رحم الله رئيس وزراء العراق نوري سعيد فقد كان يمتلك قدرة ثاقبة على استقراء المستقبل فقد تنبأ بماسيحدث بالعراق في حال سقوطه .. ومن الاحداث التي تدلل على بعد نظر السعيد ماجرى من جدل بينه و بين النائب ذيبان غبان عندما هاجم رئيس الوزراء نوري سعيد قائلا ” انظروا لاي حال اوصلتم هذا البلد بلد هارون الرشيد والمأمون وتلك الحضارة الزاهية ..
انظروا كيف هبطتم بنا الى هذه الاحوال التي نحن عليها اليوم ” وقف نوري سعيد واجابه قائلا ” سيدي المحترم نحن لم نستلم العراق من هارون الرشيد لتحاسبنا تسلمناه من الوالي العثماني ” وضج المجلس بالضحك .. وتحداه في مناسبة اخرى محمد رضا الشبيبي ولوح له بسقوط حكمه فرد عليه السعيد قائلا ” سيدي النائب العراق الان مثل برميل معبأ بالنجاسات ونحن جالسون على غطائه ازيحونا من الحكم لتروا كيف ستتدفق هذه النجاسات بكل روائحها الكريهة وتعمي عيونكم ” ولكن الشبيبي عاد في مناسبة اخرى وهاجمه فوجه نوري سعيد تحذيرا له قائلا ” اسمع شبيبي والله اذا اسقطتمونا من الحكم فسياتي يوم تأتي العساكر الى بيوتكم وتأخذ بناتكم ولاتستطيعون ان تفتحوا حلوقكم ” ومرت سنوات بعد سقوط النظام الملكي وجاء العساكر الى بيت الشبيبي واعتقلوا ابنته ولم يعد بيد الشبيبي غير ان يركب سيارته ويتوجه لمقابلة الرئيس العراقي في ذلك الوقت عبد السلام عارف ولدى الالتقاء به قال له ” الله يرحمك ابو صباح ما اصدق ماقلته لي ستأتي العساكر الى بيوتكم وتأخذ بناتكم وانتم صاغرون ” ثم روى للرئيس عبد السلام ما سمعه من نوري سعيد فلم يعد بيد عبد السلام عارف غير ان يأمر باطلاق سراحها .
ورباط الكلام .. كان نوري سعيد رجلا ذكيا يتمتع بكاريزما هائلة اي جاذبية فعالة مستبد ومحنك وعنيف مع اعدائه يتمتع بذكاء متميز في المناورات والمؤامرات السياسية غالبها في الخفاء كما له القدرة الفعالة التي ارهبت الكثير من الساسة العراقيين الذين لم تكن لهم القدرة على مواجهة كاريزما قوية خاصة حينما كانت مدعمة من قبل الادارة الانكليزية بل ويمثلها .. ومن حيث انتهى نوري سعيد جاء الزعيم عبد الكريم قاسم ومعه العسكر لحكم البلاد بعد اسقاطهم الحكم الملكي عام 1958 .. وفعلا تحققت نبوءة نوري سعيد فعصفت بالبلاد حالة من الفوضى
خاصة بعد سيطرت المليشيات الشيوعية على الحياة العامة حيث استمرت بحملات متواترة مع قرارات المحكمة الخاصة التي كان يديرها فاضل عباس المهداوي لتطهير وتصفية الخصوم ابتداء من بقايا رموز العهد الملكي وانتهاء بالتيارات المتنافسة على اختلاف توجهاتها الاسلامية منها والقومية حيث تصاعدت وتيرة عمليات الاضطهاد واعمال العنف باساليب مختلفة كالسحل بالحبال والتعليق على اعمدة الكهرباء ودفن الاحياء .. سقط حكم الزعيم قاسم عام 1963 وجاءت على انقاضه ميليشيات حزب البعث والتي كان يطلق عليها تسمية الحرس القومي وبدأت هذه العناصر بتسوية حساباتها مع الشيوعيين من خلال عمليات التصفية .. وفعلا تحققت نبوءة نوري سعيد .. ولم تمضي اشهر حتى انقلب الرئيس عبد السلام عارف على اصدقاء الامس من البعثيين لكن انقلابه لم يستمر طويلا حيث سرعان ما لقي حتفه في حادث طائرة جنوب العراق ” صعد لحم نزل فحم ” فحل محله شقيقه عبد الرحمن الذي شهد العراق في عهده هدوءا نسبيا حتى انقلب عليه البعثيين عام 1968 فشرع الحزب بتشكيل ميليشيات الجيش الشعبي لتكون ظهير للجيش العراقي خلال الحرب مع ايران . وتحققت نبوءة نوري سعيد فعصفت في البلاد حالة جديدة لم يشهدها العراق من قبل هي عسكرة الشعب وادخاله في حروب عبثية تارة مع ايران وتارة اخرى مع الكويت حتى انتهت بمواجهة العالم باسره في حرب احرقت الاخضر واليابس وادخلت الشعب العراقي في حصار اقتصادي انهكه الجوع توجتها قوات التحالف بحرب اخرى دمرت بنية المجتمع العراقي ..
وتحققت نبوءة نوري سعيد .. بعد سقوط نظام صدام استلم السلطة المناوئين له وكان الشعب يأمل ان يكون حكمهم فاتحة خير لبناء العراق لكنهم ادخلوا العراق في صراع طائفي غير مبرر بين ابناء الشعب الواحد نخر بنية المجتمع العراقي اضافة الى الفساد الاداري والمالي الذي انهك ميزانية العراق وجعلها خاوية .. وتحققت نبوءة نوري سعيد .. حيث انقلب عليه العراقيون بعد ساعات قليلة من سقوط النظام الملكي واعلان النظام الجمهوري عام 1958 في حادثة مأساوية مثيرة للجدل .. لكن فصول المسرحية لم تنتهي الا بغلق غطاء البرميل الذي حذر السعيد من رفعه