العلم وألجهاد وجهان لطاعة الله، فكلاهما ينقذ أمة، ولابد لتلك ألأمة أن تنجب رجالا للعلم، واخرين للحرب والنزال، لكن امتنا ابت الا ان تجسد هؤلاء الرجال برجل واحد، يكون رمزا للأرادة، ويمتلك جوهر القيادة، أين لا أين وأنى توجد هكذا صفات، وكيف تجتمع هذه الخصال، ومن يحملها من غيره، ومن سواه، أهلٌ لها.
لقد كان للسيد الشهيد اية الله العظمى محمد باقر الحكيم (قدس سره)، حضورا لافتا في مجال العلم والمعرفة، فقد حقق رضوان الله عليه ماكان يصبوا اليه، من حيث الدرجة العلمية الرفيعة، بعد عمر طويل قضاه في طلب العلم، وتعليمه، بل وساهم في نشره على اوسع نطاق، ليس غريب على رجل ترعرع في بيت الحكمة والايمان، ان يحذو حذو ابائه واجداده، فهم رواد العلوم، ومناهل المعرفة، فكان لوالده الامام السيد محسن الحكيم، مرجع الطائفة آنذاك، الدافع الكبير، والحافز الذي اوصله الى المرتبة العلمية السامية التي اعتلى من خلالها قمة القمم، وفي ذات الوقت الذي كان فيه منبرا من منابر الهدى والإيمان، وحين اقتضى عليه الأمر ان يسل سيفه دفاعا عن الحق، لم يتوانى ولو لطرفة عين، بل شمر عن ساعديه، وصرخ صرخة مدوية، معلنا وقوفه بوجه الطغاة، برحلة جهادية طويلة، امتدت لعقدين من الزمن او اكثر، فكان لابد له ان يبادر الى التضحية، متأسيا بجده سيد الشهداء، وان يسلك طريق الجهاد في سبيل الله، كان كما قال أمير المؤمنين (ع) عن المؤمن: كثير علمه، عظيم حلمه، ناصر للدين، محام عن المؤمنين، كهف للمسلمين، يحب في الله ويجاهد في الله، ليتبع رضاه، ولا ينتقم لنفسه بنفسه، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، فأراح الناس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له. ختم له بالشهادة، واي شهادة تلك التي نالها، استشهد وهو في حجر جده امير المؤمنين، مقطع الاشلاء، متناثر الاعضاء، قد ارتفعت دمائه نحو السماء، كي تختلط بقطرات المطر النازلة، لتحيي ارض العراق، ولتتلألأ نجوما فتنير لنا افق السماء، ولتوقد فينا روح التضحية والفداء، من اجل الدين، والوطن.
لقد نلت العلم والشهادة، فصرت كالواقف على قمتين، فسلاما ياسيد الحرب وصنديدها، ورب النهى وأميرها، وسليل التقوى، ونبع العلم القويم، وشهيد آل الحكيم، عذرا سيدي، فمن أيّ ابواب الثّناء سندخل، وبأي أبيات القصيد نعبر، وفي كلّ لمسة من جودك وأكفك للمكرمات أسطر، كنت كسحابة معطاءة سقت الأرض فاخضرّت، كنت ولازلت كالنّخلة الشّامخة تعطي بلا حدود.