23 ديسمبر، 2024 5:29 م

رجل السياسة ورجل الموقف

رجل السياسة ورجل الموقف

السياسة حركة متغيرة, وهي قد تؤمن بثوابت بالنسبة لمن لديهم قيم يعتزون بها, ولا يستطيعون أن يتجاوزوا قيمهم, وخصوصا تلك التي تمس العقيدة أو تمس الوطنية, وقد لا تؤمن –السياسة- بالثوابت, وهي السياسة التي يستثمرها الانتهازيون والوصوليون والنفعيون.
معاقرة السياسة مع الاعتزاز بالقيم والمحافظة عليها, تعد برأيي حالة فريدة أو استثنائية, ولا يتبنها إلا من كان يمتلك نزعات نفسية عملاقة, وطاقة ترويضية هائلة وقيم أخلاقية نبيلة.
مثّل السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الله نموذج لهذه القيم, فالنجل الأصغر لمرجع الطائفة السيد محس الحكيم, والذي ولد عام 1950, قد اقترب من السياسة منذ نعومة أظفاره, حيث عايش تشكيل أولى حركات التنظيم الشيعي في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي, وفي مرحلة الشباب كان السيد عبد العزيز الحكيم ملاصقا كبيرا لتلك الحركات, وخصوصا حزب الدعوة ونشئته ووجود إخوته في تشكيل هذا الحزب.
نضجت شخصية السيد عبد العزيز السياسة كثيرا, فقد كان مقربا للسيد محمد باقر الصدر وثقته, ومع استمراره في الدرس الحوزوي إلا إن حركته السياسية كانت محط إعجاب كثير من المتتبعين.
بعد تولي صدام السلطة, وإعلانه الحرب على الحوزة العلمية وعلى عائلة الحكيم خصوصا, انتقل السيد محمد باقر الحكيم –شقيق السيد عبد العزيز وشريكه في الجهاد- إلى إيران, ومع فرض الإقامة الجبرية على السيد الصدر, صار السيد عبد العزيز الحكيم حلقة الوصل بين السيد الصدر وبين بقية العلماء والمجاهدين, سواء أكانوا في العراق أم في خارجه.
ازداد تشديد النظام العفلقي على الحوزات العلمية, ما اضطر السيد عزيز الحكيم وبطلب من السيد الصدر أن يغادر العراق, واتجه ليلتحق بأخيه السيد محمد باقر في إيران.
كانت طليعة وصول السيد عبد العزيز هي تشكيل حركة العلماء المجاهدين, والتي انضوت فيما بعد مع بعض الحركات الجهادية لتشكل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, وقد أنيطت مهمة الإشراف على المقرات في الأهوار بالسيد عبد العزيز الحكيم, فشهدت له الأهوار بالصولات والجولات.
بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة وقمعها من قبل النظام الصدامي, أسس السيد الحكيم المركز الوثائقي العراقي لحقوق الإنسان, والذي وثق الانتهاكات الكبيرة من قبل النظام البائد بحق أغلبية الشعب العراقي, وكان لهذا المركز الإسهامة الكبيرة في إطلاع العالم على حجم ما يعانيه العراقيون عموما والشيعة خصوصا من مأساة.
كانت أحداث ما بعد اسقاط صدام عام 2003 واعدة بمستقبل جديد, وكانت حركة السيد عبد العزيز الحكيم حركة مهمة ورصينة, في رسم السياسة الجديدة لإدارة البلد والمحافظة على حقوق الأغلبية, وقد كان دورها أكثر ترسيخا حينما تسلم مهام قيادة المجلس الأعلى, بعد استشهاد أخيه محمد باقر الحكيم في تفجير إرهابي في النجف الأشرف صيف عام 2003.
مارس السيد عبد العزيز الحكيم دوره السياسي محافظا على ثباته العقائدي والوطني, ولم تغره المصالح الشخصية, والمطامع الفردية, والحسابات الفئوية, فقد كان يشعر بمعاناة المظلومين من الأغلبية, ويحمل همومهم, وكان وطنيا يحمل العراق في قلبه, لذا أسهم في لملمة البيت الشيعي, وتأسيس الائتلاف العراقي الموحد, وتنازل عن كثير من الاستحقاقات لأجل أن لا تنفصم عرى هذا الائتلاف, وكان جسرا تلتقي عنده جميع مكونات الشعب العراقي, فلم يتعامل بطائفية مع أحد, وكان واضحا, ولم يك مواربا بموقف ظاهري في العلن, وموقف مغاير في الخفاء.