برأينا ان معضلة مدينة الفلوجة تكمن في حجم المآذن الضخم (ألف مئذنة ) التي تجثم على صدر المدينة وتمنع عنها تنفس هواء العصر الحديث . هذا العدد اكبر بكثير من مساحة المدينة ( 75 كم مربع ) أي بكثافة مقدارها (13 ) مئذنة في الكيلومتر المربع الواحد , عدد سكان المدينة (750 الف) .) اي بواقع مئذنة واحدة لكل 750 شخص .
مقابل هذا العدد ( ألف مسجد) فان المدينة تخلو تماما من اي أثر لمنبر آخر ( سينما , مسرح , مركز ثقافي , مسبح , قاعة تشكيلية , حانة , نادي ترفيهي او اجتماعي) .
اما على صعيد المحتوى فان جميع هذه المساجد ومنذ عام (2003 ) محتلة من قبل تنظيم القاعدة ( حاليا داعش ) ومسخرة لأهداف هذا التنظيم الارهابي . تحت كل مئذنة هناك منبر لشرعنة الوحشية . كل جامع هو مستودع للذخيرة و مصنع للعبوات الناسفة ومدرسة لتخريج الارهابيين وايوائهم و توزيعهم .
لو حسبناها من جديد . يوجد في الفلوجة ألف مئذنة . يخرج من كل مئذنة نداء (الله اكبر) خمس مرات يوميا . اي ان هناك (5000 ) نداء يوميا . هذا النداء ليس الغرض منه تعظيم الله بل تسهيل عملية قطع الرؤوس . يعمل هذا النداء عمل المبراة المستخدمة لشحذ السكين . (الله اكبر ) في الفلوجة هي النشيد التعبوي الذي يسبق حز الرقاب . انه اللازمة الضرورية لشرعنة الوحشية .
المدينة تقف حاليا على اعتاب مرحلة جديدة . ربما تكون الاشهر القليلة القادمة حاسمة , فالحشد الشعبي يتحشد على أبوابها و يريد الدخول أليها . والمآذن وما تحتها تشكل هدفا مفصليا في الصراع الدائر مع داعش .
ماهو المصير المحتمل لهذه المآذن ؟
……
افتتحت المدينة تاريخها المعاصر (2003) بذبح اربعة مقاولين اجانب ثم سحلهم وحرقهم امام انظار الأهالي . وقبل اسابيع علقت جثة جندي أسير ( مصطفى العذاري ) وسط المدينة .لم تمض سوى ايام حتى قام تجمع لعشائر الفلوجة بنحر جندي أسير آخر ( من خانقين ) وقدموه قربانا لداعش .
دخل المال الخليجي منذ الساعات الاولى الى هذه المدينة فلم تعد للدولة سلطة عليها , و اختيرت لتكون مقرا لمقاومة التغيير الذي جرى في العراق , ويبدو ان هناك حسابات كثيرة ابرزها قربها من بغداد ( 80 كم ) . رافق المال الخليجي مرض الجرب الاسود ( Black Scabies) , وهو طفيلي يصيب المخ موطنه الأصلي صحراء نجد . يؤمن المصاب بهذا المرض ان حق الحياة محصور فقط بحاملي هذا الطفيلي , اما الآخرون فينبغي ابادتهم بالكامل . أعراضه تصحر في الذهن , كراهية للعالم , وشعور بالعدمية مع تجرد من اية عاطفة او حس أنساني يفضي الى الرغبة في تدمير الذات و العالم المحيط بها . يعتبر مشايخ واتباع الوهابية حواضن مثلى لهذا الطفيلي , وعن طريقهم أنتقل عام 2003 الى الأنبار واستوطن مدينة الفلوجة . ينصح الخبراء بأستخدام ديتول ( Dettol ) لمكافحة هذا المرض الخبيث .
……
وظائف شاغرة
تتوفر في مكتب تشغيل الفلوجة ( Falluja Jobs Centre ) الوظائف الشاغرة التالية :
· قاطع طريق
· مفخخ سيارات
· زارع عبوات ناسفة او لاصقة
· صانع عبوات
· شناق , حراق , خناق , كتام ( يجيد المسدس الكاتم الصوت )
· انتحاري
العدد المطلوب : مفتوح , والتعيين فوري .
المؤهلات المطلوبة : انعدام الضمير , تصحر الذهن , تضخم في الغرائز , كراهية للعالم , ورغبة عارمة في الفناء .
…………..
ما الذي جرى هنا , وجرى هناك ؟
دعونا نقف قليلا فوق أعلى جبل في كردستان العراق وننظر من هناك الى ماجرى .
في حلبجة ابيد (5000 ) كردي خلال دقائق , في الانفال اختفى 182 الف كردي , ودمرت 4000 قرية . في دائرة امن السليمانية تم العثور على صور وافلام عديدة لعمليات أغتصاب لفتيات كرديات و تصفية جسدية موثقة لغرض الحصول على مكافآت وترقيات وكتب شكر .
رغم كل هذه الفضائع لكن الكردي بقي متماسكا ولم يرتكب حماقة واحدة رغم توفر فرص الثأر والانتقام . لم يقتل ولا اغتصب ولم يهدم دارا. بل سارع الى جلب أفضل معماريي العالم لأعادة بناء ما تهدم .
والآن لننتقل الى الفلوجة . وننظر هناك , سوف لن نجد قرية هدمت , و لن نجد حتى بيتا هدم على ساكنيه . لن نعثر على فلوجية جردت من ثيابها واغتصبت . لن نجد من سلب ماله وارضه وشرد من دياره .
فلماذا تحول الكثير من ابناء الفلوجة الى قتلة ؟
ما الذي فقده الفلوجيون لكي تتحول مدينتهم الى مستودع للأجرام . ؟
ما الذي جرى للعشائر هناك كي تتفاخر بعمل خسيس مثل أعدام أسير وتعليقه وسط المدينة ؟
………
وبسبب قرب الفلوجة من بغداد فقد اصبحت المجهز الاكبر للموت في شوارعها وأحيائها . من هذه المدينة تخرج (90 ) بالمئة من المفخخات وعمليات الاغتيال .الفلوجة هي العاصمة العراقية لداعش مقابل (الرقة ) السورية .
تعتز الفلوجة بانها أنجبت اشهر قاطع طريق في تاريخ العراق المعاصر وهو ( ضاري المحمود الزوبعي ) . وبسبب المؤسسة الدينية الرجعية وتحالفها مع الاقطاع آنذاك وشيوع الثقافة القومية و (الوطنية ) المشوهة تم تحويل هذا الخارج على القانون الى ( ثائر ) , قام هذا (المسلبجي ) بالايعاز لولديه خميس وسليمان عام 1920 بعملية غدر خسيسة للحاكم البريطاني الكولونيل (لجمن ) اثناء التفاوض حول ايقاف سيطرة ضاري وعصابته على الطريق الذي يربط العراق ببلاد الشام . اطلق الفكر (الوطني) المشوه على هذا الغدر عنوان ( شرارة الثورة) , واجبر طلبة المدارس طوال اكثر من ( 80 ) عاما على حفظ هذا التاريخ المسخ والتغني به وتسميته (ثورة العشرين ) .
لكن شاءت الاقدار ان يخرج من صلب قاطع الطريق هذا افعى سامة اسمها (حارث الضاري ) . اصبحنا امام موقف حرج ومواجهة مباشرة مع جدوى الثقافة ( الوطنية ) . فقد طور هذا الحفيد مهنة جده (قطع الطريق ) بعد ان ربطها بالمال الخليجي وشكل منهاعلى الفور منظمة بأسم ( هيئة علماء المسلمين ) . وظيفتها الاساسية تحويل الجوامع الى مصانع للموت . هذه الافعى كانت وراء قتل المئات من الضحايا الابرياء في العاصمة ومدن العراق الاخرى . ويقرن اسم هذه الافعى باغتيال الصحفية اطوار بهجت وهو دليل على وراثة الحفيد للأعمال الخسيسة .
…….
يبلغ نفوس الفلوجة ( 750 ) الف نسمة . من غير المعقول معاداة جميع هؤلاء , اوالنظر اليهم كدواعش ناهيك عن معاقبتهم . لابد من تقليل العدد الى ادنى حد . ان عدد المجرمين الذي ينبغي القضاء عليه قضاءا مبرما هم اولئك الذين سوف يستقتلون للدفاع عن مآذن الفلوجة . يحتاج هؤلاء الى هزيمة عسكرية منكرة على غرار تكريت . ان جوامع الفلوجة هي القصور الرئاسية .
قد يبدو الطرح انفعاليا بعض الشئ لكني اؤكد ان الجانب الانفعالي اقل بكثير من العقلاني .
……
سعدي يوسف والفلوجة .
…. يكاد يكون سعدي يوسف الشاعر الوحيد في العالم الذي يرى الفلوجة مدينة تصلح للفخر . وقد عبر عن ذلك في اكثر من مناسبة . تكمن المفارقة هنا ان جمهور سعدي بنسبة ( 99 ) بالمئة هم ضحايا التنظيمات الارهابية التي تتخذ من الفلوجة قاعدة لها وتنطلق منها الى العاصمة والمدن الاخرى . المفارقة الاخرى ان الفلوجة لاتعترف بالشعر ولا بالشعراء . لا يوجد ما يلطف الشعور بتصحر هذه المدينة وانعدام الهشاشة . هناك شخصان فقط يحق لهما الكلام في الفلوجة هما ضابط المخابرات السابق ورجل الدين وكلاهما لا يعترفان بسعدي يوسف . لامكان ولا جمهور لسعدي في الفلوجة حتى لو كتب ديوانا كاملا عنها . بل انا لا اضمن له حياته لو عاش فيها . هل يجرؤ مثلا ان يقرأ قصيدته ( الشيوعي الاخير ) في الفلوجة ؟ . اذا كان المسلم لم يسلم وعلقت جثته في وسط المدينة فما بالك ب ( الشيوعي الملحد ) ؟ .
ليس الشعر وحده ممنوع في الفلوجة بل كل مايشير الى الفن والادب . ( السينما , المسرح , الكتب , الموسيقى , الرسم , النحت , الرقص ) . لاتوجد اماكن في المدينة لممارسة الفن والادب . هنالك سبب اقوى من الدين يمنع ذلك . هو ان الفنون تشكل عارا على من يمارسها. هذا السبب المزدوج ( العشيرة والدين ) يفسر عدم ظهور رسام او قاص او عازف بيانو او ممثل او شاعر في هذه المدينة . ليس السبب هو الفقر في المواهب ولكن لأن المدينة لاتسمح بذلك .. لأن هذه الاعمال (عيب) من وجهة نظر( الفلوجي السائد ) , وهي مخزية وتجلب العار لصاحبها .
يروي لي الصديق (خالد الفلاحي ) المنحدر أصلا من الفلوجة انه بعد اجتيازه السادس الاعدادي اراد تقديم أوراقه الى اكاديمية الفنون الجميلة لدراسة الاخراج السينمائي . وحين علم بذلك خاله ( المقيم في الفلوجة ) حضر على عجل الى بغداد ومزق استمارة التقديم للاكاديمية . قائلا له بالحرف ( تريد ان تجلب لنا العار ؟ ) و سارع على الفور في جلب استمارة الكلية العسكرية وسلمها بيد خالد وعاد في نفس اليوم الى الفلوجة .
……
النشاط الحضاري االذي يجدر ان يسجل للفلوجة هو مطاعم الكباب . لكن حتى هذا النشاط طرأ عليه تبدل دراماتيكي . كانت مطاعم الفلوجة في السابق تصنع الكباب من لحم الغنم . لكن بعد تعليق جثة (مصطفى العذاري) وسلخه في وسط المدينة تحولت ذائقة الموسرين وضباط النظام السابق ورؤساء العشائر الى لحم البشر خصوصا اللحم (الصفوي ) .
…….
لست من انصار التدمير العشوائي للمدينة . لكي نعاقب داعش ينبغي ان ندمر روحها . ينبغي ان تبقي المدينة و لكن يتغير وجهها بالكامل . ينبغي احتلال جوامعها الألف ورش المبيدات اللازمة للتخلص من الجرب الاسود .
ايها الطيبون في الفلوجة , ايها الابطال والمغامرين , ايها المغفلون والمستغفلون , ايها المغلوبون على أمرهم وليس أمامهم خيار آخر . لستم المعنيين بهذه الكراهية المفرطة والحقد الدفين. ليس لدينا عداوة معكم ولا مع بيوتكم ولا شوارعكم ولا حوانيتكم . العداوة الوحيدة والكراهية القصوى هي لمآذنكم . لتلك القلاع من السيلان والجرب الاسود الذي يخنق أبناءكم .
نعتقد ان الحل لمعضلة الفلوجة يبتدأ من شطب (999 ) مئذنة والابقاء على واحدة فقط للاشارة الى الهوية الدينية للمدينة .
ما رأيكم ايها الفلوجيون الابطال , ايها المغامرون بشطب ( 999) مئذنة تجثم مثل اخطبوط على صدوركم , لم تجلب لكم سوى الخراب والقهر والتخلف . ؟
اقترح عليكم :
احتلال هذه المآذن . سوف اترك لكم ( 499 ) تفصلونها وفق احتياجاتكم الاخرى . ولكن اسمحوا لي بتقرير مصير ( 500 ) جامع وايجاد بدائل لها , اليكم قائمة البدائل التي اقترحها عليكم :
50 حانة للخمر , 25 بيتا للدعارة الرسمية ( كاوليات (غجريات ) و تايلنديات , و اوكرانيات , عربيات , وبرازيليات وغيرها ) 25 حمام تركي , 25 مسبح صيفي وشتوي , 25 مسرح وقاعة للعزف و للفن التشكيلي , 25 مركز ثقافي , 25 ملعب رياضي , 25 مكتبة عامة , 25 فندق خمس نجوم . الباقي (250) يتم تحويلها الى ورش عمل لتشغيل العاطلين .
لاشك ان مهمة احتلال هذه القلاع المحصنة صعبة عليكم . ما رأيكم بمن يساعدكم في ذلك ؟
ايها الطيبون والمستضعفون في الفلوجة :
هناك حلم يحقق الهدف مباشرة . ويجعل من شطب هذه المآذن وتخليصكم منها أمرا ممكنا و ضرورة ملحة , ان يتولى رئاسة الوزراء في العراق أحد الثلاثة : جان بول سارتر او مثال الآلوسي او يوسف شاهين . اما حلمي الاكثر طراوة فهو دخول قيس الخزعلي مدينتكم برفقة اثنين من اقرب مستشاريه وهما فريدريك نيتشه واحمد القبانجي . عندذ سوف يكون تحقيق الهدف مضمونا مئة بالمئة .
………….
[email protected]