22 نوفمبر، 2024 9:05 م
Search
Close this search box.

رؤية في : مفهوم السرد الروائي النسوي 

رؤية في : مفهوم السرد الروائي النسوي 

أن مفاهيم مثل (القصة) – Narration- او (الرواية )- Novel- أو (السرد)- Narrative- كلها مفاهيم جديدة وافدة على الادب العربي من الغرب، ولم تُعْرف أو  تُمارس ابداعياً، بشروطها المعروفة، إلا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ونضجت بعد ذلك في مراحل الستينات وما تلاها من حقب زمنية وحتى زمننا الراهن. لذا فقد اصابتها عدوى (سوء الفهم) او (العشوائية) او ( اللا – التزام) ، بشرطها الفنية ، عند تطبيقها لدى العديد من مبدعي الفن القصصي والروائي في معظم الدول العربية ، ومنها العراق، واختلفت هذه العدوى بشدتها او ضعفها حسب مراحل تأريخية مختلفة، وعند كتّاب، ربما كانوا رواداً ، في مجال كتاباتهم الابداعية، القصصية والروائية، وهذا ليس المجال الذي يسعى البحث التعمق به، لكن الاشارة اليه أمر واجب في اطار السياق التاريخي لتطور هذه المفاهيم الادبية في عالمنا العربي.
    لن أتي بجديد بقولي : (السرد الروائي النسوي) هو ، ببساطة شديدة ، ما تكتبه (المرأة) من أدب روائي قصصي، تعالج فيه قضايا مختلفة ، بتنويعات متباينة، ربما يكون التركيز فيها على ذات المرأة / الساردة او الشخصية، باعتبارهما قيمتان اجتماعيتان، لهما خصوصية، وهموم خاصة، وتقاطعات عديدة مع مجتمع ذكوري شرقي.
    أنا هنا اعترفُ ان الرواية التي تكتبها (المرأة) ، باطار سردي ابداعي، تمتلك خصوصيتها، الامر الذي يسمح لنا ان نطلق على سردها هذه الخصوصية. أتفقُ مع الدكتور (عبدالله ابراهيم) في قوله: أن ” الالتباس في علاقة الرجل بالمرأة هو التباس ثقافي، وليس بايولوجياً في الاصل” ، ” فثمة ايديولوجيا تبريرية احلتْ التعارض بين قدرات وامكانات المرأة والرجل، بدل أن تحلَّ الانسجام والتكافؤ والمشاركة، وهذا امر جعل الرجل هو الذي يركّْبُ صورة ثقافية لنفسه وللمرآة”، وينقل في بحثه المعنون (التمركز حول الذكورة والتمركز حول الانوثة) ، المُقدم ضمن بحوث ” الملتقى الثالث للمبدعات العربيات / تونس 1999 ” ، رأيا للكاتبة (سعاد المانع) في بحثها ( النقد النسوي في الغرب وانعكاساته في النقد العربي المعاصر)1997 ، مفاده : (ان طبيعة كتابة المرأة ذات سمات انثوية مميزة، فثمة لغة انثوية لها خصائص تنفرد بها عن غيرها).
    أن الموقف من هذه الخصوصية، يعبر عنه بعض الباحثين، ربما، بحماس زائد، باعتبار الرواية النسائية هي رواية (اقلية مجتمعية) كغيرها من الاقليات الطائفية او العرقية. فلا بد – في نظرهم- من التعبير بخصوصية الانثى لفرض ذاتها. كما يشير الى ذلك الباحث (محمود طرشونة) في بحثه ( اشكالية الخصوصية في الرواية النسائية في تونس)، — المُقَدم ضمن نفس الملتقى — ، ويذهب بالقول : ان هذا الموقف (هو موقف عبدالله الغذامي) في كتابه (المرأة واللغة) الصادر في بيروت 1996.
    ان اعترافي بخصوصية، الادب النسوي عامة والروائي خاصة، لا يستند الى تمييز يعتمد (الجنس) – ذكوري/ انثوي- ، بل يفترض ان هناك قضايا تعالجها المرأة/ الكاتبة ، بشروط ابداعية فنية، تستحق النظر والتدقيق فيها عبر (منهج ) هذه الخصوصية، بهدف الوصول الى تحليل موضوعي دقيق ومخلص لهذه القضايا على مستوى الفكرة والاسلوب واللغة والبناء.
     من الممكن القول، ان قضية التحرر من القيود الجنسية ، كانت ولا تزال، تشكل موضوعا اثيراً لدى العديد من كاتبات السرد الروائي، وهو في الحقيقة وجه من وجوه قضايا المرأة المتعددة، لكن حدّتَهُ ، وتوفر عنصر الاثارة فيه ، واعتباره واحدا من عناصر التابو الثلاثة الممنوعة ( الدين، والجنس، والسياسة)، يجعله ذا تأثير كبير في المتلقي، ويُضْفي اثارة، وربما ، قناعة عند المتلقي ، في كيفية معالجة قضايا المرأة والانتصار لها. ويمكننا ان ندرج اسمي الروائيتين ، اللبنانية (ليلى بعلبكي) في روايتها الصادرة عام 1958 (أنا احيا)، والسورية كوليت خوري في روايتها (أنا معه) الصادرة عام 1959، باعتبارهما رائدتين في هذا المجال.
     ومن الخصائص الاخرى التي تميزْ بها السرد الروائي النسوي ، اضافة الى موضوعة الجنس والتحرر من القيود الاجتماعية المفروضة ، مسألة الجسد سواء كان انثويا او ذكوريا. يقول الدكتور عبدالله ابراهيم في بحثه المشار اليه سابقا : (نهضَ التمثيل السردي بمهمة تركيب “عالم المرأة” فنياً، مانحاً جسد المرأة مكانة بارزة بوصفه هوية انثوية خاصة)، مؤكدا ( ان استئثار الجسد باهمية بالغة في الرواية النسائية، يتم بتوجيه من اسباب متصلة بنظرة المجتمع الى الجسد عموما، وما وَلَّدَه  ذلك من احساس عند المرأة من أنها مرغوبة على مستوى الجسد وليس لشيء غيره، وهكذا فأن السبب الخاص بشعور المرأة يترتب ضمن نسق ثقافي شامل، تُفضي هَيمنتُه الى اختزال الانوثة الى مجرد جسد).
    أن لتجربة  (الجسد) في الكتابة السردية الروائية النسوية اهمية خاصة، في ضوء تجربة شخصيات الرواية، اناثاً او ذكوراً، وطبيعة الظروف المحيطة بهما ، وتركيبة البناء العام للرواية، فضلا عن امكانات الكاتبة في الجرأة بالتعبير عن هموم شخصياتها. ربما في بعض الكتابات يكون الحديث عن جسد الرجل واوصافه وانفعالاته وحركاته أكثر مما هو الحديث عن جسد المراة ذاتها ، وهذا امر يتعلق، كما اسلفنا، بطبيعة تكوين وبناء شخصيات الرواية .
    أن المحور الرئيس في معظم ما اطلعنا عليه من كتابات سردية روائية نسوية تكون الذات (الانثوية) فيه هي البؤرة والمركز، وحتى معالجتها لقضايا عامة اخرى لا يخرج عن نظرة تلك الذات وتفاعلها مع الآخر او تناقضها معه سواء كان رجلاً او امرأة او طبيعة .
     أن اعتماد سرد الكاتبة على التجربة الذاتية او المسموعة لبنات جنسها يعدُّ مَعْلَماً مهماً من معْالم خصائص السرد الروائي النسوي . اذ ان هذه الخاصية معتمدة في معظم روايات السرد النسائي باعتبارها تجربة لصيقة او قريبة جدا من ( الذات الساردة) اولاً، وموضوعها يسهل تذكره وسرده ثانياً، وهو تعبير عن هموم حقيقية معاشة بتفصيلات كثيرة تخدم الغرض السردي ثالثاً. كذلك فان الحميمية في الوصف والتحليل والحوار تعطي الساردة فرصة لكي تشكل شخصياتها واحداثها بطريقة اقرب الى الواقع وبادوات فنية مبدعة.
    لا يقتصر السرد في اطار التجربة الذاتية على ذات المرأة/ الشخصية، بل يتعداه الى مستويات اشمل واعمق ، ربما يحضى الرجل بالحصة الاكبر منه باعتباره شريكا ، جسداً وعلاقةً روحية ومادية، مع المرأة في تجربتها تلك ، لذا نلاحظ في معظم روايات السرد النسوي ، حرصَ الساردة على أن تعطي الرجل ما يستحقه من مدح او ذم ، نقد او تقدير في اطار شخصيته الموضوعة في بناء السرد نفسه.
    أما اللغة، فانها تشكل واحدة من خصائص السرد الروائي عامة ، باعتبارها الاداة الرئيسة المعتمدة في تنفيذ هذا السرد ، ذكوريا كان ام انثوياً،لكن المتتبع للغة السرد الروائي النسوي يجد انها ، اما ان تكون (ساذجة) و ( قاصرة) ، او انها (تمارس نوعا من الثرثرة المقبولة) – حسب تعبير الاستاذ سعيد يقطين في بحثه )الرواية النسائية العربية / رجاء العالم نموذجا) -، او انها ذات طبيعة (اكثر عفوية وحدسية عاكسة ذات المرأة وعالمها الداخلي بشفافية وشعرية عالية).
   أن الخصائص التي تحدثنا عنها انفاً، فيما يتعلق بالسرد الروائي النسوي، لا تلغي ابداً  (تشابهاتها) مع (الكتابة الرجالية) ، كما تشير الى ذلك الباحثة (باتريس د يدي) الذي ذكرها الكاتب يقطين في بحثه اعلاه، اذا ( تُبيّْنُ صعوبة التفريق بين الكتابتين لاننا يمكن ان نزعم انه خاصية في الكتابة النسائية ، يمكن ان نعثر على نظير له في الكتابة الرجالية ، والعكس صحيح).
     نخلص الى القول ، ان السرد الروائي النسوي، هو نوع من انواع السرد الروائي عامة ، ينطلق من اعتبار المراة، كياناً وفكرةً وعلاقاتٍ أنثوية / ذكرية ،  موضوعاً للسرد الروائي، وما يخرج عن هذا الاعتبار لا يمكن ان يدخل ضمن هذا المفهوم، ويمكن التعامل معه في اطار السرد الروائي العام.
    
*هذه المقالة جزء من بحث ، نظري تطبيقي ، تحت عنوان (السرد الروائي النسوي في العراق : الكاتبة لطفية الدليمي) نموذجا.

أحدث المقالات