17 نوفمبر، 2024 5:24 م
Search
Close this search box.

رئيس الوزراء القادم وسنة العراق

رئيس الوزراء القادم وسنة العراق

أصبح منصب رئيس الوزراء العراقي منذ تغيير النظام السابق في 2003 من نصيب المكون الشيعي في العراق ، وهذا المنصب تقع عليه مسؤولية إدارة الدولة حسب الدستور الجديد بنسبة تتجاوز الثمانين بالمائة ، ليكون بذلك الأمر الناهي في العراق ، ولو استثنينا فترة تولي أياد علاوي القليلة لرئاسة الحكومة ، نجد أن المنصب لم يخرج من حزب الدعوة الإسلامي الشيعي في العراق ، وكان الجعفري أول رئيس حكومة منتخبه وقعت في فترة حكمه الأحداث الطائفية التي أعقبت تفجير الإمامين العسكريين في سامراء .
ذهب الجعفري إلى خيار فتح السلطة إلى جميع المليشيات الشيعية لخلق توازن بينها وبين التنظيمات السنية المسلحة وأبرزها تنظيم القاعدة ، فأنتجت طريقته وإدارته للبلاد حربا طائفية جعلت من بغداد اخطر منطقة بالعالم ، ثم جاء المالكي رغم فوز الجعفري بالانتخابات بعد هبوط طائرة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايز في مطار بغداد وأبلغتهم بان الجعفري لن يكون رئيسا للحكومة العراقية الجديدة ليتم تعيين المالكي بديلا له ، والذي شهدت فترة حكمه تأسيس الصحوات السنية بدعم من القوات الأمريكية في العراق ،وإعادة السيطرة حكوميا على المدن ذات النفوذ والأغلبية السنية ، لينطلق المالكي من جهة أخرى بصولة الفرسان ضد اكبر تنظيم شيعي مسلح خارج إطار القانون وهو جيش المهدي ، وأصبح للسنة وجودا مختلفا لأول مرة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ومشاركة فعلية في إدارة الدولة العراقية .
فترة المالكي الثانية كانت هي الأسوأ ، من خلال الالتفاف على الكتلة الفائزة بالانتخابات ( القائمة العراقية ) ، وتشكيل الحكومة بعد الاتفاق مع الأكراد والأمريكان والإيرانيين في اربيل ، وكانت الفترة الثانية للمالكي مختلفة تماما عن الفترة الأولى ، حيث تم إقصاء زعماء سنه فائزين بالانتخابات من خلال اتهامهم بالإرهاب وتمويله في العراق ، وكانت البداية هي الإطاحة بنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ثم رافع العيساوي ثم قطع الدعم عن الصحوات في المدن السنية والتي كانت تشكل الداعم الأكبر للقوى الأمنية في مدن ومناطق السنة ، وانطلاق التظاهرات ثم تأسيس ساحات الاعتصام ثم الوصول إلى مرحلة داعش الذي سيطر على 50% من مساحة العراق الكاملة .
انتهت فترة المالكي وجاءت فترة حيدر العبادي الرئيس التوافقي للحكومة العراقية رغم فوز المالكي بالانتخابات البرلمانية وهو من حزب الدعوة أيضا ، اتسمت سياسته بمساحة كبيرة من العقلانية وقبول الأخر خصوصا السنة ، استطاع إدارة ملف الحرب على داعش بحكمة واعتدال ، وتمكن من إعادة الهيبة للجيش العراقي والقوى الأمنية ، وبعث رسائل اطمئنان للسنه بان الحرب على داعش وليست ضد السنه فخلق بهذا الاتزان حالة من التقارب السني مجددا نحو السلطة وأجهزتها العسكرية والأمنية ، وعاد أبناء السنه إلى الانخراط بقوة في الجيش والشرطة والحشد الشعبي لمواجهة تنظيم داعش واستعادة المدن والقصبات مره أخرى للسلطة العراقية .
ارتبط الوضع العام تقريبا في العراق بين الهدوء والأزمات بعلاقة رئيس الحكومة الشيعي دائما بسنة العراق ، فكلما حدث التقارب والتفاهم ذهبت الأمور نحو الهدوء والأمان والسلام ، وكلما انخفض أو انعدم التقارب والتفاهم بين الحكومة والسنة حدثت الأزمات وانقلب الوضع رأسا على عقب ، وأصبحت النار عالية اللهب تلتهم كل شيء في هذا الوطن الجريح
رئيس الوزراء القادم في العراق بلا شك هو رئيس وزراء من الأحزاب الإسلامية الشيعية ، سواء كان التجديد للعبادي أو شخص أخر ، وسيكون من أهم أسباب نجاحه هو خلق حالة من التفاهم والتقارب وعدم الإقصاء للسنه كما فعل العبادي في السنوات الأربع الأخيرة ، هذا التفاهم والتقارب سيكون كفيلا بولادة وضع عراقي مستقر وحياة أمنة للجميع يمكن من خلالها الذهاب الى ملف أخر ينتظره العراقيين وهو الخدمات ( الكهرباء ، الصحة ، التعليم ) وإيجاد حلول للبطالة وتشغيل الشباب العراقي العاطل عن العمل ، من خلال تشجيع الصناعة والزراعة محليا وخلق أجواء مغرية للمستثمر الأجنبي ، للدخول بمشاريع واسعة في العراق تساهم بتطوير حياة العراقيين معيشيا وتحفظ كرامتهم وتحقق أمانيهم بغدٍ أفضل ومستقبل زاهر.
لقد أثبتت الصراعات والأزمات الداخلية أن لا رابح بهذه الحرب، بينما للخسارة ورثة يتقاسمون تركتها من الشهداء والضحايا والمدن المدمرة والراحلين بعيدا عن الوطن ، يبحثون عن سلام وأمان لأرواحهم المرهقة من الموت المجاني في مدنهم وأوطانهم البائسة .

أحدث المقالات