في كلمته أمام المؤتمر التأسيسي لاتحاد الاذاعات والتلفزيونات العراقية , دعا رئيس الوزراء نوري المالكي وسائل الإعلام إلى التركيز على الهوية الوطنية والابتعاد عن كل ما يثير الفتنة الطائفية , منتقدا في الوقت نفسه تحوّل بعض وسائل الإعلام إلى منبر لكيل الشتائم وإثارة الفتنة والتشهير بالعملية السياسية والديمقراطية و تسليط الأضواء على السلبيات فقط .
لا أعتقد أنّ أحدا يختلف مع رئيس الوزراء في الدعوة لنبذ الخطاب الطائفي والابتعاد عن كل ما يثير الفتنة الطائفية ويؤدي إلى تمزيق وحدة النسيج الاجتماعي العراقي , والجميع مع أي اجراء تقوم به الحكومة لمنع وسائل الإعلام هذه من الاستمرار بأهدافها الخبيثة والشيطانية التي تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وتمزيق المجتمع .
لكن الذي لا نفهمه هو دعوة رئيس الوزراء وسائل الإعلام بعدم التشهير بالعملية السياسية وعدم التركيز على السلبيات , وهنا نريد أن نتحدث بصراحة مع رئيس الوزراء , فالعملية السياسية التي تطالب وسائل الإعلام عدم التشهير بها , أنت شخصيا أكثر من فضح وشهرّ بهذه العملية السياسية في لقائاتك وخطاباتك وأكثر من دعا إلى إلغاء مبدأ المحاصصات الطائفية والقومية الذي قامت عليه هذه العملية السياسية , وكذلك كل الأحزاب والقوى السياسية التي تشكّل ما يسمى بالعملية السياسية , فالجميع يقر ويعترف أنّ البلاء الذي حلّ ببلدنا وشعبنا هو نتاج هذه العملية السياسية القذرة التي قامت على هذه المحاصصات اللعينة , فلماذا تطالب وسائل الإعلام باحترامها يا دولة رئيس الوزراء ؟ وهل الوطنية في احترام هكذا عملية سياسية وعدم التشهير بها ؟ .
من جانب آخر دعوت إلى عدم التركيز على السلبيات , وهذه لك كل الحق فيها , لأن التركيز على السلبيات المتمّثلة بالفساد المالي والإداري الذي ينهش جسد الدولة ومؤسساتها والخدمات المتدّنية التي تقدمها الحكومة وغياب التخطيط العلمي لبناء قاعدة اقتصادية متينة للبلد , من شأنه أن يثير مشاعر الناس ويزيد من سخطهم على الحكومة وبالتالي يؤدي إلى تخلي الناس عن أحزاب السلطة الحاكمة وهذا هو الأهم .
ولو إنّ رئيس الوزراء قد راقب دور وسائل الإعلام في كل دول العالم المتقدم والمتحظّر لوجد أنّ هذا الدور قائم على تسليط الضوء وإبراز هذه السلبيات , فلماذا مطالبة وسائل الإعلام بعدم إبراز هذه السلبيات ؟ .
ويؤسفني أن أقول لرئيس وزرائنا المحترم , إنّ دعوتك هذه هي دعوة لتشديد القبضة الحديدية للدولة على وسائل الإعلام , ومحاولة لتكميم الافواه ومنع وسائل الإعلام من القيام بدورها الوطني المتمثل بملاحقة الفساد , كما إنّ وضع الفضائيات التي تدعوا للفتنة والإرهاب مع الفضائيات التي تلاحق الفساد والفاسدين في سلة واحدة , أمر ينبغي التوقف عنده , فالديمقراطية والتعددية التي كفلها الدستور العراقي ليست كلمة معلّقة في الهواء , بل هي واقع على الأرض يتمثّل بتباين الآراء والاجتهادات , وليس من حق أحد الالتفاف على مبادئ الديمقراطية تحت أي غطاء أو مبرر .