10 أبريل، 2024 5:59 ص
Search
Close this search box.

رجال الماضي ودولة المستقبل

Facebook
Twitter
LinkedIn

فيلم (هوتيل راوندا ) الذي أنتج عام 2004 وأخرجه تيري جورج وشارك فيه ممثلون اميركيون وايطاليون وبريطانيون وجنوب أفريقيون ،هو دراما سينمائية تاريخية حزينةوآخاذة تتحدث عن مدير فندق من قبائل الهوتو يقوم بإنقاذ الاف اللاجئين وعائلته وزوجته التي اصلها يعود الى قبائل(التوتسي ) أثناء المجازر التي حدثت في راوندا في شهر نيسان / أبريل عام 1994 ، حيث قامت ميليشيات قبائل الهوتو بإستخدام (المناجل ) لتصفية 800 الف شخص من أفراد قبائل التوتسي !!،اثر سقوط نظام أقلية التوتسي الذين يشكلون 20% من نفوس راوندا بينما الهوتو يشكلون 80% ، مع أن تلك القبائل لا تتبع دين واحد بل عدة اديان من ضمنها الديانة الإسلامية التي ُيشكل معتنقوها الروانديون حوالي 5% ، لكن المجازر تمت ليست على أساس ديني او مذهبي اوعرقي بل على أساس قبلي همجي بل حقيقته سياسي ، مما جعل ذلك الشريط السينمائي ان يترشح لعدة جوائز سينمائية كبرى ، لتوثيقه الإنساني الرفيع لتلك المآساة البشرية التي هدأت في راوندا البلد الأفريقي الفقير ، حيث حوكم المسؤولين عن المجازر وتمت إدانتهم ، بينما توجهت الحكومة الحالية الآن الى الإقتصاد والتنمية والسياحة والرعاية الصحية وبناء الطرقات والمرافق الجامعية والحقول الزراعية  ، حتى أني اشاهد وبإستمرار أعلاناً جذاباً جداً للمستثمرين تبثه بين الفينة والأخرى عدة قنوات عالمية كبرى من بينها – سي أن أن- .

*****

كيف هدأ شعب راوندا واستقرت دولته ، ولم يهدأ الشعب العراقي ولم تستقردولته ؟؟؟والأخير لديه الكثير من المميزات والموارد والثروات والأسباب ربما تزيد على موارد الراونديين عشرات الأضعاف ؟؟لماذا المجازر في راوندا استمرت 100 يوما متواصلة فقط !!مع صمت اوربي وعالمي مطبق !! ، بينما المجازر العراقية مستمرة حتى اللحظة مع إدانات اوربية وعربية واقليمية ودولية !!؟؟لماذا يذهب المستثمرون الى راوندا الفقيرة ولايأتي لبلد النخيل والأنهار والقباب والذهب الأسود والموارد البشرية والطاقات الإبداعية والتاريخ التليد والعمق الثقافي والحضاري والتأثير الأقليمي والدولي ….هل من حقنا أن نتساءل بحزن مثل شيوخ وعجائز المقاهي  أم لا ؟؟ عارٌ علينا أن نقارن بين البلدين أو بين الشعبين !!..

*****

قبل يومين فقط تحدثت عبر الهاتف مع زميلة إعلامية ، شكت متأوهة ، قالت ثلاثة أرباع طرق وشوارع بغداد مغلقة بسبب مناسبة دينية ،يسير فيها الملايين من بغداد ومحافظات الوسط والجنوب العراقي متوجهين الى مدينة كربلاء ،ولأن الحكومة العتيدة تخاف من الإرهاب ،فأنها تأخذ احتياطاتها الأمنية بشكل مكثف وواسع لحماية ملايين (الزوار ) من المؤمنين ، مما يؤدي الى تعطيل واضح ومؤثر في مفاصل الدولة العراقية ومؤسساتها ، كذلك فانها أي الحكومة وهذه (للأسف حقيقة مريرة) مهما فعلت ، فأنها لاتستطيع ان تنقذ الجميع من شرور الإرهاب وتخطيطاتها وإصراره على الفتك بالأبرياء ،فحدثت تفجيرات في الناصرية – جنوب غرب وفي بغداد وبعض المناطق  التي بات الإعلام العراقي المرئي والمسموع والمقروء لايهتم بها ، لأن الضحايا هم عدة أشخاص وليس العشرات، كي يستحق الخبر المفجع لافتة تشير الى ( خبر عاجل )!!أو (حصرياً) حيث مشاهد الدم والأشلاء والنحيب والحسرات !!، وكل ذلك لأن الحكومة تريد أن تقول لمنافسيها نحن أقوى بجمهورنا المليوني الذي يذهب للزيارات الدينية التي باتت بالعشرات سنويا،جمهورنا الذي لا يهتم لأجساد الإرهابيين وسياراتهم المفخخة ، انه جمهور يموت من أجل المقدسات لكنه في الحقيقة يموت من أجل حفنة من الأيدولوجيين الدينيين الذين لاتضيء افكارهم سوى بالظلام الدامس ، لذلك يتم تغييب وتجهيل ملايين البشر العاطفيين الذين يبحثون عن منقذ ومخلص من بيئاتهم وظروفهم القاهرة .

*****

ان رجال الماضي أو (رجال من الماضي) هم الذين يحكمون العراق منذ 2003 بإسلامييهم وعلمانييهم،ويتطلع أمثالهم الماضويين لحكم تونس ومصر الآن،رجال وصلوا عبر وسيلة واحدة فقط من وسائل الديمقراطية وهي صندوق الإقتراع وهم أعداء للديمقراطية وما تفرضه من حريات واسعة ضمن مفهومها الأساسي كأسلوب لإدارة أنظمة الدول المختلفة ، لكنهم إستخدموها كسلاح فتاك لحكم الدولة العراقية ، فهم لايفرقون بين الحزب والحكومة والدولة والحكومة والمصلحة العامة والشخصية ولايفقهون ما هو العقد الإجتماعي  بين كل من الفرد والدولة والفرد والمجتمع والمجتمع والدولة …الخ، لذلك يحكمون الدولة بالعقلية السياسية التقليدية والأيدولوجية الدينية والحزبية المتحجرة ، لذلك تحاصصوا وتقاسموا المناصب والإمتيازات ،وسط هدر اكثر من ترليون دولار خلال تسعة أعوام فقط من شفط دم الأرض – البترول ،والفشل ُيرمى روتينياً وبشكل فجّ على الإرهاب والفساد والإحتلال الأميركي ، وجميع أولئك الرجال يظهرون وهم يدينون الفساد والإرهاب بأقذع الأوصاف والنعوت ،إنهم رجال من الماضي البائس لايمكن الرهان عليهم في صناعة دولة المستقبل ، لأنهم يسمون الحياة القائمة أي حياتنا بـ( الحياة العاجلة ) بينما الموت هو (الحياة الآخرة ) الدائمة الأبدية ،لكنهم والحق يقال يبلعون الدنيا والآخرة في لقمة واحدة مذاقها رعب وقلق وجهل المواطن التابع لسلطاتهم المخيفة غير المحدودة …!!!.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب