10 أبريل، 2024 2:35 ص
Search
Close this search box.

راتب ( الزعيم ) وراتب ( نوري )

Facebook
Twitter
LinkedIn

أنا هنا لا أسيس المقال ، ولا أريد مقارنة بين وزير طاغية ولكنه مفلس ، وتاجر وديع ولكنه مليء بالذهب ، فقد يكون الطاغية يحب الأذى أكثر من النقود ، وقد تكون وداعة التاجر غطاءً لرغبته بجني الذهب . ولكن للتأريخ ألف لسان في الصفحة الواحدة . وقبل أن تطل علينا ستينيات القرن الماضي والمتميزة تقنياً بكفاءة قادتها على الجمع والقمع ، كان العالم ينشغلُ بفريضة البناء المتوارث منذ عهود الانتداب والاستعمار الذي أخذ  ما يكفي منذ أن دار ماجلان حول العالم ، وعلم فاسكو دي كاما أوربا إضافة التوابل إلى اللحم كي يستساغ أكله .

 ويبدو أن الاستعمارية الغربية في كهولتها المتأخرة أرادت أن تصنع جميلاً لتلك الأمم ، ففتحت لشبابها معاهدها ليتعلموا نظم الفلسفة والرياضيات والطب والأدب . وكان للجمعيات القومية السرية في عهد العصملي الدور في أيقاظ الحس الوطني ، ليخلق نوعاً من الترفع في الذات اتجاه كل مغريات السلطة ، ومن هؤلاء مع تكوين ثقافاتهم وأفكارهم التي لم تمس ثوب اليسار والتقدمية ، رجال رخصوا الدم والروح والمال من أجل أيمانهم بوطنية التراب والدين ، ليهربوا وهم ضباط كبار من فيالقهم المرابطة في البلقان ليلتحقوا بالثورة العربية مع الشريف علي بن الحسين ، يوم لبس الخدعة التي صاغها لورنس العرب في دهاليز المكتب الإقليمي البريطاني في القاهرة وحمل وعداً ملكياً بدولة العرب الكبرى التي لو تحققت لما كنا عليه الآن ولا يضطر ساستنا الهاربون لتأجير شقق مفروشة في دول الجوار.

 واحد من أولئك الذين ألتحق بجيش الحسين بن علي شريف مكة هو الفريق المشاة نوري السعيد ، والذي لعب دوراً في تشكيل المنظومة الوزارية للحكم الملكي منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى الإمساك به متنكراً بزي امرأة في الأيام الفائرة الأولى لثورة 14 تموز. ولا أدري لماذا هذا الخذلان يصيب رجلاً كنوري السعيد كان في شبابه يمتلك وعياً ثورياً لقضية يؤمن بها وقاتل من أجلها وتحدى ألف مخاطرة للموت ، وأجتاز عصامية ألف معارضة بين شيوعية وجادرجية واستقلالية وقومية ، وفجأة يرتدي زياً ليس له ويقع في مصيدة الجماهير ليسحل في الشوارع ؟

لا يهمنا نوري بقدر ما نريد أن نكتشف لمن كان يسعى لمال أم لخلود أم هو مدرب لخدمة استعمار ما ؟ ولأن الإجابة واضحة ، فالرجل كان لا يخفي أراءه أنه بريطاني من الرأس حتى القدم ، ولكن هل كان يهوى الأرصدة وقلائد الماس والسيارات البورش ؟ الجواب كلا . فلا رصيد لدى نوري ولا خاتم ألماس في أصابعه ، ويقال أن كل ما يكسبه ينفقها على أناقته وشراء سدارة جديدة . أذن ثمة غرابة : تخدم جلالة الملكة عشرات السنين وتموت دون ثراء ولا عمارة في ساحة الخلاني؟

في ذلك حسنة تحسب لك يا نوري ، لأنك لم تمنح كابوناً نفطياً لا لنفسك ولا لمادحك على حد علمي .

ما ينطبق على نوري في مسألة الإرث بعد الرحيل ينطبق على الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ، عاش بوطنية الراتب والعسكر ، خدم الملك ولم يخدم أسياد الملك ، وقاد ثورته لفهم أن المفلس نوري خرج عن طوره والملك ربما لا يعلم ! ويبدو أن حلف بغداد كان هو رصاصة الرحمة لملكية العراق . مكتبه في وزارة الدفاع ، وفطوره يأتي أليه من البيت بسفرطاس ، وعندما قتل في مبنى الإذاعة كان جيبه فارغاً إلا من هويته العسكرية ، وعندما ذهبوا الى رصيده في المصرف ليروا كم من الملايين يملك الزعيم . كان رد أمين الصندوق أن رصيد الزعيم أربعون دينارا فقط .

 بين معاش نوري ومعاش الزعيم . نعيش عصر المليارات المسروقة والجيوب التي يحتشد فيها مال الفقراء وغذاء الفقراء والسلاح الذي يجب أن ندافع فيه عن الفقراء ليتحول الى ارصدة وجيوب الساسة ، دون رقيب من السماء والضمير وراتب عامل الآجر اليومي.

أنه متغير العصر وثقافته وسياسته وأخلاقه .ولا ادري لماذا لا يرجعون الى الوراء ليأخذوا العبر ليكون خلودهم رائعا بدل الشتائم والنكات والرسوم الكاريكاتورية………..!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب