بداية كل سنة هجرية يستذكر المسلمون عموماً والشيعة خصوصاً واقعة الطف الأليمة هذهِ المجزرة التي وقعت على يد بني أمية استشهد فيها حفيد النبي محمد (ص) ابن الامام علي (ع) الحسين واهل بيته واصحابه في كربلاء العراق سنة (٦٢هـ).. في هذهِ السنة تعاد الكثير من الشعارات واشكال التعزية بصورة دورية تكادُ تكون متشابه في محتواها ومضامينها في مختلف البِقَاع التي يتواجد فيها الشيعة معزّينَ أنفسهم من خلال البكاء ولطم الصدور وغيرها من طرق الاحتفال التأبيني متمثّلة بزيارة الضريح مشياً على الأقدام مطعمين النذور تقرباً لله في حبِ الامام باكينَ صارخين : ياليتنا كُنا مَعكُم فنفوز فوزاً عظيما. وكأنهم لا يستطيعون اللحاق بهِ ! نعم الحسين مات ظاهراً ولكنه لم يمت معنوياً .
فعندما تقول كلمة ( معكم ) يتبادر للمتلقي إن القصد منها مكاني وزماني ساعتئذ ، وهذا معنى صحيح لكنّهُ مستحيل ، ويمكن أن يكون القصد معنوي ، وهذا هو المراد.
حيث ما يهم هو الجانب المعنوي في كينونة الخلود الحسيني التي تجسدت من خلال رسالتهِ الإنسانية في الوقوف بوجه الظالم رغم قلة الناصر وضعف الامكانات المادية وبذل النفس في سبيل ترك تلك البصمة الأبدية في مسار الحياة على مرّ الأجيال باقية مابقي الليل والنهار، تلخصت بمقولتهِ : آلا إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين أثنين بين السلّةِ والذلة ، وهيهات منّا الذلة يأبى الله ورسولهِ والمؤمنين على أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
فكانَ كما قال . فالأرض لم تخلو يوماً من الظالمين . وَنَحْن في العراق كشعب بمختلف الأديان والطوائف مسّنا الضرّ ولا يزال من جَور السلاطين كما قال الشاعر مظفرالنواب:
إننا في زمانٍ يزيدٍ
كثير الفروعِ
وفي كل فرعٍ لدينا كربلاء !
فمن أرادَ أن يكون مع الحسين فليكُن قطرةُ ماءٍ في صحراءِ العقول ، كِسرةُ خبزٍ في بطن جائع ، ابتسامة في وجهِ يتيم وطلقة في جبهة الظالم .
ان نكون مع الحسين يعني ان نتكاتف روحاً وفكراً بكل مايحمل جوهر الاسلام من معاني إنسانية ، أن نتسامى ونرتقي بالحب ، أن نجود بأنفسنا لكي تعيش الأجيال القادمة بسلام .
رأسُ الحسين مازال مرفوعاً حتى بعد موته وإن كانت برمح ، فأصبح منارة يهتدي بها الضالون وعين تنظر لكل مظلوم . فالحسين يقاتل لليوم مع كل من ينصر المظلومين وينطق بلسان كل من يقول كلمة حق عند سلطان جائر بما تركهُ من مبدأ ، فهو ولد حيثُ قتل . خلّدهُ التاريخ عندما خط أسمه بالدم فجعلهُ عنواناً لكل من يسأل عن معنى الثورة ، فأصبح من المستحيل نسيانهُ او محوه كقول الشّاعر النواب :
تأبى الذوائبُ مذ ثبتتها الدماءُ
على غرةٍ أن تزيحَ
ومن ثبتتهُ الدماءُ محــــالٌ يزيحُ