22 نوفمبر، 2024 11:31 م
Search
Close this search box.

رحلةٌ في الزمنِ الضائع

رحلةٌ في الزمنِ الضائع

في نصّ ( سايكس – بيكو جديد .. وقصائد مومسة )
للشاعر : لخضر خلفاوي
كريم عبدالله
14/9/2018 بغداد – العراق
إنّهُ الصوتُ القادم مِن أعماقِ الخذلان والتجزئة وويلات الحروب والضياع والتطاحن الطائفي والمذهبي والرعب المسكون في أعماق ظلمة كثيفة والخيبة الكبرى وفقدان الانتماء الى الاوطان , كلّ هذا جاء في قصيدة طويلة جدا إعتمدت على قدر من الوضوح والبساطة والابتعاد عن الكلفة في اللغة كي تصل الى شريحة واسعة من الجماهير وكان هذا مقصودا مِن قِبل الشاعر . انّها رحلة في تجلّيات الواقع البائس والمضطرب والنفور من الهموم الذاتية والانغماس بين الجماهير وكشف محنتها , انّها صرخة يوجّهها الشاعر الى الناس بصورة عامة ومخاطبة الضمير الأنساني وإعلان الولاء للهموم العامة وإشهار الكلمة بوجه هذا الواقع البائس كسلاح يساهم في تغييره و ومحاولة لترميم تصدّعاته والنظر الى ما وصل عليه الانسان العربي وسحقه تحت وطأة حاجاته .
وبعد …
ها هي الامة تعلن تمزّقها بعد مخاض طويل للتتفجّر أنهارها العربية بدماء الابناء والاشقاء وتنمو أشجار الصفصاف على جثث المغدورين , هذا المخاض أعادها الى الوراء وزرع الفتنة والضغائن وأطفأ حتى قناديل لنهارها , لتدخل في نفق مرعب حالك الظلام وبلا نهاية .
(( في بلادنا العربية..
كلنا مرضى بالزعامة..
كلنا من الرئيس إلى الخادم البسيط
كل الأشكال يحلمون أن يكونوا زعماءً..
كل من لم يَظْفرْ بنصيبه من غنائم الوطن المريض
يؤسس حزبا معارضا..
و لا يدخّر أيّ جهد في الاحتيال على عقول الساذجين
بسياسة البَعْطِ و ” التَّبْعِيطْ”.
في بلادي العربية ..
الزعامة هي عفيون يُسوَّق للأغبياءْ ..
الزعامة في كل شيء ..
كل مواطن يحلم بتأسيس حزبٍ للانتقام
ممن هُم في الطابور الأوّل للزعامة ..
و شعوبهم تُعامَل كَمَا تُعَامَل النُّفايات في مستودعات القمامة ..
الزعامة .. ورمٌ خطير مسّ أفراد مجتمعات العرب..
و لن يُشفى منه أحد الى أن تَقُوم القيامة !
لأنهم لم يفهموا تاريخ الامم الناجحة ..
قرأوا التاريخ بحروف مَقْلوبة ..
فأنشأوا دساتيرا متجانسة تشبهُ الى حد بعيد
كتاب ” طوق الحمامة”. )) ..
الكلّ اصبح في هذه الامة يبحث عن مصلحته الشخصية على حساب المصلحة العامة , حب الأنا وإمتلاك السلطة وإقتسام ونهب خيرات البلاد وخداع النفس بانّ الوطن لم يعطنا ايّ شيء فعلينا ان نأخذ حقوقنا بالقوة بعدما سمحت الحكومات الضعيفة لهؤلاء بالظهور على السطح وعدم وجود قانون صارم يحدّ من حيوانيتهم المتوحّشة وانشغال الرؤساء بتوزيع الكعكة فيما بينهم وترك البلاد تعيش في حالة من الفوضى والفقر والمجاعة وأصدروا دساتيرا تتناسب مع طموحاتهم اللامحدودة وسخّروها لمنافعهم الشخصية .
(( في بلادي العربية..
يُكرّمُ اللُّصوص و تُسَوّدُ على الشعوب مرتزقة الزور و الكذبْ..
في بلادي العربية..
ضرب التّهميش الشعراء..
و طالهم حتى الجوع..
و موالون لأزلام الأنظمة يمارسون بنصوصهم
المحاباة و كلّ طقوس الرُّكوعْ..
في بلادي العربية..
نُمجِّدُ الرَّقص و الظلامية..
و نَمنعُ على الشمس حقّ الطُّلوعْ!
يا حُكّام بلادي العربية..
يا رموز الخُنوعْ..
لقد خُنتم أوطانكم ، قهرتمْ شعوبكم..
كفَرْتُم بأَنْعُمِ الله ، فأذاقكُمْ لباس المهانة بكُلِّ الطُّبوعْ ..)) .
انّه الواقع المدلهم حيث لا عدالة في الوطن وحيث الازمات الخانقة وفترات الانكسار والخيبة والاوضاع النفسية المتردّية , انه الواقع المزدحم بالتزوير والتهميش والجوع وقسوة السلطة وطغيانها انه زمن الخنوع والاستسلام وضياع الهوية الوطنية .
وتيجة لهذه السياسات الرعناء اصبح الانسان العربي غريبا في وطنه ومهاجرا يبحث عن الأمان في بلاد بعيدة اخرى , اصبح يبحث عن أرض جديدة يزرع فيها جذوره المقطّعة بسيوف التهجير القسري بعدما تخلّى مرغما عن كل شيء في وطنه الأم وإنسلخ من واقعه وثقافته وترك أحلامه تتناهبها الحروب ويسرقها الغرباء ..
(( عشرون عاماً و أنا مُغَيّبٌ عنِ الوَطَنْ..
و بِمَنفايَ اعتزلتُ كل مظاهر الغَوغَاءْ
التي كانت تُمَارس علَى العلنْ ..
اعتزلتُ عبثيتَهُم التي كانت تُرهقُ الرُّوح و البدَنْ ..
غَيْبُوبَتي دَامَت لِسِنينْ ..
و ككلِّ مُبعَدٍ عُذّبتُ و اكتَوَيْتُ بالحَنِينْ..
عذّبني الزمنْ .)) .
ترك كل شيء خلفه بعدما حلّ الفساد والخراب في وطنه , وعاش في المنفى يكتوي بنيرانها ويذوق عذاباتها ويعاني من القهر والحرمان , بعدما تفشّى وانتشر في جميع مفاصلها الجهل وعشعشت الخرافة في شوارعها ..
(( في بلادي العربية..
نحن أُمّةٌ تعيشُ علىَ البُؤْسِ و الاحباطْ ..
أمة مرآتا لشُعَرَائِها و أدَبَائِها..
نتحيّن الفرَجْ من كلِّ حدبٍ ، من كلِّ صُلبْ!
أمة مِنْ صَغِيرِهَا الى كَبِيرِهَا لا تتوقَّفُ في تَسوّلِ الفرَجْ..
نأملُ الفرجْ نِيَامًا و قُعُودًا ..
مِنْ طُلُوع الشَّمس الى المَغْرِبْ ..
نحن أمة مُدمنة على طلبِ الفَرَجْ..
لم يَعُد حراك العلم و النهضة الفكرية يُعنينا..
أعضاؤُنا التناسلية ارتَقَتْ الى مكان العُقُولْ..
و العُقُول تَمّ إزْلاقُها الى مَا تَحْت البُطُونْ ..
تَهَانِينَا .. تَهَانِينَا!..)) ..
دبّ التراخي والفشل والخنوع في هذه الارض ولم تتوكأ على ماضيها المشرق الزاهر . لم تنظر هذه الأمة الى تراثها واعتباره انجازات وقيما روحية وجمالية بالامكان استخدام قدرة هذا التراث في بناء حضارة جديدة تواكب ما وصل اليه العالم الان لاجل خدمة الحاضر والسباق مع الزمن , واستخدام الموروث القديم في إضاءة الواقع الحالي والمشاركة في صنع الحضارة العالمية أسوة بباقي الأمم .
(( يا شعراء أمتي..
يا صفوة أمتي..
يا شعوب أمتي..
يا قادة أمتي ..
إني أموت ..
أوطانكم تُستباحْ .. )) ..
انّه النداء الى كل مثقفي هذه الامة واستنهاض بوادر الخير والنجاح والمحبة والسلام فيهم , انّه النداء اليهم بان يصلوا الى الجماهير ( ابتدأ بالشعراء هنا ايمانا منه بما يمتلكه الشاعر الحقيقي من مقدرة وقوة تأثير في نفوس الجماهير كونه صاحب رسالة ) وان يشحنها ببذور الامل وان ينعشوا الوعي لديها وان ينتقدوا هذا الواقع المرير وتعاسته للحصول على إشعال فتيل التغيير والانقلاب والانتصار على الذات المستكينة والمطمئنة بالخنوع وإعلان حالة الثورة ضد المتسلّطين على رقاب الجماهير والخونة الذين باعوا الاوطان للاجنبي مقابل جلوسهم على الكراسي وفوق رقاب ابناء الشعوب .
((ثمَّ رفعتُ يدي إلى السماء و كلّى إحباط و قُنوط
و قلتُ : إلهي !
يا ليتني لم أولدْ عربيا ..
يا ليتني كنتُ ترابا! )) ..
انّها الخيبة بعد ان فشلت دعوة الانسان في احداث التغيير , هكذا تنتهي هذه الملحمة الشعرية نهاية ماساوية وتعلن عن هزيمة الانسان العربي أمام السلطة وهمجيتها وحبروتها في زمن الانفتاح على الحضارات والعالم , هزيمة الانسان العربي أمام قوة لا قِبل له بمواجهتها لأمتلاكها كل وسائل القوة والقهر والتعذيب . حاول الشاعر لخضر خلفاوي أن يكون قريبا جدا من اخيه الانسان في هذه الأمة من خلال صوته بعدما بعث خيبته هذه الى معظم اتحادات العرب والامين العام السابق للجامعة العربية كموقف وعرض أدبي لراهن السياسة والابداع العربي .

* سايكس – بيكو جديد .. وقصائد مومسة ): نص يرتكز عليه ديوان الشاعر الأخير ” حالة عصيان و فرار!” الصادر من مصر عن دار “ضاد”.

أحدث المقالات