18 ديسمبر، 2024 11:40 م

رؤية مستقبلية  لمآذن الفلوجة

رؤية مستقبلية  لمآذن الفلوجة

برأينا ان معضلة  مدينة الفلوجة تكمن في حجم  المآذن الضخم  (ألف مئذنة )  التي  تجثم على صدر المدينة  وتمنع عنها تنفس هواء العصر الحديث . هذا العدد اكبر بكثير  من مساحة  المدينة ( 75 كم مربع )  أي بكثافة   مقدارها (13 )  مئذنة  في الكيلومتر المربع الواحد ,  عدد سكان المدينة  (750  الف)  .)  اي  بواقع  مئذنة  واحدة لكل  750  شخص  .
 مقابل هذا العدد  ( ألف مسجد) فان المدينة تخلو تماما من اي أثر لمنبر  آخر  ( سينما , مسرح , مركز ثقافي , مسبح , قاعة تشكيلية , حانة , نادي ترفيهي او اجتماعي)  .
 اما على صعيد  المحتوى فان جميع هذه المساجد  ومنذ عام (2003 ) محتلة من قبل تنظيم القاعدة  ( حاليا داعش )  ومسخرة لأهداف هذا التنظيم الارهابي .  تحت كل مئذنة هناك منبر لشرعنة  الوحشية  . كل جامع هو   مستودع للذخيرة و مصنع للعبوات   الناسفة ومدرسة لتخريج الارهابيين  وايوائهم و توزيعهم  .
لو حسبناها  من جديد .  يوجد في الفلوجة ألف مئذنة . يخرج من كل مئذنة نداء (الله اكبر) خمس مرات يوميا . اي ان هناك (5000 ) نداء يوميا . هذا النداء ليس الغرض منه تعظيم الله بل تسهيل عملية قطع الرؤوس . يعمل هذا النداء عمل المبراة المستخدمة لشحذ السكين . (الله اكبر ) في الفلوجة هي النشيد التعبوي الذي يسبق حز الرقاب . انه اللازمة الضرورية لشرعنة الوحشية .
المدينة  تقف حاليا على اعتاب مرحلة جديدة . ربما تكون الاشهر  القليلة القادمة  حاسمة ,  فالحشد الشعبي يتحشد على أبوابها و يريد الدخول أليها . والمآذن وما تحتها تشكل هدفا مفصليا في الصراع الدائر مع داعش  .
ماهو المصير المحتمل  لهذه المآذن ؟
……
افتتحت المدينة تاريخها المعاصر (2003)  بذبح اربعة مقاولين اجانب ثم سحلهم وحرقهم  امام انظار الأهالي . وقبل اسابيع علقت جثة جندي أسير  ( مصطفى العذاري ) وسط المدينة .لم تمض سوى  ايام حتى  قام  تجمع  لعشائر الفلوجة  بنحر جندي أسير آخر ( من خانقين )   وقدموه قربانا لداعش .
 دخل المال الخليجي منذ الساعات  الاولى الى  هذه المدينة  فلم تعد للدولة سلطة عليها  , و اختيرت  لتكون مقرا لمقاومة التغيير الذي جرى في العراق  ,  ويبدو ان هناك حسابات كثيرة ابرزها قربها من بغداد ( 80 كم ) . رافق  المال الخليجي  مرض الجرب الاسود  ( Black  Scabies)  , وهو طفيلي يصيب المخ  موطنه الأصلي صحراء نجد . يؤمن المصاب بهذا المرض ان حق الحياة محصور فقط بحاملي  هذا الطفيلي  ,  اما الآخرون فينبغي ابادتهم بالكامل . أعراضه   تصحر في الذهن  , كراهية للعالم ,  وشعور بالعدمية  مع تجرد من اية عاطفة او حس أنساني   يفضي  الى  الرغبة في تدمير الذات و العالم  المحيط  بها . يعتبر  مشايخ واتباع  الوهابية   حواضن مثلى لهذا الطفيلي  , وعن طريقهم أنتقل  عام 2003  الى الأنبار  واستوطن مدينة الفلوجة . ينصح الخبراء بأستخدام  ديتول ( Dettol )  لمكافحة هذا المرض الخبيث .
……
وظائف شاغرة
تتوفر  في  مكتب تشغيل الفلوجة  ( Falluja Jobs Centre  )  الوظائف الشاغرة التالية :
·         قاطع طريق
·         مفخخ سيارات
·         زارع عبوات ناسفة او لاصقة
·         صانع عبوات
·         شناق , حراق , خناق , كتام ( يجيد المسدس الكاتم الصوت )
·         انتحاري
العدد المطلوب : مفتوح  , والتعيين فوري .
المؤهلات المطلوبة : انعدام الضمير , تصحر الذهن , تضخم في الغرائز , كراهية للعالم , ورغبة عارمة في الفناء .
…………..
ما الذي جرى هنا , وجرى هناك ؟
 
دعونا نقف قليلا فوق  أعلى جبل في كردستان العراق وننظر من هناك الى ماجرى .

في حلبجة ابيد (5000 ) كردي خلال دقائق ,  في الانفال اختفى 182  الف كردي  , ودمرت 4000 قرية . في دائرة امن السليمانية تم العثور على صور وافلام عديدة لعمليات أغتصاب لفتيات كرديات و تصفية جسدية موثقة لغرض الحصول على مكافآت وترقيات وكتب شكر .
رغم كل هذه الفضائع لكن الكردي بقي متماسكا ولم يرتكب حماقة واحدة رغم توفر فرص الثأر والانتقام . لم يقتل ولا اغتصب ولم يهدم دارا. بل سارع الى جلب أفضل معماريي العالم لأعادة بناء ما تهدم .
 
والآن لننتقل الى الفلوجة . وننظر هناك , سوف لن نجد قرية هدمت , و لن نجد حتى بيتا هدم على ساكنيه . لن نعثر على فلوجية جردت من ثيابها واغتصبت . لن نجد من سلب ماله وارضه وشرد من دياره .
فلماذا تحول الكثير من ابناء الفلوجة الى قتلة ؟
ما الذي فقده الفلوجيون لكي تتحول مدينتهم الى مستودع للأجرام . ؟
 ما الذي جرى للعشائر هناك كي تتفاخر بعمل خسيس مثل أعدام أسير وتعليقه وسط المدينة ؟
………
وبسبب قرب الفلوجة  من بغداد فقد اصبحت المجهز الاكبر للموت  في شوارعها وأحيائها . من هذه المدينة تخرج (90 ) بالمئة من المفخخات  وعمليات الاغتيال .الفلوجة هي العاصمة العراقية لداعش مقابل (الرقة )  السورية  .
تعتز  الفلوجة بانها أنجبت اشهر قاطع طريق في تاريخ العراق المعاصر وهو ( ضاري  المحمود الزوبعي ) . وبسبب المؤسسة  الدينية الرجعية وتحالفها مع الاقطاع آنذاك وشيوع  الثقافة القومية  و (الوطنية ) المشوهة  تم تحويل هذا  الخارج على القانون الى ( ثائر ) ,  قام هذا  (المسلبجي )   بالايعاز لولديه خميس وسليمان عام 1920   بعملية غدر خسيسة  للحاكم البريطاني  الكولونيل  (لجمن ) اثناء التفاوض  حول ايقاف سيطرة ضاري  وعصابته  على  الطريق الذي يربط العراق ببلاد الشام  . اطلق  الفكر (الوطني)  المشوه  على هذا الغدر عنوان ( شرارة الثورة) , واجبر  طلبة المدارس  طوال اكثر من ( 80 ) عاما على حفظ  هذا التاريخ المسخ  والتغني به  وتسميته  (ثورة العشرين ) .
لكن شاءت  الاقدار ان يخرج من صلب قاطع الطريق هذا  افعى سامة  اسمها  (حارث الضاري ) . اصبحنا امام موقف حرج  ومواجهة مباشرة مع جدوى الثقافة ( الوطنية ) . فقد طور  هذا الحفيد مهنة  جده (قطع الطريق )  بعد ان ربطها  بالمال الخليجي  وشكل  منهاعلى الفور منظمة  بأسم ( هيئة علماء المسلمين ) .  وظيفتها الاساسية تحويل الجوامع الى مصانع للموت  . هذه الافعى  كانت وراء قتل المئات  من الضحايا الابرياء  في العاصمة  ومدن العراق الاخرى . ويقرن اسم هذه الافعى باغتيال الصحفية اطوار بهجت  وهو  دليل على وراثة الحفيد للأعمال الخسيسة .
…….
يبلغ نفوس الفلوجة ( 750 ) الف نسمة  . من غير المعقول معاداة  جميع  هؤلاء  , اوالنظر اليهم كدواعش  ناهيك عن معاقبتهم .  لابد من تقليل العدد الى ادنى حد . ان عدد المجرمين الذي ينبغي القضاء عليه قضاءا مبرما  هم اولئك الذين سوف يستقتلون للدفاع عن مآذن الفلوجة .   يحتاج  هؤلاء الى هزيمة عسكرية منكرة على غرار  تكريت . ان جوامع الفلوجة هي القصور الرئاسية  .
قد يبدو الطرح انفعاليا بعض الشئ  لكني  اؤكد ان الجانب الانفعالي اقل بكثير من العقلاني  .
……
سعدي يوسف والفلوجة .
…. يكاد يكون سعدي يوسف الشاعر الوحيد في العالم الذي يرى الفلوجة مدينة تصلح للفخر  . وقد عبر عن ذلك في اكثر من مناسبة . تكمن المفارقة هنا ان  جمهور سعدي بنسبة ( 99 ) بالمئة هم  ضحايا التنظيمات الارهابية التي تتخذ من الفلوجة قاعدة  لها  وتنطلق منها الى العاصمة والمدن الاخرى . المفارقة الاخرى ان الفلوجة لاتعترف بالشعر  ولا بالشعراء .  لا يوجد ما يلطف الشعور بتصحر هذه المدينة   وانعدام الهشاشة  . هناك شخصان فقط يحق لهما الكلام في الفلوجة هما ضابط المخابرات السابق  ورجل الدين  وكلاهما لا يعترفان بسعدي يوسف . لامكان  ولا جمهور  لسعدي في الفلوجة حتى  لو  كتب ديوانا كاملا  عنها . بل انا  لا اضمن له حياته لو عاش فيها .  هل يجرؤ  مثلا  ان يقرأ قصيدته ( الشيوعي الاخير ) في الفلوجة ؟ . اذا كان المسلم لم يسلم  وعلقت جثته في وسط المدينة  فما بالك ب ( الشيوعي  الملحد ) ؟ .
 ليس الشعر وحده ممنوع في الفلوجة   بل كل مايشير الى الفن والادب . ( السينما , المسرح , الكتب , الموسيقى , الرسم , النحت , الرقص )  . لاتوجد اماكن في المدينة لممارسة  الفن والادب . هنالك سبب اقوى من الدين يمنع ذلك  . هو ان الفنون  تشكل عارا  على من يمارسها.   هذا السبب المزدوج ( العشيرة والدين )  يفسر عدم ظهور رسام او قاص او عازف بيانو   او ممثل  او شاعر في هذه المدينة  . ليس السبب هو  الفقر في المواهب  ولكن  لأن المدينة لاتسمح بذلك .. لأن هذه الاعمال (عيب)  من وجهة نظر( الفلوجي السائد )  ,  وهي مخزية وتجلب العار لصاحبها  .
يروي لي الصديق (خالد الفلاحي ) المنحدر أصلا من الفلوجة  انه بعد اجتيازه السادس الاعدادي اراد تقديم أوراقه الى اكاديمية الفنون الجميلة لدراسة الاخراج السينمائي . وحين علم بذلك خاله ( المقيم في الفلوجة ) حضر على عجل الى بغداد  ومزق استمارة التقديم للاكاديمية . قائلا له بالحرف (  تريد ان تجلب لنا العار ؟ )   و سارع  على الفور في جلب استمارة الكلية العسكرية   وسلمها  بيد  خالد  وعاد في نفس اليوم الى الفلوجة  .
……
النشاط الحضاري االذي يجدر ان يسجل  للفلوجة  هو مطاعم الكباب  . لكن حتى هذا  النشاط طرأ عليه تبدل دراماتيكي . كانت  مطاعم الفلوجة في السابق تصنع الكباب من لحم الغنم . لكن بعد تعليق جثة  (مصطفى العذاري)  وسلخه في وسط المدينة   تحولت  ذائقة الموسرين وضباط النظام السابق  ورؤساء العشائر  الى لحم البشر  خصوصا اللحم (الصفوي )   .
 
…….
 
لست من انصار  التدمير  العشوائي للمدينة . لكي نعاقب داعش  ينبغي ان ندمر روحها . ينبغي ان تبقي المدينة  و لكن يتغير وجهها بالكامل  .  ينبغي احتلال جوامعها الألف   ورش المبيدات اللازمة للتخلص من الجرب الاسود . 
ايها الطيبون  في الفلوجة  , ايها الابطال والمغامرين  , ايها المغفلون والمستغفلون , ايها المغلوبون على أمرهم وليس أمامهم خيار آخر  . لستم المعنيين بهذه الكراهية المفرطة والحقد الدفين. ليس لدينا  عداوة  معكم ولا مع بيوتكم ولا شوارعكم ولا حوانيتكم . العداوة  الوحيدة والكراهية  القصوى هي  لمآذنكم . لتلك القلاع من السيلان والجرب الاسود الذي يخنق أبناءكم  .
نعتقد ان الحل لمعضلة الفلوجة يبتدأ من شطب  (999 )   مئذنة  والابقاء على واحدة فقط  للاشارة الى الهوية الدينية للمدينة   .
ما رأيكم  ايها الفلوجيون الابطال  , ايها المغامرون   بشطب ( 999)  مئذنة تجثم مثل اخطبوط  على صدوركم  ,  لم تجلب لكم سوى الخراب  والقهر  والتخلف . ؟
اقترح عليكم  :
احتلال هذه المآذن  . سوف اترك لكم ( 499  ) تفصلونها وفق احتياجاتكم الاخرى . ولكن اسمحوا لي بتقرير مصير    ( 500  ) جامع  وايجاد بدائل لها , اليكم قائمة البدائل التي اقترحها عليكم  :
50 حانة للخمر   ,  25  بيتا للدعارة الرسمية  ( كاوليات (غجريات ) و تايلنديات , و اوكرانيات , عربيات , وبرازيليات وغيرها ) 25 حمام تركي ,  25 مسبح  صيفي وشتوي , 25 مسرح وقاعة للعزف و للفن التشكيلي   , 25  مركز ثقافي ,  25  ملعب رياضي  ,  25 مكتبة عامة  ,  25  فندق خمس نجوم .  الباقي (250)  يتم تحويلها الى ورش عمل لتشغيل العاطلين .
لاشك ان مهمة احتلال هذه القلاع المحصنة صعبة عليكم . ما رأيكم بمن يساعدكم في ذلك ؟
ايها الطيبون والمستضعفون في الفلوجة  :
هناك حلم   يحقق الهدف مباشرة  .  ويجعل من شطب هذه المآذن وتخليصكم  منها  أمرا ممكنا و ضرورة ملحة  ,  ان يتولى  رئاسة  الوزراء في العراق  أحد الثلاثة :   جان بول سارتر او مثال الآلوسي او يوسف شاهين .  اما حلمي  الاكثر طراوة  فهو  دخول    قيس الخزعلي  مدينتكم برفقة  اثنين من اقرب مستشاريه وهما  فريدريك نيتشه  واحمد القبانجي . عندذ سوف يكون تحقيق الهدف مضمونا مئة بالمئة .
………….
[email protected]