توقّعت انتخاب السيّد المالكي لولاية ثالثة رغم ما قيل من قبل الأغلبيّة بخسارته , بتّ على قناعة اليوم أنّ السيّد المالكي خسر فعلاً بعد أن وقع بشرّ أعماله وسيغادر منصبه وسيغادر معه الطائفيّون المطبّلين له والسبب سقوطه في حفرة الأنبار الّتي أسقطت الملياردير بوش “المطيع” وأسقطت قبله أهمّ مهندسي غزو العراق من الّذين قفزوا الواحد تلو الآخر من سفينة غزو العراق بسبب الأنبار , وبالمناسبة فجميع الأثرياء ثرائهم من “طاعة” عمياء لذلك يتمّ وصمهم دائماً بالبلاهة وبالرعونة في نفس الوقت .. يُقال أنّ فيدل كاسترو بعد أن استقرّ بيده الحكم أقدم على إعدام جميع قادة الشرطة السابقون للتخلص من موروث فسادهم الطاغي واعتمد فصاعداً على مجاميع خريجو كليات شرطة تمّ انتقاهم بعناية مستعينا بتدريبهم وتدريسهم بخبرات كفؤ من الخارج ومن الداخل , وهو نفس ما أقدمت عليه فيما بعد بعد 10 سنوات من الثورة الكوبيّة الحكومة البعثيّة في العراق , بعد ثورتها “البيضاء” ولكن ليس عن طريق إعدام قادة أجهزة الشرطة القديمة “المسلكيّين” كما فعل كاسترو بل بعزلهم تدريجيّاً وفتح باب القبول لمتطوّعين لسلك جديد للشرطة أسموه ـ “الشرطة الممتازة” ـ فلأوّل مرّة يتطوّع شرطي يحمل شهادة “بكالوريا ابتدائي!” بعد أن كان الشرطي العراقي أمّيّ قراءةً و كتابة .. فالرئيس الكوبي فيدل كاسترو ما أنّ استقرّ له الحكم بعد فرار باتيستا دكتاتور كوبا حتّى عمل على وضع برنامج فوري لمحو الأمّيّة وقانون الاصلاح الزراعي ومصادرة جميع الاقطاعيّات الزراعيّة للملاّك السابقين أجانب وغيرهم بما فيها أراضي آل كاسترو ! الّذين فرّو إلى أميركا ومن هناك انهالوا على ولديهما فيدل كاسترو وراؤول بالسباب والشتائم ! وهو نفس ما عملته حكومتنا الموقّرة بعد “الاتّفاقيّة الأمنيّة” ! , عمل بعدها كاسترو على تنظيف الأجهزة الحكوميّة الفاسدة ليس من الشرطة فقط بل شمل جميع أجهزة الدولة من المعشعشين في عهد الدكتاتور الّذي فرّ لاجئاً إلى الدومنيكان شملت حتّى المثقفين شعراء وتشكيليين ومعماريين ومسرحيين وسيمائيين ومصمّمو أزياء , لكنّ تنظيف البلد من الأجهزة الأمنيّة الفاسدة كان الأعمّ لفسادها الكبير , لذا يُقال أنّ كاسترو أعدم في ساحة واسعة 300 ضابط شرطة مرّةً واحدة! ذلك عدى المؤسّسات الأمنيّة والجيش ..
نسّائل هنا بعد أن يخرج السيّد المالكي ديمقراطيّاً من الحكم , كم من الأجهزة الأمنيّة والاستخباريّة الفاسدة بما فيها أجهزة إطفاء حرائق سجلات الوزارات التي تشتعل مع كل موعد تفتيش! سيتمّ تصفيتها ؟ أكيد خارج عن المألوف وإلاّ ما تصدّر العراق قائمة الفساد في العالم لثلاث مرّات متتاليّة فثبّت كأس العالم في الفساد داخل اللجنة الأولمبيّة العراقيّة ! رغم أنّي أصرّ جازماً أنّ الفساد مقصود لأنّ المالكي بحاجة لفاسدون يتحكّم بهم ويهدّدهم بملفّات فسادهم فبتخويفهم بها يضمن استمراره في السلطة ! , لذلك برأيي , ومن معطيات لمسها الجميع , أنّ حصن الثقافة الحالي ببعض مثقّفيه هو أوّل من يجب اقتلاعه قبل أجهزة الشرطة لأنّ تثقيف المواطن بالشكل الصحيح مع وجود “قدوة” نظيفة من المثقّفين يتمّ انتقائهم بعناية لن يحتاج بعدها جهاز أمن يثير ريبته مثقّف! فالتثقيف الجاد يزيد وعي المواطن ويوسّع مداركه وفساده إفساد للمواطن وهو ما حصل بعد الاحتلال حين ارتمى المواطن البسيط في حضن الطائفيّة بعد أن رأى من كان يعتبرهم قادة الثقافة قد ارتموا في براثنها ! وذلك أوّل ما يجب تداركه , فخطوات مثل هذه هي من ستجعل الشعب يلتفّ جادّاً حول قادته لا دعائيّاً , فاجتثاث المتلوّنون من المثقّفين الّذين صفّقوا للنظام السابق بألسنتهم وبفرَشِهِم وبأقلامهم وبحناجرهم وبتنظيراتهم ثمّ انتقلوا بها بعد أن استبدلوا الاسم فقط إلى حكومات ما بعد الاحتلال من أولى المهام , واجتثاثهم أقصد عزلهم لا إعدامهم كي لا يُقال “هاي شلون إنسانيّة!!” , وفي نفس الوقت , ولكي يُثبت رئيس الحكومة القادم جدّيّته يتوجّه لأصحاب المبادئ من الّذين لم يتلوّنوا يوماً , يعمل على تكريمهم لا لموقفهم “المعادي” بل لاحترامهم المبدأ كمبدأ وأوّل من يجب تكريمه هو شاعر العرب الأكبر عبد الرزاق عبد الواحد هذا الشاعر الرافديني العظيم كان بإمكانه تبديل جلده لكنّه احترم نفسه رغم ما عرض عليه من “كنوز”! وكم عظيماً من سيثبت على مبدأه من المثقّفين “إن وُجدوا” من الموالون للسيّد المالكي إذا ما ترك منصبه ديمقراطيّاً , أيضاً يجب تكريمهم فيما بعد تقييماً للمبدأ كمبدأ لا لزيد أو لعمر لأنّ العراق بأمسّ الحاجة لتغيير طبيعته الإقصائيّة بأيّ ثمن , فعدم تلوّنهم كفيل لأن يُثبت صدق ما قدّموه وإن كان اعتقادهم في غير محلّه , فالمهمّ نيّاتهم كانت سليمة ..