23 ديسمبر، 2024 3:19 ص

رحـيــل مفاجئ يا مـصواب ؟؟

رحـيــل مفاجئ يا مـصواب ؟؟

في غـفلة ؛ نفاجأ يوميا على أقـل تـقدير، بغـياب صديق أو رفيق أو زميل ؛ بُـعَـيد لقاء عابر أو حميمي أو عملي ؟ وهاته الظاهرة السائدة الآن في المجال الثقافي والإبداعي؛ إذ في غضـون أسبوعين ونيف؛ كان رحيل مفاجئ للعديد من الفعاليات عن الدنيا ليعانـقوا دار الآخـرة ؛ منهم صديقنا الأغـر الفنان والممثل المتألق” عبد النبي مصواب”
فـرحيله المفاجئ عـنا ؛ بعد وعكة صحية عـادية جدا ؛ هـكذا نـقول : لكن أجـله كان يناديه ؛ ومن باب النـداء ؛ كانت الخسارة فيفقـدانه ؟ خسارة بمعـنى الكـلمة للحقل المسرحي بفاس؛ ولأسرته الكريمة ؛ فمـنذ ولادته في 1960 – كان هدية ربـانية – لكـل من عاشره وتعـرف عـليه ؛ بحيث طابع الطـيبوبة والإنسانية بكـُـل تجلياتها كانت هـي العملة الفعالة بعلاقـته بالآخرين ؛ لا يطمع إلا في المحـبة بين الجميع ؛ هـوسه غرس البسمة على وجـوه الغلابة والعاطلين عـن العمل ؛ فكلما طـُلِـب منه المساعدة يبادر بدون تردد أو مشاورة؛ يساعـد مـن كان و كيفما كانت طباعه وسـلوكاتـه ؛ لا يميز بين هـذا وذاك. وأغلب مجال يكون حاضرا فيه ؛ الخدمات الطبية والعلاجية ؛ بحكم مجاله العملي كمندوب صيدلاني .
أما علاقته بأسرته وعائلته ؛ فذاك أمـر آخـر من التعامل والتكافل الاجتماعي. كل هـذا لـه انعكاس ايجابي من الزاوية الفـنية ؛ لأنه كـان بكل صـدق شابا زاهدا ولا يـفكر بثاتا في استغلال طاقته وموهبته لأغـراض خاصة ؛ ولـم تحركه ولو مـرة واحدة أطماع أو الركض وراء المال أو جاه بل هاجسه الأوحد هو معانقة الركح واللعـب على إيقاعات ما تحمله الشخصيات هزات ومقالب وصراعات وأقربها لديه البحث عن لـذة – الضحـك – ولو كان أسـودا ؛ وذلك من أجل إمتاع وإسعاد المتفرج بمستملحات وحركات وإشارات مضحكة في سياق العرض؛ هـكذا كان يؤمن . لأنه كان فنانا مسرحـيا بمواصفات خـاصة ؛ وأسلوب متميز في مجال – الكومـيديا – والتنشيط – بحـيث تمـظهـرت موهـبته الفنية في صفـوف السلك الدراسي بثانوية ابن حـزم/ فاس؛ سنة 1978 بعـدما أسس مـع بـعـض التلامذة فرقة مسرحية ؛ تضم – ع الحميد دادس / سعيد الوافي/ عبد الحـق كولي/ رشيد العلمي/ نـزهة الخـواين/’’’’/ لكـنه بسـرعة خـرج من أسوار المؤسسة التعليمية ؛ليـنخـرط في جمعية – نجوم المسرح – لكن بحكـم هـوسه للفعل الابداعي وشغبه انتقل لنادي المرآة ؛ ليكـون أول عمل مسرحي يشارك فيه ( في صحبة الأشياء) لسعيد الوافي ؛ وبعـد هـذا العمل ؛ شـعـر بشيء ما يتحرك في دواخلـه ؛ لكي يعـطي طابع الكوميديا حَـقهـا ؛ رغـم عصاميته حاول جـاهـدا أن يتأطـرفي جـنس الكوميديا بامتياز لهذا ؛ يـجـسد الفنان مصواب هـذا العـشق حينما يـصعد الركـح ؛ مـؤمنا بـقـدسية المكان والفضاء ؛ فكان عـنده الفعل المَـسرحي بمثابة طقس ؛ مما سـنَّ لنفسـه طقوسـا خاصة ؛ لكي يعـيش في أدواره وشخصياته ؛ بلباس الصوفي / الزاهـد ؛ لا يغـريه حـبُّ الظهور أو التفرد ؛ بـل رؤيته الخاصة عند الراحل – ع النبي مصـواب – بأن الإبداع المسرحي ؛ يعـد صورة تختزل الحياة الاجتماعية بكل ملابساتها وتجلياتها؛ وبالتالي فقناعته تبليغ الرسالة الفنية للجمهور؛ ورضاهم على ما استطاع تقـديمه ؛ في مستوى المعنى.
ولكن الملاحظ؛ بأنه هو غيره لم ينالوا حظا من دعاة – النقـد المسرحي- المحسوبين على( الاحتراف) ولم يقم أحـد بتحليل الأدوار والشخصيات التي كان يؤديها ؟ ربما سيتهكم علينا قارئ (ما) بأنني أطعن في شخصي بدون وعي؛ بأنني محسوب على النقـد(؟) فإجابتي كانت ما مـرة؛ بأنني لست محـترفا ولا متهافتا وراء سرابه ؛ ولا يحق لي أن أمارس شغـبي في أمـر ليس من قضيتي .
إذن: فما أخطـه الآن حول الراحل ؛ بمثابة عربون محـبة صادقة كانت تجمعنا ؛ وعلائق إنسانية جد متميزة؛ بهمومها وأسرارها الخاصة ؛ ومتتبع لخطواته الابداعية عن قرب ؛
فالرحـيل عنا؛ كان يعتبر نـفـسه تلميذا نجيبا ووفيا للمدرسة العلجية ؛ قرينـته ما قدمه من أدوار ضمن أعمال الراحل أحمد الطـيب العـلج (ك) الرشوة نشوة /العمى بعينيه / الساعات /الزواق يطير/ لا لا منانة / زوج كباش ونعجة/ مولاي إدريس/ الأشباح يتمردون/ دار بوعلي/ الكية /باب المدينة /…./ وهـذا ليس صحـيحا من الناحية مساره الفـني ؛ ومن الزاوية النقدية كذلك؛ فالراحل لعب العـديد من الأدوار ضمن أعمال مسرحية ؛ مما راكم رصيدا هائلا يمتح من اتجاهات فنية وفلسفية متعددة ؛ سواء أكانت ممنهجة وحاملة رؤيتها الفلسفية والايديولوجية أم لا ؛ وذلك حـسب التكوين الفني والسياسي والفكري للمخرجين؛ الذين تعامل مـعهم ؛ يقابله رصيد من المسلسلات التلفزية والأفـلام المغربية وسورية ( ك) سقوط غرناطة /ربيع قرطبة /ملوك الطوائف / الكـنز/ وجـع التراب/ الصافية/ شوك السدرة/ بنات رحمة/ موسم المشاوشة / …./
فهذا العطاء المساهم فيه ؛ أثر يشكل أو آخـر على طابعه الكوميدي ؛ فالمدرسة العلجية ؛ كانت تعـتمد على كوميديا اللفظ ؛ لتحقيق الهزل الشعبي؛ أما الراحل فكان يعتمد على كوميديا الشخصية ؛ من خلال الأعمال التي لم يؤلف مؤلفوها شخصيات كوميدية على مقاسه ؛ وبالتالي ففي كل عرض كان حضور الجسد بكل تلويناته ؛ واللعب بحركات الرجلين والأصابع و التي تذكرنا بكوميديا – دريد لحام – ولا نقصد هنا شخصية ( غوار الطوشي) النمطية؛ وتارة يذكرنا بكوميديا نجيب الريحاني ؛ ولكن على مستوى اللباس / الشكل ؛ كان يحاول تقليد الكوميدي الطيب العلج ؛ بمعنى: كان يبحث من تلقاء نفسـه على شخصية قارة ؛ هنا كان المطب ؛ بأنه كان بفرض طابع الشخصية كما يراها هو وليس مخرج العمل ؟ ربما كان مقتنعا بذلك ؛ بأن كومـيديا الشخصية فلا تعـد مجرد تسلية أو إثارة ؛ بل غطاء لتمرير خطاب ما في الواقع الاجتماعي من هفوات وملابسات وعيوب .مما نلاحظ بأن الراحل لا جمعية له ؛ بل كثير الترحال من جمعية لأخرى؛ وهذا حـق مشروع ؛ لأنه لم يكن هاجسه ماديا أبدا ، وإنما كان يجد ذاته في ممارسة عشقه الإبداعي بكل تلقائية ووثوقية و كذا إيجاد راحته قي مخالطة الفنانين سواء أبناء بلدته أو القادمـين من مختلف الجهات لإنجاز أعمال درامية بفاس ؛
وأغرب ملاحـظة ؛ تجاه الراحل : عبد النبي مصواب ؛ كلما كان هنالك تدريب مسرحي ؛ إلا وتجـده مشاركا ومتحمسا؛ ليستفيد من تلك التداريب؛ كيفما كان مستواها ونتائجها وهذا يدل على مستوى تواضعه الجم وثانيا مدى قابليته للإستفادة الفنية؛ لتطعيم تصوره الإبداعي على مستوى التشخـيص/ التمثيل ؛ وثالثا يحترم ويقدر من سبقوه في التجربة والممارسة المسرحية .
وأبـعد من هـذا كان يستمع أكثر؛ لمن يعقب على مجهوده ؛ ويسأل بطرق غير مباشرة ؛ عما خلفته الشخصية التي ألبسها ولبسته طوال العرض المسرحي ؛ لكن للتاريخ فالتحول الذي وقـع لـه ؛ في تفعيل أدواره بأسلوب مختلف وتصور إبداعي صقيل للشخصية التي أسندت له أو اختارها؛ مساهمته الفعالة سنة 2008 في الفيلم التربوي – حـلم أبيض – مـن إنـجازجمعية { فضاء الابداع للسينما والمـسرح } تشخيص رجاء الادريسي ولبنى بنـجلون والطفل عماد النميلي ؛ بحيث أمسى رحمه الله ؛ يقوم بمراجعة كل أدواره والشخصيات التي تقـمصها ؛ لإنتاج منظور بديل لكوميديا الشخصية .
فكل عطائه وسلوكه ؛ تجـسد في التفاتة جمعية النجوم للسينما والمسرح بفاس ؛ بتتويج الفنان عبد النبي مصواب كأحد عرسان الفن المسرحي في المهرجان الوطني السينمائي للشباب – 2013- وهـذا التتويج يـعد عربونا وعرفانا على تفانيه في خدمة الفـن المسرحي والسينمائي ؛ وذلك وإمعانا في تحقيق النشوة والسعادة للمتفرج التي كان يؤمن بها المتوج ( قيد حياته) وفي 2015 حضي بتكريم متميز في الدورة العاشرة لمهرجان فاس الدولي؛ وبـحـق كانت خطوة إيجابية تعبر عن روح الاهتمام بعطائه المتفرد؛ ونبل أخلاقه ومحبته للجميـع ؛ لأنه لم يترك وراءه أعداء حقيقين ؛ ولربما هنالك أعداء وهميين ؛ وهـذا طبيعي في المشهد الفني والثقافي ؛ فـنم قرير العين يا من كنت بلسما للجميع ؛ يامن كنت عـونا لمن يلجأ إليك ؛ ويا من كنت تهرب من فضاء الضوضاء وسخافة القول ؛ يا من كنت تعشق الممارسة الإبداعية؛ بجـنون وهـوس لا يوصف ؛ لا يهمك إلا الركح ثم الركح ومحتوياته ؛ لكن رحـيــلك المفاجئ يا مـصواب ؟؟ ترك فراغا لن يـشعر به إلا من كانوا قلبا وقالبا يحـبونك ؛ وما أكثــرهم …..