يبدو ان ديكتاتور كردستان لم يتحمل خسارته للسلطة وفشل مخططه بتقسيم العراق، فأصيب بجنون العظمة واخذ يتخيل أشياء لا وجود لها، فمرة يتحدث عن نصر قريب وتارة تراه يتباكى على كركوك ونفطها ومرة يرى بسلوك صديقه صدام الذي أعانه في حربه ضد جلال الطالباني، حلا مناسبا لقمع الرافضين لسلطة حزبه والمطالبين بحقوقهم التي استولى عليها وجعلها غنيمة لعائلته والمقربين له من سياسيين وتجار ورجال دين وحتى بعض الاقلام المأجورة، ليقرر مواجهة التظاهرات التي خرجت في مدن السليمانية بالقتل والمطاردة فمن لا تصيبه نيران “الاسايش” تعتقله قوات “الزيرفاني” والبيشمركة ويصبح مادة دسمة لسهرة مفتوحة ابطالها جلادين من الحزب الديمقراطي، ومن يحالفه الحظ وينجو من النار والاعتقال تكون عائلته هي الهدف لإجباره على تسليم نفسه، بطريقة وأسلوب “صدامي بعثي” بامتياز فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لم يأتي نظام يتعامل بهذه الطريقة غير صدام والبارزاني فبدلا من اخذ العبرة والاستفادة من اخطاء النظام السابق على الأقل في تعامله مع شعبه، جعلها صاحب مقولة “حدود الدم” قانونا لإسكات أصوات معارضيه، وهل بعد ذلك من جنون.
الغريب ان الكثير يعتقد انما يحصل في السليمانية تظاهرات ضد الحزب الحاكم فقط،، لا ياسادة واعذروني فيما ساقول، انما يحصل “ثورة جياع” يقودها مواطنون اكتشفوا حقيقة قياداتهم بعد 14 عاما على التمتع بشبه الاستقلال، استغلها هؤلاء بجمع الأموال من بيع النفط وواردات الحدود وتحويلها الى ارصدة في البنوك العالمية، كما سخروا الكثير من وسائل الاعلام لخدمة اهدافهم من خلال تضليل مواطني الاقليم وتحويل القضية الى صراع مع الحكومة المركزية في بغداد وتصويرها وكأنها صراع تاريخي بين العرب والكرد وقضية نضال يخدم القضية الكردية للتغطية على سرقات جميع الاحزاب المؤيدة للبارزاني من دون استثناء، لكن اخيراً ادرك المواطن ان جميع أحلامه بحياة حرة كريمة نسفت وكان مخطط الاستفتاء هو المسمار الاخير بنعش تلك الطموحات، نعم مايحصل “ثورة وانتفاضة” لاسترجاع الحقوق ومواجهة سياسة التفرد بالسلطة وستستمر حتى تحقيق أهدافها.
تلك الأحداث كشفت الكثير من الوجوه التي كانت تدعي رفضها لسياسة البارزاني وحزبه، لكنها تحولت الى اداة قمعية لمواجهة المنتفضين عن طريق الأجهزة الامنية التابعة لها والتي أدت دورا يخالف ماكانت تتبناه خلال الفترة الماضية وخاصة بعد فرض هيبة الدولة في كركوك والمناطق المتنازع عليها، فتحول خطابها من معارض لتوجهات الحزب الحاكم في اربيل الى اداة طيعة لتنفيذ مخططاته ضد أبناء محافظتهم، والجميع يعرف موقف الاتحاد الوطني وقادته خلال تلك الفترة ومنهم قائد جهاز مكافحة الاٍرهاب في السليمانية لاهور طالباني الذي امر بازالة جميع الدعايات التي وضعها حزب البارزاني قبيل الاستفتاء وكيف كان موقفه من قضية كركوك ورفضه مواجهة قوات الجيش العراقي، لكن موقفه تحول بين ليلة وضحاها فكان اول من قمع المحتجين وأمر باعتقال قادتهم ومنهم رئيس قائمة الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد الذي لايزال مكان اعتقاله مجهولا حتى الان، وماحصل من اعتداءات على الصحفيين وإغلاق القنوات الفضائية المؤيدة للاحتجاجات جميعها نفذتها اجهزة الاتحاد الوطني وليس حزب البارزاني.
ما يحصل من قمع للمتظاهرين يعكس حقيقة واحدة لا تقبل الشك وهي ان جميع الاحزاب في كردستان اصبحت غير صالحة للقيادة وعليها التفكير والانسحاب بكرامة قبل ان يعاد سيناريو نهاية صدام والقذافي وصالح، وأخيرا على البارزاني ان لا ينسى بان السليمانية هي مهد الانتفاضات وتمتلك القدرة على تحويل ربيع الثورات الى “خريف” يهز اركان الديكتاتورية، وان كُنتُم لا تصدقون فاسألوا أهالي رانية.