18 ديسمبر، 2024 7:18 م

رائحة لا تخطر على بال أحد!

رائحة لا تخطر على بال أحد!

كان هناك محل لبيع وصياغة الذهب والمجوهرات، يديره رجل كبير السن، يظهر عليه التطوع والتعلق بالدين، وفي ليلة من الليالي المقمرة دخل إليه رجل وقور، وكان معه خاتم مكسور، فأعطاه للصائغ ليصلحه فأخذه منه الصائغ، وبدت عليه علامات الذهول من شكل هذا الرجل، فقد كان البياض عنوانه، أبيض البشرة، أبيض الشعر، أبيض اللباس، أبيض النعل، ذو لحية طويلة بيضاء، فقال له الصائغ:هل لك يا سيدي أن تستريح على هذا الكرسي، حتى أنتهي من تصليح خاتمك؟
جلس الرجل دون أن ينطق بأي كلمة، وخلال هذه اللحظة، دخل رجل وزوجته إلى المحل، وبدأوا يستعرضون المحل، ومن ثم سألت الزوجة عن سعر عقد أعجبها، فقال لها الصائغ:أعطني دقيقة يا سيدتي، حتى أنتهي من خاتم هذا الرجل الجالس يمينك! فذهل الزوجان من الصائغ، وخرجا من المحل مسرعين، تعجب الصائغ من سبب رحيلهما بهذا الشكل وأكمل عمله، فإذا برجل يدخل المحل، وبيده إسورة مكسورة فقال للصائغ: إني في عجلة من أمري، وأريد تصليح هذه الإسورة.
قال الصائغ:حاضر ياسيدي، ولكن دعني أنهي خاتم هذا الرجل يمينك، وتلفت الرجل يميناً وشمالاً ولم يجد أحد فقال:أجننتَ يارجل لاأحد هنا فخرج غاضباً، فجنَّ الصائغ من الموقف، وبدأ يذكر الله ويقرأ المعوذات، فقال له صاحب الخاتم:لاتخف أيها الرجل المؤمن، إنما أنا مرسل من عند ربك الرحيم، لايراني إلاعباده الصالحين، وقد أُرسلت لأقبض روحك الطيبة إلى جنة النعيم فقد كنتُ قبل قليل بالجنة في بيتك المنير، وقد شربتُ من ماء نهرك العذب، وأكلتُ من بستانك العنب!
طار عقل الصائغ فرحاً وبدأ يحمد الله، وأكمل الرجل قائلاً:كما أني أحمل منديلاً، أخذته من بيتك بالجنة، فأبشر برائحة الجنة، فأخرج المنديل من جيبه وقال:أيها العبد الصالح شم رائحة الجنة، فأخذ الصائغ المنديل فشمه شمة قوية وقال:آه إنها رائحة لاتخطر على بال البشر! ثم أخذ شمة أخرى أقوى من الأولى، ثم قال:يا لها من رائحة تذهب العقل! يا لها من رائحة ثم أغمي عليه، بعد فترة ليست بطويلة، إستعاد الصائغ وعيه ويا لها من مفاجأة!
تلفتَ الصائغ بكل الإتجاهات، فوجد أن محله قد سُرِق بالكامل، ولم يبق فيه أي شي من المجوهرات، فقد كانت الرائحة القوية بالمنديل لمادة مخدّرة، وكان الرجل ذو اللباس الأبيض عضواً في عصابة خطيرة، ومعه أيضاً الزوجان والرجل ذو الاسورة!يا ترى كم من العصابات سلبت حياتنا هذه الأيام؟وعلى رأسها مافيات التطرف، والتكفير، والإرهاب، والفساد، والإنحراف، والعمالة، فكل حزب منهم بما لديهم فرحون، أما طيبو القلوب الأبرياء، والمحرومون، والأرامل، وعوائل الشهداء، واليتامى، فالرحمن الرحيم مولاهم ونعم النصير.
العراق تمنى بعد عام2003أيامه بيضاء كلها، لأنه فرح كثيراً لسقوط الطاغية، وشمَّ رائحة الحرية والكرامة، لكن عصابات الإرهاب والفساد، اللذان هما وجهان لعملة واحدة، أرادا أن يعمَّ الخراب وتحت أسنة الحراب، بعضنا يقتل بعض دون الإلتفات للمجوهرات الحقيقية، التي يمتلأ بها عراقنا العظيم، فخيراته كثيرة حوتها أرضه الطاهرة، علاوة على مراقد البيت المحمدي العلوي، فكيف يمكن السماح للصوص سرقة فرحة التغيير؟هيهات أن يكون لهم، فرائحة تربة العراق لاتخطر ببال أحد، إنها تربة الحسين بعطر الشهادة.