كتب هنري ميللر كتابهُ المهم ( رامبو وزمن القتلة ) بترجمة رائعة من سعدي يوسف ، وقتها قرأته بتأن ومتعة وكنت ارى في ميللر أنه يحاول أن يلتحق بظل رامبو بالرغم من فضيحة مركبه السكران ، ومثل ميللر كنت اجد في عبقرية آرثر رامبو فهم لتحولات القوة في روح الشاعر وربما كلمته هذه تعني ما أردت الوصول اليه في فهم مهمة الشاعر في الحد من كبرياء السياسي عندما يقول : (إنّ اتّباع المبدأ يستلزمُ عذاباً أليماً يحتاج فيه الشاعر إلى كل قوّته الخارقة ).
الآن نحتاج رامبو وشجاعته في فهم ما يجري في زمنٍ تعاودهُ المقاربات بين أن يكون زمنٌ للقتلة ( داعش الشريرة بقساوة الذبح والحرق وملوك كواتم الصوت وسيارات الدفع الرباعي والمنفلت الذي يؤسس له عصابة لتسلبَ مكاتب صرف العملة ) والاخطر هو هذا الذي يرتدي عباءة العفة ووشاح ابي ذر الغفاري ولكنه يسرق الناس بمبررات وحجج وفتاوى لا تحصى واقلها أن راتبه يتجاوز العشرة الاف دولار وبلدية الناصرية قللت اجور منظفي شوارع المدينة الى 3 دولار في اليوم.
أتذكر أول يوم وقفت فيه قرب تمثال الشاعر الفرنسي في مدينة شارفيل الفرنسية مسقط رأسه ، يسكنني حماس مراهقة القراءة وتلك الايام الحنونة بلذة حليب جاموسة أم كاظم جارتنا ، حيث كنا نعيش نكران الذات ، المعلم والمدير والفراش ومدير التربية ، وكانت الكتب تؤسسُ لنا ملاذا آمنا للشرف بقيمه الروحية والاجتماعية ونحن نتمتع بما فيها من لهفة للتعلم ، قصائد رامبو ومذكرات جيفارا واخرون يقرأون بسرية كتاب فلسفتنا للشهيد محمد باقر الصدر فيما كان المعلمون اليساريون يحملون كتاب المختارات لفلاديمير لينين ويحاولون ان يؤدلجون رؤية رامبو الذي اظهرها لنا ميللر في زمن القتلة انها رؤية التحدي حتى عندما كان تاجر سلاح يبيع البنادق لملوك الحبشة ورؤساء عشائر تانجيقا ومدغشقر ومالي ، ولأنه كان شاعرا كان امينا حتى في البيع فلا يربح من البندقية الواحدة سوى جينها استرلينيا واحدا.
اليوم الشعراء لاحول لهم ولاقوة واغلبهم في خانة العوز وينتظرون بصبر رحلة ماجلان بين عام وعام ليستلموا المكافأة السخية ( 800 دولار ) من لدن وزارة الثقافة التي يحسبُ لها هذا العام تلك الخطوة والقرار الجيد انها منحت الادباء راتبهم السنوي بالرغم من التقشف واصابة خزينة الدولة بفقر الدم لهبوط النفط من 130 دولار الى 45 دولارا .
وفي ذات الجبهة والمكان والكابينة الحكومية هناك من يربح المليارات في صفقة متاجرة بيع السلاح وعقد الصفقات ، وما جرى في الصفقة الروسية والاحكام التي نطقها القضاة بحق وزراء ومسؤولين سابقين في وزارة الدفاع لدليل على أن رامبو الشاعر كان قديسا حتى وهو يبيع البنادق ، والذين يدعون الورع والوطنية ودعاة التغيير والديمقراطية أنما هم صُناع ماهرين لزمن القتلة والجهلة والسُحت ومنح نينوى وبقية المناطق الغربية الى داعش على طبق من ذهب.
رامبو وزمن القتلة اعدت قراءته في عيون تمثال الشاعر في شارفيل ، وفي مقهى تبيع القهوة البرازيلية السوداء قرب تمثال الشاعر وقبره رحت افكر ببلادٍ صَنعتْ الشعر والسيف في ذات اللحظة الذي قد تحتاج فيه الى ألف عزرائيل لهزيمة داعش والسُحت، لكن السيف يأبى أن يغادر خاصرة الشعر ليجعله يعيش مع فنتازيته وملائكته بأمان.