(( فإذا نُفخ في الصور وكان يوم النشور وحُبست الأصوات في الصدور وشخُصت الأبصار والناس يموج بعضهم مع بعض إلى ربهم ينسلون وإلى صعيد الساهرة للقاء ربهم مهطعين بوجوه ناضرة مستبشرة سافرة أو عبوسة باسرة عليها قترة من أوزار ذنوبهم المثقلة والملائكة يسوقونهم نحو آجالهم زمرا آه يا أبن آدم أين كنت من هذا المشهد الرهيب وقد غرتك الحياة الدنيا بغرورها واستمتعت بلذاتها وخنعت لأموالها فاليوم ليس لك حميم ولا شفيع ولا فصيلة وخليل ولا مال ولا بنون جئتنا كما خلقناك أول مرة فقد كنت في غفلة من هذا الموقف وما حصلته من دنياك سليب فقد فرحتم بأموال حلوة المذاق ولم ترقبوا يوم التلاق حيث إلى الجنة أو النار المساق لا مال يشفع ولا جمال ينفع ولا جاه يردع الكل مشغول بالسائق والشهيد القوي العتيد في يوم التناد وهم يصطرخون يُنادى في الأنام أين الملوك أين أصحاب البنوك أين فراعنة الدنيا أين الجبابرة فالكل يؤخذ بالنواصي والأقدام فالفائز من هذا كله هو الذي أشترى آخرته بدنياه وآثر الحياة الآخرة على دنياه فاليوم إلى ربهم يوزعون والساق تلتف بالساق من هول مصيبة المساق ينفضون من رؤوسهم تراب الأجداث مهطعين إلى أرض التلاق والملائكة يدّعون الناس لمصيرهم دعا وهم يتلاومون بينهم على ما فرطوا في جنب الله وبحق أنفسهم يتخافت الذين أظلوا سبيل الحق فهل إلى الحياة الدنيا مرد لنعمل غير الذي كنا عنه غافلون يُجيبهم الذين أعدوا العدة ليوم الكرب والشدة هيهات ذوقوا ما كنزتم وطغيتم وكفرتم بأنعم الله ونحن بكم شامتون فهذا يوم الحق والقسطاس المستقيم والقصاص العظيم والجزاء الأوفى اليوم لا ينطق الناطقون إلا الحواس العين ما رأت والأذن ما سمعت والألسن ما نطقت واليد وما فعلت والأرجل إلى ما سعت وتوفى كل نفس ما كسبت آه يا أبن أدم ماذا لو جئتنا خفيف الوزن وأطعت عقلك وقتلت شهوات نفسك ورضيت بما قسم الله لك آه يا أبن آدم لم تأخذ من الدنيا خبرة ومن الموت عبرة وآتيتنا خفيف الذنوب فلا ينفع الإنسان نفسه اللوامة فقد رفع القلم ولا ينفع الندم ))