الإصلاح في معنى من معانيه هو (معرفة ) ، و المعرفة عملية واعية و ليست كالسلوك عمل انفعالي أو عفوي ، و على الرغم من أن ردود الأفعال تنتمي إلى السلوك إلا أنها بعد أن تأخذ شكل المطالب تتحول تدريجيا إلى فعلٍ واعي ، فإذا شكل نقص الخدمات و الحاجات الضرورية لغضب المواطنين و دفعهم إلى الاحتجاج و التظاهر ومن ثم الاعتصام ، فلا بد أن تأخذ المطالب من اللغة الغاضبة ، إلى مستوى التدبر و طرح الحلول من قبل العارفين بأمر الخراب و الإصلاح ، ليس على الناس أن تطرح الرؤى التي تشكل الإصلاح فهذا ليس شأنهم و إنما شأن الخبراء و المسئولين ، و إذا ما حصل خلاف بين هؤلاء فلا ينبغي أن يشكل هذا الخلاف هو أساس الفعل الإصلاحي كما هو الحاصل الآن ، و إنما العمل على الالتقاء بين هذه الرؤى لبلوغ الهدف الأعلى و هو إجراء الإصلاحات الضرورية ، لا يخفى أن ما يقدم في هذه الفترة أتسم بهذه الخاصية ، فرئيس مجلس الوزراء العراق الدكتور حيدر العبادي ، شكل لجنة من الخبراء من آجل وضع خطة شاملة للإصلاح ، و هكذا فعل السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الذي يعتبر من أبرز الفاعلين في هذا المضمار ، إلا أن الرؤى المعرفية للإصلاح تصتدم على الأغلب بمصالح الاحزاب و الاطراف السياسية ، و هذهِ مشكلة عويصة ، تتمثل بإن الفكر السياسي في العراق يسير الامور بما يراه لا بما يراه أهل المعرفة ، و لذلك نجد أن الكثير من مظاهر التخلف تضرب بعمل مؤسسات الدولة العراقية ، لإنها ليست منطلقة من معرفة حديثة ، و هذا الامر لايشكل تصورا للخروج من الازمة الحالية التي تعيشها العملية السياسية بفعل تداعيات التظاهرات و المطالبات بإجراء إصلاحات حقيقية فحسب ، بل أنه يعني ثقافة العمل في البلدان الحديثة المتقدمة ، فالخراب هو تعبير عن التخلف و الجهل ؛ نعم الجماعات الإرهابية و الفساد و المحاصصة هي حصيلة جهل الكثير الذين يتسنمون مواقع كبيرة في الدولة ، و هو تخلف و جهل الكثير من القوانين و الانظمة و أساليب العمل المعتمدة ، و لذلك على من يسعى من أجل إنجاح الاصلاحات أن يأخذ بعين الاعتبار الاقتدار العلمي للرؤى الاصلاحية ، على المستويات كافة و إلا لن يكون بمقدورها أن تجابه ما يعيشه العراق من تحديات كبيرة و معقدة ، و هنا بودي الاشارة إلى بعض الاجراءات التي عملت عليها السلطة القضائية في العراق إستنادا إلى هذه النظرية ، كمكاتب التحقيق القضائي ، التي تشكل تطورا معرفيا في مستوى من مستوياتها في تحقيق العدالة ، و هكذا الاستحدثات القضائية بما يخص شؤون الرياضة و الادارة و غيرها .