بِبُغضٍ وعلى مَضَضٍ نقول : –
ماذا ينفع الإحتفاء ” بيوم اللغة العربية ” وإقامة الإحتفالات والقاء القصائد , وعقد النَدوات واستنفار المنتديات الثقافية لذلك .؟ , وماذا يؤخر او يقدّمُ ذلك , وما يمكن ان نضيف او نطرح , والأرجح إننا كلّنا نطرح .. ولعلَّ منَ الأنسب والأعذب أن نطلق الحَسرات والزَّفرات في هذا المطرح , ولو بصمتٍ مُدَوٍّ وعلى اوسعَ نطاقٍ وابعد مدى , وكلّ ذلك لا ينفع ايضاً!
ويا تُرى الا يمكن القول أنَّ ” العربية ” كانت اكثر فصاحةً في العصر الجاهلي ممّا هي عليه الآن .؟ وكانت محصّنةً وتمتلك مناعةً ذاتيّة ضدّ ايّ تحويراتٍ واستحداث مفرداتٍ تمسّ مفاتن هذه اللغة العريقة واصالتها وجمالها .!
إحدى اسباب معاناة اللغة العربية تتمحورُ بالضّد من المتحدّثين والناطقين بها في كافة الأقطار العربية وعلى مَرّ العصور والحقبات التأريخية – الزمنية ومداخلاتها , حيثُ الجميع لم يحافظوا عليها وعلى سلامتها .! فصارت لَهَجاتٌ مختلفة بين محافظات البلد الواحد , وغدت تضمُّ بعض مفرداتٍ مستحدثة باللهجات الدارجة , غير مفهومةٍ بينَ مدينةٍ او قضاءٍ وآخر , وإحتدّتْ واشتدّت معاناة اللغة العربية لتشهد بأمِّ عينها تباين اللهجات بين الدول العربية المتجاورة والمتلاصقة جغرافياً , بل وحتى المتشاطئة منها .!
وهكذا تجذّرت وتعمّقت حمّى معاناة اللغة العربية ليضحى التحادث واللهجات المتباينة ومعظم الكلمات والمفردات غير مفهومة بين اقطار المغرب العربي ومشرقه , وقادَ ذلك الى عدم التواصل الإجتماعي والجماهيري بين مشرق الأمة العربية ومغربها للأسف , وبقي القاسم المشترك شبه الوحيد بين ” الطرفين ” هو نشرات الأخبار في وسائل الإعلام والمؤتمرات العربية والمخاطبات الرسمية والدبلوماسية , والمجالات الثقافية الأخرى .
ثُمَّ , بعيداً – قريباً عن ذلك وسواه في هذا الشأن , وبمناسبة الإحتفاء بيوم اللغة العربية , عاطفياً على الأقلّ , فلا ينبغي إنكار او نفي انّ معظم الشعوب والأمم تعتبر أنّ لغتها هي الأنسب من سواها ! وذلك على صُعُدٍ سيكولوجية وسوسيولوجية فقط , دونما اعتبارٍ للأبعاد الثقافية واللغوية الأخرى , ولا لحسابات وتصنيفات منظمة اليزنسكو والأمم المتحدة , ولإعتباراتٍ اخرى تتعلّق بالمرونة اللغوية وضعف الجانب البلاغي وحُسن التفاهم .!
ايضاً , ودونما تعكيرٍ لصُفُوّ الأجواء المخملية للإحتفاء السنوي بيوم اللغة العربية , على امتداد المساحة والساحة الثقافية للعراق ” بإستثناء الإقليم الكردي ” في شمال القُطر , وبمواكبة التطورات الحضارية العالمية الجارية , فإنّ الحضور الحيوي الفاعل لأيّ لغةٍ في العالم , لم يعد مستنِداً على قوة بلاغتها وعدد مفرداتها , ولا حتى اعداد شعرائها .! , بل يرتكز على قابلية هذه اللغة < والمهتمين بشأنها > في قابلية سعة الإنتشار والإنتقال الى جماهير دولٍ وأممٍ اخرى , والتفاعل وبعض التلاقح مع لغاتهم المختلفة .. وبصراحةٍ اخرى , فلولا القرآن الكريم والرسالة المحمديّة العالمية , لكانت اللغة العربية اكثرَ ضُعفاً وتأثيراً في الدول غير الناطقة بالعربية , وسيّما في الدول المجاورة للأقطار العربية والقريبة منها , وللمسألةِ شؤون وشجون اخرى كذلك .!