في ايام الدراسة الأكاديمية قال لنا أستاذ القانون الدولي إن جميع نصوص القانون لا تمتلك غير الحبر الذي كتبت فيه، ولكي تتحول الى قرارات على ارض الواقع بحاجة الى إرادة سياسية واعية لمقتضيات التطبيق وإلا تبقى مجرد كتب ترص على رفوف المكتبات العليا .
ما يمكن إن نضيفه اليوم على واقع ما بعد الربيع العربي، واغلب دولنا ومن أبرزها العراق ، يواجهون مشكلة إعادة البناء على تركة الفساد التي خلفتها الأنظمة الدكتاتورية البائدة ، وهذا الفساد لا يعني مجرد هدر للمال العام على حروب او أهواء قادة تلك الأنظمة في بناء القصور والصرف على ملذاتهم الشخصية، بل يتعدى ذلك بان يكون قادة الأنظمة الجديدة أكثر ميلا للإفساد من أولئك الطغاة الفاسدين، وهن تبرز مشكلة الشعوب العربية في التعامل مع تطبيقات الأنظمة الجديدة وكأنها حملت في صناديق الاقتراع ما يقارب حكاية صخرة سيزيف ،في الأسطورة الإغريقية المعروفة ،وكعقاب من الآلهة على خداعه، أرغم سيزيف على دحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، ولكن قبل أن يبلغ قمة التل، تفلت الصخرة دائما منه ويكون عليه أن يبدأ من جديد مرة أخرى.
هذا الدوران في فلك الفساد ،جعل الحديث ممكنا عن ممتلكات زين العابدين بن علي ، وعن دور نجلي الرئيس مصري السابق مبارك في الفساد السياسي والاقتصادي في مصر ، وهو أيضا ما يدور اليوم في عراق ديمقراطي ،حين يجري الحديث عن الفساد في صفقة الأسلحة الروسية ومن قبلها الكثير من الملفات التي ما زالت الكثير من الهيئات المتخصصة بها غير قادرة على حسمها، وفي هذا السياق وضعت منظمة الشفافية الدولية العراق في ادني موقع له على جدولها الأخير ، احتل فيه المرتبة 169 ضمن مؤشر مدركات الفساد لعام 2012 ،وجاء ترتيب العراق والسودان والصومال في آخر القائمة، لتكون بذلك أكثر الدول فساداً في العالم، وحصل العراق على 18 درجة من 100 في مؤشر المنظمة الذي يتضمن 176 دولة.
وكما قال استأذنا الأكاديمي، فان اي تطبيق واع للقانون يحتاج الى الإرادة السياسية، ويبدو إن مثل هذه الإرادة غير متوافرة في حكومة المحاصصة الطائفية والقومية التي انتخبها الشعب العراقي، وقل إن تقوم أي جهة مدنية بإيقاع اللوم على الحكومة او البرلمان العراقي عن هذه النتيجة المزرية ، علي الجميع لوم أنفسهم لان صناديق الاقتراع هي من أوصلت هذه الحكومة الى سدة السلطة، ومحاسبتها على مثل هذه النتائج المأساوية ، لا يكون إلا عبر صناديق الاقتراع وليس غيرها .