في عددها الصادر يوم 23/11/2011 ، نشرت صحيفة (الحياة) اللبنانية ، كاريكاتيراً عنوانه : الربيع العربي مستمر ، تظهر في الرسم يد تمسك سكيناً ، وترفعها ، ليتساقط منها الدم ، بينما صورةُ مواطن يستغيث ، تستقر تحت السكين .
ويوم 6/1/2012 ، اعرب البطريرك الراعي عن قلقه من تحول الربيع العربي الى شتاء مدمر .
إن ما ذكرناه ، ليس سوى نماذج لحالة من القلق والتوجس ، من مجريات ما سُمَّي (الربيع العربي) ، وهو قلق له ما يبرره . وبالمقابل يرى مراقبون معنيون أن القراءة الموضوعية لهذه الظاهرة (الربيع العربي) ، والحكم النهائي عليها ، لم يحنْ وقتُه بعد . وأن زمناً مُضافاً ، من شأنه توفير مقومات تقييم منصف يتجاوز ردود الفعل ، والاحكام المسبقة . ومع إحترامنا لهذا الموقف ، وإفتراض حسن النية لدى أصحابه ، فان أكثر من عام قد مر على الانتفاضة التونسية ، وأن الانتفاضة المصرية ، تقترب من دخول عامها الثاني في 25/ شباط (فبراير) ، والتغيير الدموي في ليبيا ، قد حُسم ، وأتت الانتخابات في المغرب بحكومة شكلها حزب (العدالة والتنمية) .
هذا في أفريقيا العربية : معالم واضحة – إلى حدًّ ما – لحاضر ومستقبل ظاهرة (الربيع العربي) . أما في آسيا العربية ، فالحراك لم يصل ، بعدُ ، إلى ما يريده المخططون والمنفذون له . لكن بينه وبين ما حصل في الشمال الافريقي العربي ، مشتركات ، تجعل قراءة حاضر ومستقبل الحراك في آسيا العربية ممكناً . ومع أن الصورة النهائية لظاهرة (الربيع العربي) لم تكتمل بعد ، فان المراقبين يرون في المؤشرات الحالية ، ما يتيح إعطاء تقيم يقترب من الصيغة النهائية . بوضوح : إن التحولات المفاجئة ، ذات الطابع الدراماتيكي في هذه الظاهرة ، أمر مستبعد على نحو كبير ، على الأقل في المدى المنظور .
وفي العودة لحالة القلق والتوجس اللتان تسودان الشارع العربي ، إزاء هذه الظاهرة ، نعيد القول ، بأن ذلك يحمل مبررات لايُستهان بها . وفي طليعتها : أن من تصدروا الحراك الواسع في تونس ومصر خاصة ، وفي اليمن إلى حَدًّ ما ، هم من فئة الشباب . والقول المأثور : لا يمكن أن تكون شاباً ومعتدلاً في نفس الوقت ، يبرر التخوف من حالة التطرف . إن عنفوان الشباب وطاقاتهم ، وأحلامهم الواسعة ، مطلوب في تحقيق التطلعات ، لكن أن يقود الشبابُ حركة التغيير لوحدهم ، أمر لا يوحي بالاطمئنان الكامل للمستقبل . وما يزيد من حالة (عدم الاطمئنان) أن قطاع الشباب يتوزع بين : مستقلين ومنتمين . والمنتمون يمتثلون – دون شك – لما تخطط وتهدف له ، قيادات تنظيماتهم .
لكن العامل الأهم في الظاهرة موضوعة البحث ، أن الحركات الدينية – السياسية (واذا شئنا الوضوح : الاسلام السياسي) ، هم القوة الأساسية في هذا الحراك ، أو أنها استثمرتْ هذا الحراك ، بعد إنطلاقه ، لاحتوائه وتصدره . وذهب بعض المتابعين ، حدََّ القول : أن الاسلاميين يرثون الربيع العربي .
إن جاذبية الخطاب الديني ، وفي بيئة دينية ، مع خط تنظيمي يؤطر التحرك بسمته الدينية ، كل ذلك مقترن بتحول العلمانيين والقوميين من الواجهة ودائرة الفعل إلى الخطوط الخلفية ، إن ذلك يفضي الى تصدر الاسلاميين للمشهد السياسي التغييري . ولكن ما يهمنا ، هو : هل أن ذلك مدعاة للاطمئنان أم القلق ؟ . أوساط الاسلاميين تدعوا للاطمئنان ، وقد ضمنت خطابها – الانتخابي على الأقل – شعارات تطمينية .
هنا دخل على الخط عاملان مهمان يؤديان الى توسيع في دائرة القلق:
الأول : العامل الدولي ، وتحديداً (الغربي والأمريكي) ، الذي آزر ، الحراك في الشارع العربي . وهو عامل يُثير الشكوك إنطلاقناً من تجربة مرة مع الغرب ، ونفاقه في موضوع حقوق الانسان ، والديمقراطية .
والثاني : دعم بعض الأنظمة العربية ، التي تُوصف بأنها ذات سجل أسود في مجال حقوق الانسان والديمقراطية . وكذلك الانظمة المحافظة الملكية خاصة ، لهذا الحراك ، خارج بلدانها .
هذان العاملان يرجحان أن للقلق والتوجس ما يبررهما .
وفي الصدارة من حالة القلق هذه ، تقف كيانات دينية عريقة ، كالديانة المسيحية . فازاء تصريحات إستفزازية للسلفيين في مصر خاصة ، أعلن المسيحيون العرب ، أو على الأقل معظمهم ، أنهم لن يقفزوا إلى المجهول ، وأن ما تعرض له المسيحيون في العراق ، بعد احتلاله ، لا يمكن أن ينسى ، بل أنه يعزز حالة القلق من ظاهرة (الربيع العربي) .
إن مقتل الحركات التغييرية ، في الساحة العربية ، بل في أية ساحة ، يمكن في التطبيق . فمن السهل رفع الشعارات ، لكن من الصعب تطبيقها . وهذا ما جعل اليساريين والعلمانيين والقوميين العرب ، يتحولون إلى الصفوف الخلفية من مشهد التغيير العربي . ودعاة (الربيع العربي) ، والذي عمدتْ شخصية إسلامية فلسطينية الى تسميته (الربيع الاسلامي) أمام إمتحان التطبيق . ومع أن بدايات هذا الامتحان لا تقدم أجوبة مطمئنة ، فاننا نحتفظ بقناعاتنا ، مفضلين الانتظار ، وهو إنتظار لابد منه لتجنب الأحكام المسبقة .
ويبقى التساؤل مطروحاً : ربيع أمْ شتاء ؟! .
[email protected]