18 ديسمبر، 2024 8:38 م

رؤية نقدية للمسلسل العراقي بيوت الصفيح

رؤية نقدية للمسلسل العراقي بيوت الصفيح

معظمنا يتذكر المسابقة التي اقامتها فضائية البغدادية الخاصة بالنصوص الدرامية التلفزيونية والتي شارك بها عدد متميز من الشباب الطموح وتم احتضان الكتاب الفائزين بالمراكز الاولى ومنهم السينارست ماجد الفهدي صاحب رائعة التلفزيون (( بيوت الصفيح))  والتي تم عرضها من على شاشة تلفزيون البغدادية في رمضان سنة 2010وكانت من اخراج بسام سعد والتي حازت على الاعجاب الكبير من قبل المشاهدين رغم قصر الفترة الزمنية التي اخذتها كتابة النص لتكون النتيجة الحقيقية لهذه المسابقة هي ولادة نجم لامع في سماء كتابة الدراما العراقية والذي نحن بصدد تسليط الضوء على رائعته ((بيوت الصفيح)). والكتابة هنا ليست الا واجب اخلاقي نريد به انصاف الجميع وكذلك واجب وطني بان نركز جهودنا لابراز قيمة الفن العراقي المتميز مع الدعم المعنوي لهكذا اعمال والتي ربما واجهت برودا اعلاميا ليس له مبرر.
اعطى عنوان العمل ((بيوت الصفيح)) رغبة شديدة لدى المشاهد في الاجتهاد بالمتابعة وذلك لملامسة بعض الجوانب الخاصة لماساة شريحة كبيرة من العراقيون الذين اصبحوا يتلذذون بسماع ماساتهم ومشاهدة الالامهم على شاشة التلفاز كما في لحظات السقوط وانتشار الاقراص الليزيرية التي تظهر اعدام وقتل وتعذيب العراقيين على يد ازلام النظام مما حدا بالجميع التسابق لاقتناء هذه الاقراص .. وللعنوان دفع بهذا الاتجاه وربما يقول احدهم ان الالحاح في الاستذكار واعادة شريط الماضي من خلال اعمال بعينها تركز على علاقة الشعب بالنظام السابق ما هو الا افلاس من جانب الكتاب اقول له وانا كلي ثقة بان هذا التكرار والاستذكار ما هو الا رد طبيعي لعظم ما واجهه الشعب من بؤس واذلال ومن معاناة قل نظيرها في العالم كما انها رغبة المشاهد في رؤية نفسه على شاشة التلفزيون وهي تتحرك حية بعد ان اعتراه الشك هل هو حي ام ميت ام انه لم يك شيئا من قبل او ان العدم تسرب اليه لاغيا صفحته من كتاب التاريج والوجود الانساني , كما ان علم النفس يؤكد على المعزي لاحد الاشخاص بمصاب ما .. عليه ان لايهرب من ذكر مصيبة الشخص وافتعال امور وقضايا بعيدة عن همه ومصابه بل ان يواجهه بالامه ويضع اصبعه على الجرح فهنا يستطيب المكلوم وتتساقط همومه واحزانه لتصبح بعد ذلك محطات ينهل منها الدروس والعبر , ويجب ان لا ننسى بان الكاتب ماجد الفهدي هو ابن هذه المعاناة ووليدها وهو اولى من غيره بان يسطر احزانه واحلامه وشجونه وشؤونه على الورق ليرى نفسه ويتوقف امام الامه كثيرا ليخفف او يعالج جراحا ربما تكون خفية لم يلحظها احد .. اذن كام العنوان  ناجحا رغم ان كلمة الصفيح تعني لدى العراقيين التنك وصفائح السمن المعدنية ولم نشاهد بيوتا من الصفيح بل بيوتا طينية مع ان العراق قد شهد بناء بيوتا من هذا القبيل تاوي المعوزين من معدومي الدخل كما في البيوت المقامة في اراضي معدة لطمر النفايات الا ان احداث المسلسل اظهرت بيوتا طينية فقيرة … وهنا ثمة نقطة يجب ايرادها  وحسب قرائتي ان البيوت هنا لا يعني منها الكاتب مواد البناء ومساحة الارض المامة عليها البيوت بل هي قلوب العراقيين التي تاكلت وتهرئت كصفائح السمن وبدا الصدا يزحف اليها نتيجة تراكم ماساوي اثقل كاهل اجيال بالعبودية والخضوع لصنم هراء مجوف بلا حشو وان كان محشوا فالحشو هلام اصبح حين تفجيره يداس بالاقدام ملوثا اقدام المارة ومذكرا اياهم بان لكل زمن دولة ورجال والكل الى العدم الا العمل الصالح والذكر العلي.
في بداية المسلسل يطل علينا الكاتب بعبارة اثيرية متمددة مستطيلة لتنقر الاذان بتردداتها السريعة الجاذبة لمجامع القلوب وعلى لسان بطل المسلسل ((ابو فاهم)) الذي ادى شخصيته الممثل القدير ((عبدالمطلب السنيد)) وهو يحاور جاره البسيط ((جعيول)) الذي ادى شخصيته ((  )) .. (الدنيا حصان جبير وكلنا انريد نصعد عليه) وهذه الجملة ترجمة لواقع التكالب على السلطة وصراع الناس على ملذات زائلة شهدتها الفترة الزمنية للمسلسل في ايام الحصار وما سبق الاجتياح الامريكي للعراق هذا البلد الذي ابتلي بكثرة جراحه من اهله ومن اعدائه , وهنا نجد فلسفة معينة استخدمها الكاتب في تحليل الواقع العراقي ابان التسعينات من القرن الماضي والتي وجدت طريقها لحوارات الشخوص وبالذات على لسان بطله ابو فاهم هذا الانسان البسيط بائع الفلافل في كراج الناصرية والذي افنى حياته بخدمة الوطن الذي اصبح في يوم وليلة طابو لشخص واحد , ابو فاهم رجل يعيش على الهامش ابدع المؤلف في رسم خطوط شخصيته بشكل عام وهذا الانسان البسيط ما لبث ان برز اسمه على السطح واصبح محور لنقاشات الحزب الحاكم ودائرة الامن بعد ان رحب بضيف على مدينته اسمه مرتضى اتى حاملا اوراق مهمة تخص احد العراقيين ممن توفوا في ايران كي يسلمها لاهله في الشطرة مع ملاحظة ان مرتضى مراقب من قبل الامن وقد نجح المؤلف بان جعل ابو فاهم في طريقه ليصبح وبلا تخطيط مسبق شخصية وطنية من طراز خاص مناضل له ثقله في صفوف المعارضه وهنا اراد الكاتب ان يقول كم من الذين وسموا بالشهادة والنظال والمقاومة هم اصلا اناس تواجدوا بالصدفة في هكذا اماكن فحشروا بالتبعية مع المناضلين والوطنيين والمقاومين واصحاب النظريات التغييرية .
اشد على يد الكاتب بابداعه في خلق الحبكة المطلوبة لتهيئة تسلسل الاحداث بصورة متميزة ومقنعة , فبعد المقدمة وتبيان بعض الخطوط العامة للشخصيات الرئيسية نجد محطة الحبكة الاولى والمتمثلة بالتقاء ابو فاهم بمرتضى ليلقى القبض عليهم ويودعوا في السجن لتدور الاحداث مدار هذا الاعتقال ويتصاعد ايقاع المسلسل بشكل متميز وتصوير المعاناة التي المت وتلم بزوجة ابو فاهم ((هناء محمد)) وسط مجتمع خرج للتو من حربين ولا زال يرزح تحت حصار خانق مع غياب ولدها غسان الهارب الى السويد من بطش النظام هذه المعاناة لم تمنعها من مواصلة الحياة وكأن الكاتب يريد ان يقول ان الشعب العراقي لا يعترف بالتوقف عند محطة ما بل يستمر لهاجس يتملكه كثيرا هاجس حب الحياة ومن احب الحياة بمعناها الحقيقي فلا تناله الحوادث بملماتها واحزانها . والحبكة الاخرى والتي بها انحياز جانبي للاحداث مثيرة جدل وقضايا اخرى متشعبة فالحبكة الاولى جعلت ابو فاهم يتواجد بين فكي السلطة لتخلق منه عدوا لها بعد ان كان يعيش على الهامش , والحبكة الثانية جعلته في مواجهة السلطة وذلك عندما تمكنت المقاومة من تحريره وزميله مرتضى بعملية عسكرية اعترضت طريق السيارة التي تقلهم الى بغداد لمحاكمتهم هناك ومن ثم ارتقاءه لسلم الحضوة في صفوف رجال الهور والذين جعلهم الكاتب القوة المعارضة الوحيدة في العراق ابان تلك الفترة ليستثمره القادة المعارضون ولتوفر الجراة لديه بعد اعدام ابنه وزوجته وعهده الذي قطعه على نفسه بالانتقام من النظام استثمروه في تنفيذ اعمال عسكرية وتخريبية طالت ازلام النظام مما هيء له الارضية الخصبة ليستلم منصبا رفيعا في الدولة الجديدة بعد سقوط النظام ومن ثم ليكون ضحية التغيرات التي طرات على واقع الانسان العراقي بان وقع  بطلنا صيدا سهلا لطيبته وعدم تعامله بحرفية مع رجال يعملون معه اقل ما يقال عنهم انهم غير نزيهين ليكون عبرة ليسقط في هذا الفخ ويتهم بعمليات اختلاس ولم يفلح بالخلاص من هذا المازق الا عن طريق المحاصصة الحزبية والتزام القوى السياسية لرجالها وان كانوا على خلاف مع القانون وهو تلميح ذكي لهذا الواقع المر الذي يعيشه العراقيون بتواجد قيادات في الدولة لا تفقه من ابجديات العمل السياسي او المدني او الفني أي شيء وهنا التساؤل اذا كانت القيادات بهذا المستوى الهش من الادارة كيف يكون مصير العراق في قابل الايام .
بين الكاتب من خلال سير احداث المسلسل ان الجميع في عهد النظام السابق كانوا معرضين للمسائلة , والتهمة حاضرة انك حزب دعوة او انك مع جماعة الهور او انك اسلامي سلفي او شيوعي وهي تهم واهية يريدون بها بث الرعب في مفاصل الحياة العراقية ليصبح مجرد التفكير بالعبث مع السلطة هو الحكم على نفسك بالتغييب في احواض التيزاب او احتضانك للتراب في حفرة وبجوارك العشرات ممن لم ترهم يوما ما.
وقد ابدع الكاتب بهذه الكلمات المغناة المصاحبة لمشهد اعدام ام فاهم وولدها
هنا لعبة طفل وهنا بطل مدفون
وهنا كذلة حديثة متانية الزفه
هنا شاب اندفن عنده حلم عريس
هنا امه الحنينه اندفنت بصفه
انصبغ لون التراب بلون دم الناس
ساذكر بعض اللمحات الجميلة وبشكل سريع لمرافق النص الجميلة…
حوار بين سلام زهرة وزميله سعد محسن الذين يعملان حمالين عند تاجر حبوب بشع كشايلوك اليهودي في مسرحية تاجر البندقية وهما يحملان اكياس الطعام يقول احدهما للاخر ( انهما كالجمال تحمل عسلا وتاكل عاقول) وهذا ما يحيط العراقيين بدائرة من التساؤل ان شعبا عظيما بتاريخه ولديه من الثروات الزراعية والمعدنية والنفطية وهو ينوء تحت نير العوز والفقر والذل والغربة … كما ان لدور سلام زهرة تلميح ذكي رغم تواضعه لتصوير الاغراق في الذلة والفقر والجوع وذلك بأن بدا المسلسل وانتهى وهو يحمل الطعام وبطنه لا زالت تردد اغاني الجوع بصوت بدا خافتا في نهاية المسلسل لقرب النهاية الحتمية لكل جائع جبان يسبح على انهار من عسل.
 اشار الكاتب لطبيعة الحياة المذلة التي يعيشها العراقي في الغرب والمتمثلة بشخصية غسان ((حسن هادي)) فبعد محاولاته التي اكلت منه الاخضر واليابس واستطاع لان ينفذ بجلده وتحط قدماه ارض الغربة ليواجه مصيرا مجهولا وبحثا دائما عن عمل وكذلك الطريقة المذلة باعطاءهم الراتب والذي وصفه احدهم بانه اشبه بالجدية , ايضا هناك التغيرات في المفاهيم الاجتماعية والفوارق الاخلاقية بين العراق وبلدان المهجر اثر سلبا على طريقة تربية الابناء مما حدا باكثرهم التفكير بالعودة كما اشار الكاتب الى ايران البلد الذي كان يمثل ملاذا امنا لكل من خرج من العراق ولكنه وضح لنا شيئا مهما بخصوص هذا البلد بانه لم يكن جنة احلام بل كان جحيما لا يطاق ولا يلائم ابناء العراق الذين تعودوا على منهج وخصوصية في الحياة ليصطدموا بمكان اقل ما يقال عنه مكان موبوء بالذل والعار والهزيمة والحقد الدفين.
القى الكاتب ضياءه الكاشفة على اثار حماقات النظام بتجفيفه الاهوار وانقطاع الامداد الغذائي المتمثل بالسمك والطيور المهاجرة الخضيري والهربان والماشية وكذلك الزرع لما للاهوار من اهمية اقتصادية في حياة ابناء الجنوب وقد تسببت هذه الحالة في احداث تغيير اجتماعي وطوبوغرافي ادى الى هجرة العوائل باتجاه المدينة تاركا ورائها ثروة لو اتيحت الفرصة في استثمارها بالشكل الصحيح لاستغنى العراقيون عن النفط ومشاكله .
ومن خلال حوارات بعض الشخصيات وتصريحهم بان العراقي سياسي رغما عنه ياكل ويشرب سياسة محلل سياسي من نوع خاص وهذا انطباع ترتب تصوره في مخيلة الجميع بان الفرد العراقي ذو مخيلة سياسية قل نظيرها في ارجاء المعمورة نتيجة لتراكمات الاحداث السياسية التي تعصف به ونتيجة لتعاقب حكومات تربعت جاثمة على صدره لتخنقه روحيا هذا من جانب ومن جانب اخر تشعل فيه جذوة الفكر السياسي والتامل في قضايا الشارع وتوابعها الاجتماعية لتتجاوز اراءه الساسية العبثية والعشوائية محيط الوطن لتتعداه الى كل شبر في ارض وسماء من هذا الكون المليء بالصراعات والتناقضات التي تشحذ ادمغة الناس مهما كانت درجة ثقافتهم , لكن الحقيقة ان العراقي يتحدث بالسياسة ليس من باب التحليل المنطقي انما من باب الفراغ الفكري ونتيجة الضغط الحكومي الذي يغلفه كما انه لا يتخذ من تحدثه بالسياسة منصة انطلاق نحو فضاء تغييري انما يتحدث فقط للاستهلاك الزمني ليس الا , كذلك تطرق الكاتب الى احتراف العراقيين للنكتة والمزحة والطرفة وهذا انطباع واقعي عن شعب اما ان يتعالى فوق الامه ويضحك او انه سفيه لا تاخذ  النوائب حيزا من تفكيره او انه غير خلاق لا تعنيه تطورات الحياة او انه يضحك على نفسه ويسخر منها لانه يعيش كالفار في جحره خائفا من القط المتوثب دائما لخنقه , ومن نكته … (العراقي فار وان لم ينتمي)  هنا تهكم على مقولة صدام (العراقي بعثي وان لم ينتمي) وكذلك تهكم على واقعه المذل والمخزي في ركونه تحت سياط الجلاد.
لا اعلم لم جعل المخرج طريقة حديث ولهجة الضباط الامنيون والمخابرات بلهجة مكون مناطقي ومذهبي معين
مع العلم ان المكونات الاخرى تغلغلت في الدولة والحزب بشكل متناسق ومن جميع الاديان والمذاهب والقوميات حسب ما قدمت من ولاءات وقابلية للقتل بنفس بارد دون ان تهتز لها شعرة.
المواويل والاشعار الشعبية الابوذية والدارمي عمقت الحالة التراجيدية للمسلسل والقت بظلالها الجمالية على العمل ككل , ومنها ……..
يا وطن بالله العوض الله كريم وياك
والراح فدوة ونذر لاحضانك وملكاك
لا خايف من المضى ولامن اليجي
بس انه يا موطني
خايف انفز الصبح انوب ما نلكاك
وفعلا هذا ما حدث فكل يوم نصحو فيه ومع اشراقة شمس جديدة الا اننا لا نجد الوطن الذي حلمنا به ويمر اليوم لنعتاد على وطننا الجديد وياتي صبح اخر ونتفاجأ بوطن اخر غير الوطن الذي قبلنا به قبل يوم اذن وحسب ما يريد الكاتب ان يقوله وهذا ايضا على لسان ابطاله بان العراق رغم كل السلبيات في الزمن السابق الا انه كان اجمل بكثير من العراق الحالي لاسباب يطول شرحها.
رغم نجاح الكاتب الا ان الحاح قناة البغدادية منه للاسراع بكتابة النص فقد حدثت بعض التقاطعات الفنية في النص والتي لم تغير من جمالية العمل بشكل عام وسنعرج عليها بشكل اجمالي….
ثمة واقع يجب الوقوف عنده كثيرا وهو ان المسلسل عانى من الحدث والمكان فهناك مكان يبحث عن الحدث وليس حدث يبحث عن مكان وكان طريقة توزيع منصفة اوجدها الكاتب او ربما المخرج بين هذا المكان وذاك المكان دون مسوغات درامية الى ان تنتهي الحلقة وكل من الاماكن الرئيسية قد اخذ استحقاقه وحصته وكانت حصة الاسد من ذلك للكهوة الشعبية التي يملكها والتي عانى المشاهد فيها من تكرار حسون ((طلال هادي)) من صب الشاي وبطريقة مملة ربما تحسب على المخرج الذي لم ينجح في التنويع وفي كيفية الدخول في مشهد الكهوة كما شهدت الكهوة وانا اصر ان اسميها كهوة وليس مقهى وذلك لاسمها الشعبي الواقي لدينا شهدت كل سرديات القضايا المهمة التي صاحبت احداث المسلسل وكل معالجاتها بين حسون صاحب الكهوة وبين ابو سلام ((مهدي الحسيني)) وكان هناك عجز في خلق مكان اخر فيه بعض التغيير يمكن ان يحتوي هكذا مشاهد .
هناك بعض الاسماء ترد على لسان الشخصيات وبشكل متدفق ليست لها اهمية في صنع الحدث وليس لها وجود في ارض الواقع اثرت وشتت تركيز المشاهد .
هناك مشاهد مفاجئة ليس لها تهيئة مسبقة كي تحضى بالشد والاقناع كما في المشادة الكلامية بين حسون وبين احد رواد الكهوة والذي لم يضهر الا في هذا المشهد كما ان لبعض التصرفات والحركات التي يقف العقل امامها دون ان يجد لها تفسير والتي تفاجأ المشاهد كما في نهوض ام سلام (احلام عرب) وهي تجلس ضيفة في بيت هناء محمد دون ان تشرب الشاي مع العلم ان حديثهن كان عادي وليس فيه ما يثير, كذلك نهوض ناهي مهدي وصرخته (الاسير )وذهابه اليه بالمشحوف مع العلم ان حواره لم يكن قريبا من الاسير اي ان عنصر المفاجاة متوفر ولكن بلا مسوغ فني مما اثر في انسيابية المتابعة للمشاهد بشكل يجعله يهزا من هكذا مخرج خسر الرهان باخراج مسلسل متميز
تسلسل بعض المشاهد عانى  من عدم التوثيق المترابط بين اوصالها وكانها قطيع غنم فتك به ذئب امعط .
الشاب السوري متاكد انه اقحم عنوة في المسلسل وكذلك عائلته كما ان قضية اسره في اهوار الناصرية لم تكن مقنعة واذكر بانه لم يهيأ لهذا المشهد بشكل درامي محكم وكذلك كيف تسنى له المجيء الى اهوار الناصرية وهو قد اتى من سورية وهدفهه الدفاع عن العراق ضد الهجمات الامركية المتوقعة  وكان الاولى له ان يضهر في بغداد كما ان اسره بهذا الشكل ووضعه في سجن عبارة عن اعواد خشبية مثبتة بشكل مضحك ومفتوحة من كل الجهات  وفي العراء امر غير مقنع البتة يدل على قصور واضح  لدى المخرج الذي اراد ان ينهي العمل باي طريقة كانت .
تواجدت مفاصل مهمة كاحداث ومعالجات درامية وقصص نئت بنفسها عن باقي مفاصل المسلسل لم تغني الخط العام بل كانت وبالا عليه كما في احداث علوة الحبوب التي لم تكن مساهمة في البناء العام وكذلك العراقيون الثلاثة في المهجر لا يوجد ما يربطهم ولو بخيط صغير بباقي احداث المسلسل , ايضا قضية  ابو فاروق(كريم محسن) وخطفه بسبب قرابته من رجل اسمه احسان قتل خطأ اخت احد الخاطفين , أي ان تواجد هذه الاحداث لم يكن مدروسا بالشكل المناسب وقد اثر بعض الشيء بجمالية المسلسل.
صور صدام المتواجدة في الدوائر الحكومية والكهوة لم تكن مؤثرة بضهورها الغير معبر مع نوعية من الصور ليست ذات ابعاد تشي بدموية وتسلط القائد الضرورة والصيرورة وطريقة عرضها وقد اقتطع جزء كبير منها اخل بجمالية المشهد ولم تستثمر بالشكل المطلوب.
الطريقة الفجة في اعتقال ابو فاهم ومرتضى تفتقر الى الموهبة والتجربة الموضوعية مشهد الاعتقال لم يركز عليه بالشكل الجيد كما ان اعتراضه بمشهد قلق غسان بالشكل الذي لا يمثل قلقه على اهله فيه بعض الخلل كما ان جعيول صحى على حركة الرفاق في النهار وكذلك الرجل العجوز الذي تمت اصابته الا ان ابو فاهم  وصديقه لم يستيقضا كما ان مرتضى وهو الرجل المطلوب للدولة يتصرف بلا مبالاة وهو بهذه الحال وكذلك ثقته بابو فاهم وهو يحمل حقيبة اقل ما يقال عنها انها تحتوي بلاوي ومشاكل طائلة.
مشاهد كثيرة لم تكثف بالشكل المطلوب فيها بعض المط والتدوير دون الانطلاق بها الى فضاءات اوسع وارحب فكل حدث في المسلسل ياتي مشهد اخر يتكلم عنه الممثلون بشكل سردي تفصيلي اي اخبار للمشاهد مع انه شاهده قبل قليل.
الموسيقى التصويرية متميزة تتكلم كثيرا عوض الممثلين تجعلك تهيم على وجهك للبحث عن اهلك وعن الضحايا بين اكوام العظام وحفر الموت الجماعي اما الموسيقى المصاحبة لمشاهد الاهوار.. جميلة لكنها لا تطابق الواقع الثقافي لهكذا مناطق.
سقط المخرج ما بين الواقعية والرمزية احداث المسلسل واقعية مئة بالمئة اما مكملات المشهد من ناحية المكان والاثاث فهي بعيدة عن الواقع .. وسنطالعها بالتسلسل .. المشحوف الخاص بالمقاومة ليس مشحوفا عراقيا وليس لدينا مثله مطلقا اصص الزهور ونباتات الظل المتواجدة في بيوت الصفيح بعيدة عن الواقع ولو تسنى لاحدكم وذهب الى اهلنا في الجنوب وبالاهوار بالذات والمناطق المتواضعة فلا يجد مثل هذه النباتات .. بعض المشاهد اظهرت ابناء بيوت الصفيح وهم يجلسون على الكراسي البلاستيكية وهذا ايضا غير متوفر سابقا ربما الان لقلنا نعم بنت ابو فاروق تلبس اخر موديل في مدينة الناصرية رغم انها من بغداد وكذلك نوعية الملابس لم تكن موجودة بهذا الشكل في الايام الغابرة وبخصوص الملابس ايضا اظهر المخرج بعض النساء وهن يلبسن العباءة وقد ظهرت البنطلونات من تحت العباءة كما تواجد في احد المشاد المملة لابو فاروق ((كريم محسن)) وهو يبحث عن ابن عمه احسان في مدينة الناصرية تواجدت شخصية وهابي ملتحي ويلبس دشداشة قصيرة وهو بالتاكيد سوري لان التصوير في سوريا مما يدل على عدم المبالاة من قبل المخرج بهذه الامور البسيطة وهو امر نعاني منه دائما حينما يلتزم العمل العراقي مخرج سوري … وايضا السيارات المتواجدة في الكراج هي الاخرى لم يكن العراق قد استورد مثلها
, الطرق المعبدة والجميلة لاهوار العراق وهذا شيء غير واقعي بالمرة فللان تعاني اهوار العراق من عدم وصول الماء الصالح للشرب والكهرباء عوضا عن تعبيد شارع واحد .. تواجد اشجار السرو الغير موجودة في بيئة العراق وغيرها الكثير من الاستهتارات الاخراجية لدى بسام سعد ليثبت انه مخرج فاشل وبمرتبة الشرف وفي حقيقة الامر انا من دعاة اسناد الاعمال العراقية لمخرجين عراقيين وان كانوا بلا رصيد فني فاعطاء الفرصة والثقة لهم هو عامل تنشيط ابداعي ستاتي ثماره عاجلا ام اجلا .
بعض المشاهد ولدت ميتة وليس لها ما يبررها كمشهد لفلاح وهو يسقي نخلته ويغني لها.
 بعض الموثرات الصوتية كجرس التلفون  او الباب او الموسيقى التصويرية غير مؤقتة بشكل صحيح تدخل عرضا على الحوارات قبل انهاءها مما يشوه انسيابية الصوت وسماعه لدى المشاهد.
مشاهد كثيرة حد التخمة للاكل والشرب وكان العراقي لا يتقن سوى البلادة والاكل والشرب.
عمل احد الشباب العراقييين في مطبخ اوربي يظهر ادوات المطبخ عراقية او سورية الصنع محلية للغاية .
شخصيات الحزب بعيدة عن الواقع غير ملائمة وادائهم باهت للغاية .
وكما في الافلام الهندية نكتشف في نهاية المسلسل ان صاحب علوة الطعام شهاب هو شقيق حسون ابو عيدان فلم نرى عبارة واحدة كان فيها ذكر لاحدهما على لسان الاخر وهذه من المفاجئات التي تطرقنا عليها.
ازياء الامن والشرطة والحزب غير متوافقة مع الواقع وحتى على مستوى الاقناع التمثيلي .
عانت اللهجة الجميلة لابن الجنوب على لسان الممثلين فلم يكونوا مقنعين وقتلوا هارمونية اللهجة التي هي الشيء الجميل المتبقي لنا وربما سياتي يوم علينا نخسر حرف الجيم الفارسية ونلغي كلمة جا ونقول لحبيبتنا احبك وليس احبج .
هناك اخطاء في حوارات الممثلين تغاضلى عنها المخرج اما بسبب كثرة الاعادة والعجز في ادائها بالشكل الصحيح او عدم دراية بهذه الاخطاء .
مشهد اعام ابو فاهم ومرتضى والاتصال الهاتفي بايقاف التنفيذ يذكرنا بالافلام المصرية.
لم يكن هناك مبررا ان تظهر العراقيات بالشكل الخلاعي في سبيل عكس صورة العراقيين واندماجهم بالمجتمع الغربي بهذا الشكل وهذا تجني على العوائل العراقية المحتشمة والتي حافظت على ثقافتها وموروثاتها الاخلاقية والاجتماعية ولاحظنا ذلك لدى الممثلة اسماء صفاء وابنتها وصديقاتها بشكل يدعو للاستهجان.
وهناط مشاهد كلاسيكية بهجوم الكامرا على ابواب وشبابيك البيوت والدوائر ومن ثم بعد ذلك المشهد الخاص بهذه الغرفة او البيت او البناية طريقة مصرية اكل الدهر عليها وشرب.
 لكن يجب ان لا ننكر جمالية الكامرا بانتقالاتها السلسة واحتوائها على عنصر الشد والتناغم مع اداء الممثلين والمؤثر الصوتي والموسيقى التصويرية وان افتقرت الى اللقطات المركزة (كلوزاب) على ردود افعال الممثلين ربما يكون السبب في ذلك هو عدم لمس المخرج منهم ما يدعم هذا التوجه في التقاط اثار الانفعال على وجوههم او عدم قناعته بهذا المنحى التصويري وفي هذا الصدد يجب ان ندلو بدلونا اتجاه
الممثلين العراقيين والسوريين فانا اقولها ولا اتردد من قولها من اراد لعمله الفني العراقي ان يفشل فليستعن بممثل سوري فقد كانوا عالة على المسلسل قصمت ظهره وافقدت المشاهد ذاك الاحساس المطلوب لنجاح العمل ان كانوا يمثلون شخصية سورية او عراقية , تحس ان هناك عملية تهجين مقززة.
هناك حالة نجدها دائما في المنجز الدرامي العراقي هي وبسبب تقليل النفقات يستعان بكومبارس قد جلب من المسطر او بائع شاي في قارعة الطريق لا يفقه من ابجديات الفن ولو الشيء اليسير ويقحم بعمل بمواجهة عمالقة لهم الباع الطويل في عملهم ليكون هذا الكومبارس وبالا على العمل بشكل واضح وهذا ما حصل في المسلسل كما في بنت ابو فاهم وزوجة احسان وشاكر صديق عيدان ابن حسون ورجال الامن والحزب كافة لم يكونوا بالشكل الذي يساهم من رفع رصيد المسلسل جماليا وكان المسلسل نسي الطرف المهم والاهم في بناء العمل الدرامي المتمثل بالممثل كما اني لاحظت في احد مشاهد زج العوائل العراقية في السجن رجل وقد ارتدى عباءة كان من ضمن السجناء وهذا الاتجاه في اختصاص المخرج ليس له ما يبرره مطلقا.
اما الشخصيات الرئيسية كالممثل القدير مهدي الحسيني وعبدالمطلب السنيد وهناء محمد وطلال هادي وحسن هادي وناهي مهدي الذي فاجأنا باداءه الرائع , فهم من تحمل اعباء نجاح المسلسل  اما الاخرون كسلام زهرة وسعد محسن وهيثم صالح وحسين عجاج ومناف طالب اثبتوا عدم اهليتهم للادوار البسيطة وكانك تحس بتعاليهم على الدور المناط بهم مما يؤشر سلبا وجود تراخي من قبل المخرج في ادارتهم .. ورغم حزني الشديد لادائهم المتواضع الا اني فرحت بالطفل على الحسيني ابن الفنان القدير مهدي الحسيني في اداءه الرائع المتميز والذي يؤكد مقولة ابن البط عوام.
بشكل عام المؤلف وبتجربته الاولى في عام الدراما العراقية اثبت علو كعبه وقدرته على صنع الضحكة والدمعة لدى المشاهد وكتابته تنبع من صلب واقعه فلم يتسور المحراب وياتي لنا بشيء خارج عن حدود التجربة ومن خلال هذه المقالة اردت ان اقول ايها المنتجون انتبهوا والا خسرتم نجما لامعا في سماء السيناريو اسمه ماجد الفهدي.
[email protected]