23 ديسمبر، 2024 10:03 ص

رامسا تعني الحفاظ على الاراضي الرطبة وتفعيل دورها في تنمية وتطوير الانشطة المعتمدة عليها اقتصاديا وثقافيا وعلميا وترفيهيا والحفاظ عليها والحد من الفقدان التدريجي للأراضي الرطبة في الحاضر والمستقبل .

وبطبيعة الحال هذا الموضوع يعتمد بالدرجة الاساس على الموازنة المائية وحقوق كل بلد متشاطيء مع بلدان المصدر أو الممر أو المصب , وللعراق مصدرين رئيسيين لا غيرهما ودولة ممر واحدة يتقاسم العراق مياهه الواردة من حصته التركية وفقا للنسب المتفق عليها .

المصدران هما تركيا وإيران وكلاهما لا يقل عن الآخر بأهميته ونسب مياهه الواردة للعراق وفي نفس الوقت كلا الدولتين لا تلتزم مطلقا باي معاهدة أو اتفاقية بخصوص الحصص المائية وفقا للقوانين الدولية أو الاتفاقيات والمعاهدات التي كان العراق طرفا بها وموقعا على بنودها امام العالم وأهما (( رامسار )) , ولم يحدث لدولتين تصرفتا مع العراق مثل تركيا وإيران ونقضهما ما اتفقا عليه علنا وبإشراف الأمم المتحدة.

وان تحدثنا عن تأريخ حديث وقريب فلا نتجاوز عقد التسعينات من القرن المنصرم حيث وقوع الكارثة المائية الأولى والقرارات والاتفاقيات السرية التي لاتزال تلتزم بها تركيا ولن تتغير سياستها رغم تغيير النظام المتفق معها كون الموضوع لا يخص طرف عراقي بحت بل هناك اطراف دولية لها شأن واضح في موضوع العراق المائي مع تركيا ويمكن اجمال ما تقدم في نقاط قليلة تأتي :

1 – عمدت تركيا منذ فجر التسعينات او ما قبلها بإقامة السدود والخزانات على دجلة والفرات واهم المشاريع هو مشروع شرق الأناضول .

2 – سد اليسو وهو جزء كبير ومهم من مشروع شرق الاناضول والذي أكتمل العمل فيه في نهاية 2013 , عندها تحدث الناشطون من العراقيين وغيرهم ليقفوا معترضين على الحكومة

التركية ولم ينطق احدهم اثناء بناء السد ولا نعلم اين كانوا من هذا الموضوع المهم !!! , وهذا التصرف غريب جدا ولم نعلم لم سكتت الافواه عن التصدي لهذا الموضوع مع كوننا بينَا في حينه مساوئ اليسو وما سيحدث للعراق بعد اكتماله , وهذا السد سيقتل بموجبه حصة نهري دجلة والفرات من المياه التركية التي ستصل الى أقل من 40% مما سيؤثر بشكل سلبي كبير جدا على العراق ومباشر.

2 – طلبت الحكومة العراقية السابقة في 1996 رسميا وبعد مشكلة فيضان النهرين ودخول المياه مناطق الاهوار المجففة طلبت من تركيا تقليل نسب اطلاقات النهرين للتعجيل في عمليات تجفيف الاهوار جنوب العراق وهذا ما التزمت به تركيا لحد الآن كون القرار ليس عراقيا فحسب بل وراءه اطراف أخرى .

3 – لم يكن قرار تجفيف الاهوار جنوب العراق قرارا عراقيا بل كان قرارا لدول ارادت ان تستفيد من طبيعة اراضي الاهوار اولا وثانيا تدمير البنى التحتية والواقع الحياتي لسكان الاهوار وشعبه الغامض.

4 – عمليات تجفيف الاهوار اجبرت حكومة تركيا على تقليل حصة العراق المائية وستبقى.. كون الموضوع جاء بقرار من قبل اطراف دولية قوية.

5 – لم يكن للعراق دورا سياسيا بارزا خلال العشرة سنوات الماضية على مستوى السياسة المائية بل كان متمثلا بالتقارير والمطالبة الشفوية وعقد مؤتمرات وارسال رسائل ووفود غير فاعلة وليست ذوي اختصاص لمناقشة وضع العراق والمياه مع تركيا.

6 – مشاركة العراق على مستوى دوليا كان ضعيفا جدا ومتسم باللامبالاة مثل ما حدث في المؤتمر العالمي لمناقشة مشكلة الدول المتشاطئة مع العراق والمنعقد في فرنسا في 2010 والذي حضره الرئيس الفرنسي والملك عبد الله وشخصيات دولية والعراق كان يمثلة مهندس وصحفية والمشكلة كانت تخص العراق اكثر من أي دولة أخرى.

7 – تركيا لحد الآن لم تحترم حقوق العراق ولم تقيم له وزنا كونها تفهم ان هناك سياسيون لهم دور فاعل في تفعيل العلاقات مع تركيا بالرغم مما تنتهجه من سياسة خبيثة ضد العراق وهؤلاء مستفيدين سياسيا وماديا.

أما بالنسبة الى الدولة الاسلامية الإيرانية فالموضوع لا يقل شأنا عن موضوع تركيا وبهذه النقاط نوجز السياسة المائية الإيرانية مع العراق :

1 – بعد سقوط النظام السابق وفي سياسة غير مسبوقة انتهجت ايران سياسة قطع الروافد والمغذيات التي منها ما يغذي دجلة أو مصبات في اهوار الحويزة وهي بحدود 41 رافد تقريبا ولم تزل.

2 – حولت مياه روافدها الى قنوات للمشاريع الزراعية مع غلق التصريف الواصل للعراق أو تقليله الى ما يقرب الصفر /ثا بحيث لا يمكن الاستفادة منه حتى للشرب.

3 – اقامة سداد ومشاريع اروائية على نهر الوند في خانقين الذي كان يروي مساحة تقرب من ( 55 ) الف دونم .

4 – تحولت بساتين واهوار زرباطيا وبدرة الى صحراء وهاجر سكانها بعد ان قطعت ايران نهر كنجان جم الذي يجري من ايران باتجاه الجنوب الغربي نحو العراق ليكون مصدرا مائيا وحيدا لإرواء اراضي بدرة وزرباطيا وفيه تفرعات وجداول عديدة وحولت مياهه الى مشاريع زراعية حديثة.

5 – نهر وادي كنكير الذي يجري من إيران نحو قضاء مندلي وهو نفس الحال بالنسبة للأنهر السابقة.

6 – نهر قره تو الذي يغذي نهر ديالى وهو من الانهر المهمة الواردة من ايران اصبح معميا.

7 – دويريج والكرخة والطيب هي من الروافد المهمة التي تنبع من ايران وتصب في هور الحويزة والتي تنقطع اغلب مياهها او تشح صيفا وانشأت عليها السدود والمشاريع الزراعية ولم تعد كما كانت سابقا .

8 – نهر كارون منابعه من جبال البختياريين ويصب في شط العرب عند خرمشهر ، سيطرت إيران على مياهه بتشييد سد دز على نهر دز علما بأن تصريفه السنوي 20 مليار متر مكعب ، فأثرت كميات المياه على شط العرب كثيرا ، بإنشاء عدة سدود إيرانية عليه وهذا كان سببا في ضحالة مياه شط العرب وزيادة ملوحتها .

9 – أخيرا عمدت الحكومة الإيرانية على انشاء سدة قسمت بها هور الحويزة الى نصفيها الايراني والعراقي وبهذا قطعت تماما حصة هور الحويزة من مياه الدولة الايرانية والمتفق عليه عالميا .

هذا اضافة الى الأنهر الأخرى التي منها ما يعتبر موردا يغذي دجلة أو ما يعتبر من مغذيات هور الحويزة او بعض القرى الحدودية المتاخمة لايران.

* ولا تقتصر مشكلة العراق على المصادر وشحة مياهه الواردة اليه فالعراق البلد الوحيد الذي لم يزل يسقي اراضيه الزراعية بالطرق القديمة والسيحية اي لم يتخذ من السياسة الحديثة للمياه طرقا يتم بها ترشيد كميات المياه المصروفة لاغراض الزراعة.

* لم نجد في سياسة العراق ابان الحكم الجمهوري منذ الحكم القاسمي حتى نهاية حكومة صدام حسين سياسة تعتمد على البعد التصوري للزيادة المطردة للسكان وما يقابله من توفير مستلزمات البقاء دون الحاجة للغير والمتعلقة بتوفير الغذاء على مدى القرون القادمة ونسبة الزيادة السكانية وهذا ينسحب جدلا على وضع سياسة العراق المائية وتفاهمها مع دول الجوار المرتبطة بها مائيا.

* اعتمدت السلطات السابقة على الريع السلطوي النفطي ولم تناقش اهمية واردات النفط لتوفير وارادات اخرى داعمة للاقتصاد العراقي المتمثل بالزراعة والصناعات الأخرى

مثل ولم تسلك الحكومات العراقية سلوك دول الخليج التي استفادت من واردات النفط لتحول الصحراء الى واحة كبيرة وصل نتاجها الى الاسواق العراقية.

* السلطة الديمقراطية الحالية لا تملكك نظرة لمستقبل العراق واقتصاده , لهذا لم تعتمد سوى على السلطة النفطية واهملت جميع الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على الموازنة المائية والتي في نفس الوقت استغلتها الدول المنتجة للمياه لتقطع روافدها عن العراق تنكيلا وعلى مستوى الاستحقاق والاستخفاف للنهج الديمقراطي والسياسي والحاكم النفطي العراقي.

* العراق الآن يعتمد بالدرجة الأولى على المياه الاقليمية للبلد اي الأمطار المتساقطة على ارض العراق او الثلوج وهذه السنوات من 2012 ولغاية 2017 ولربما اكثر من ذلك بقليل هي سنوات رطبة حسب رؤيتنا فما الذي يحدث بعد ذاك للعراق؟.

* بعد 2017 اذا استمر حال العراق كما هو عليه الان بالنسبة لكميات المياه الواردة اليه من دول المنبع , فستحل الكارثة عند تراجع السنوات الرطبة وسيشتري العراق برميل الماء ببرميل نفط.

* لم تدخل اية محاولات من قبل الخبراء في الري والزراعة أية محاولة للسيطرة على المياه داخليا وهناك الكثير من الافكار لم تزل يتيمة او انقطع انينها حتى.

* اصبح العراق عبارة عن مستودع محاط بسياج كونكريتي قوي يتمثل ذلك بالسدود التي انشأت على وارداته المائية من مصادرها من الدولتين الرئيسيتين تركيا وايران.

هذا القليل الموجز هو رؤية حقيقية وواقعية لطبيعة المرحلة التي يمر بها البلد في ضل السياسة المائية وما تنتهجه دول المنبع ضده بالرغم من كون العراق موقعا على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات واهمها رامسار ونأمل ان ينتهج العراق سياسة جديدة وربما لو اتبع الطرق التالية يمكن ان يصل الى مخرج وان كان تدريجيا بدلا من ان يضل ينوء بما اثقلته به دول المنبع ويمكن ايجاز ذلك بالنقاط التالية :.

* تشكيل لجان متخصصة من خبراء وسياسيين ومحاورين لطرح مشكلة العراق دوليا ومناقشتها مع الاطراف ذات العلاقة.

* الاسراع في تشكيل المجلس الاعلى للمياه ويفترض ان لا يقع في مصيدة المحاصصة السياسية بل ينتخب له ذوي الاختصاص والخبراء واصحاب الرؤى الحديثة في تقنين المياه والمطالبة بحقوقه.

* عقد مؤتمر دولي يتم فيه مناقشة وضع العراق وايجاد السبل الكفيلة لخروجه من مأزق الدول المتشاطئة معه.

* تفعيل الاتفاقيات الدولية ويقع ذلك ضمن اختصاص المجلس الاعلى للمياه العراقية ويفترض ان يكون فاعلا لا مجرد مؤسسة أو خليه خاملة .

* يجب ان يتمتع المجلس الاعلى للمياه بسلطة الاستقلالية وله ما يمكنه من الوصول الى الهدف .

ومن خلال ذلك يمكن للعراق ان يصل الى حلول ناجعه للتخلص من ما سيحدث مستقبلا ..