظام والتعامل التكنلوجي الحديث الذي نفتقده تماماً في العراق، بتنا ليلتنا، في الصباح استأجرنا تكسي عن طريق تطبيق موبايل الى المنطقة الصناعية، والتي تبعد حوالي 24 كيلومتراً عن مركز المدينة.
توجه بنا السائق حيث مقصدنا عن طريق ال GPS، وهنا كما يقال (تسكب العبرات)، كان الحي أنظف وأرقى واهدئ وأنقى من أرقى منطقة صناعية في بغداد بلا مبالغة، فشوارعه عريضة وواسعة ونظيفة جداً، تحيطها الأشجار والزهور، ولا وجود للغبار أو الدخان فيها، ولا للعربات الصغيرة مثل (الستوتة او التوك نوك) والتي لم ارها في كل مناطق إيران، بل تدخل السيارات الكبيرة فتحمل بضاعتها عن طريق الرافعات وترحل بهدوء.
وصلنا الى المعمل المنشود فلم نجد صاحب المعمل، اتصل به أحد العاملين ليخبره وصولنا، فطلب منه ادخالنا والقيام بضيافتنا حتى مجيئه، وبالفعل قام هذا الشخص بضيافتنا على أكمل وجه، وما أن حضر صاحب المعمل بعد دقائق معدودات حتى قام بالاعتذار عن التأخير، ثم كان الترحيب بحفاوة كبيرة، كان صديقي يحسن الفارسية التي لا افهمها، بدأ الحديث معهم والمفاوضات حول نوع العمل والاسعار والكميات وكيفية الشحن، كان صاحب المعمل ذو ابتسامة جميلة، وقال ابتداءً: أنتم ضيوفنا اليوم، ونريد أن نكرمكم كما تكرمونا عندما نكون بضيافتكم، وبغض النظر عن مدى التعامل التجاري الذي سيكون بيننا او لا يكون، فلا عليكم. وطلب منا القيام بجولة في المعمل؛ هنا ملاحظة مهمة: فعندنا في العراق لا يسمح صاحب المعمل بدخول أي زبون الى معمله، أما هم فعلى العكس وبما إننا استغربنا الحالة ظنا منا اننا نحرجه رفضنا الذهاب، ففتح شاشة كانت امامه لكاميرات المراقبة فشاهدنا جميع جوانب المعمل، كما وبدأ يشرح لنا منشأ المواد الأولية ومنشأ المكائن، التي يعمل عليها المعمل كما ولاحظت ان المعمل مختلط الجنسين.
تم الاتفاق مبدئيا على نوع المواد وكميتها، لكن بقي الامر متعلق بالاتصال، وتحويل المبلغ ليتم حجز الكمية المطلوبة، كانت لنا نية الذهاب الى طهران، فطلب منا حضور وجبة الغداء ثم الذهاب، فرفضنا كوننا كنا أكلنا قبل قليل، وعندما أردنا طلب التكسي عن طريق التطبيق، بادر صاحب المعمل الى طلبها ودفع مبلغ الأجرة، وقال هذا أقل ما نقدمه لكم، وكما نقول بالعراقي (اعذرونا ع التقصير)
حضر الجلسة معنا رجل مستورد من أصول سورية، يستورد بضاعته الى العراق في مدينة الحلة تحديداً، وقد ساعدنا في الترجمة، فهو صديق للعائلة ويجيد الفارسية بطلاقة.
بقي شيء …
هذا مقالي الثاني حول هذه الرحلة، وسأعود في مقالات أخرى ان شاء الله، لأني بكل صراحة أتمنى ان يكون شعبنا ومسؤولي دولتنا على قدر المسؤولية والتعلم من الاخرين، فالموضوع لا يخص مؤسسات الدولة فقط، بل يخص تطور وثقافة المجتمع أولا وأخيرا. كما لدي بعض الملاحظات لأسجلها:
الحي الصناعي في قم يقع خارج المدينة تماما، فلماذا احيائنا الصناعية وسط بغداد؟! يجب على الدولة بناء احياء صناعية خارج المدن واجبار أصحاب المعامل والورش الى الذهاب اليها.
لاحظت أن المعامل عبارة عن جملونات بنفس الشكل والحجم وذات نفس اللون، لكل منها رقمه الخاص واسمه.
نظافة الحي والمعامل مسؤولية الجميع، لذا يجب عندنا معاقبة المقصرين بعقوبات مالية موجعة حتى يتعظوا، ويشعروا بالمسؤولية.
الاهتمام بزراعة الأراضي المجاورة للمناطق الصناعية لأنها تضيف جمالا وتزيد الاوكسجين وتقلل التلوث وتلطف الجو.
منع دخول المركبات الكبيرة والطويلة الى المدن لأنها تربك السير وتدمر الشوارع.
يجب إعادة العمل الصحيح للسيطرة النوعية.