19 ديسمبر، 2024 12:15 ص

رؤية في الاستفتاء على استقلال كردستان في واحدة وثلاثين نقطة

رؤية في الاستفتاء على استقلال كردستان في واحدة وثلاثين نقطة

الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق، وتأسيس دولة كردستان، حق لا شك فيه، حتى لو لم تكن له أرضية دستورية في دستور 2005.
لا ينبغي النظر للكرد في العراق من زاوية نسبتهم إلى الشعب العراقي، بل من ثلاث زوايا، زاوية خصوصيتهم القومية والثقافية المتميزة، ومن زاوية نضالهم وتضحياتهم من أجل حقوقهم القومية المشروعة، ومن زاوية كونهم جزءً من أكراد المنطقة، مما يمنحهم مقومات أمة ومقومات شعب، وهذا الحق للشعب الكردي لا يقلل منه عدم إيماني بالفكر القومي، مع التمييز بين احترام الحقوق القومية، واعتماد الفكر السياسي القومي.
من هنا فمما أساء للقضية الكردية العادلة تصعيد النزعة القومية، في زمن أصبح في الدول الديمقراطية الحديثة المتقدمة الاتجاه القومي صنوا لليمين الراديكالي.
توقيت الاستفتاء توقيت خاطئ بكل المقاييس.
الطرف الذي اتخذ قرار الاستفتاء (الحزب الحاكم الأوحد، والقائد الضرورة الأوحد) أساء للقضية العادلة للشعب الكردي.
آليات اتخاذ قرار الاستفتاء آليات غير دستورية (في ضوء دستور الإقليم نفسه) وغير برلمانية (برلمان معطل من سنتين)، وغير ديمقراطية (قرار فردي).
تخطيء توقيت الاستفتاء وآليات اتخاذ القرار بإجرائه، لا يعني إبقاء القضية بدون تحديد موعد ثابت وملزم، بل لا بد من السير نحو اتخاذ هكذا قرار، بعد إعادة الشرعية، والتفعيل الحقيقي لا الشكلي لبرلمان الإقليم.
لا بد من مواصلة الحوار مع بغداد، ولا بد لبغداد من جانبها أن تنفتح على الحوار، ليس باعتماد حجج دستورية للإصرار على موقف الرفض، بل بصدق وشفافية وباعتماد قواعد روح العصر ومبادئ الحداثة.
من جهة كنا نتمنى أن تنجح تجربة العهد العراقي الجديد بعراق ديمقراطي علماني فيدرالي موحد.
الحرص على وحدة العراق لا ينطلق من تقديس للحدود والأرض، فالمقدس الأول هو الإنسان، هو المواطن، هي الحقوق المشروعة للشعوب، ولكن بقاءنا في عراق واحد، كان سيكون دليلا على تحضرنا، بإثبات قدرتنا على التعايش بتنوعنا الجميل، الديني، والمذهبي والقومي، والسياسي، برضا الجميع، وحفظ حقوق الجميع، في ظل دولة المواطنة الحقيقية، التي يتساوى فيها كل مواطن مع كل مواطن بالحقوق وتكافؤ الفرص.
هذا لا ينبغي أن يلغي حق الكرد كما مر، إذا قرروا أن تكون لهم دولتهم المستقلة المتآخية مع الجار الأخ والصديق العراق.
نختلف كثيرا مع قول مسعود البرزاني قبل مدة في تصريح له أنه لم تبق مصالح مشتركة بين الإقليم والعراق، فالمشتركات لا تعد ولا تحصى، تعايشنا، وتصادقنا، وتآخينا، وتصاهرنا، وناضلنا سوية، وضحينا سوية، وعانينا سوية.
الذين ساهموا في تصعيد الأزمة كل من سلطات بغداد المتعاقبة (لاسيما في عهد المالكي وقبله الجعفري)، وسلطة الإقليم (خاصة بسياسات الرئيس المفروضة رئاسته رغم الجميع مسعود البرزاني).
إلى حد ما يحترم الموقف المتوازن والمعتدل إلى نسبيا لرئيس مجلس الوزراء العبادي، إلا أننا لا نتفق معه، بعدم إقراره ولو بكلمة أو تلميح، لحق الكرد في الاستفتاء على الاستقلال من حيث المبدأ وحقهم في تقرير مصيرهم.
أراد الكرد تثبيت حق تقرير المصير في دستور 2005، أو إدراج أي عبارة يمكن تأويلها إلى حقهم في تقرير المصير، وكان كاتب هذه السطور، مقرر لجنة المبادئ الأساسية في لجنة كتابة الدستور آنذاك، متعاطفا كليا مع مطالباتهم، لكن السياسيين العرب، من شيعة وسنة، رفضوا ذلك رفضا كليا.
سياسات الساسة العراقيين غير الكرد، من شيعة وسنة، دفعوا الكرد بهذا الاتجاه، وأعطوهم مبررات تصعيد النزعة القومية.
قرار مجلس النواب في 12/09/2017 الذي يخول رئيس مجلس الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ وحدة العراق، صحيح لا يجب أن يفهم بالضرورة بإعطائه التخويل لاستخدام الحل العسكري للحيلولة دون استقلال كردستان، لكنه كان يجب أن يصاغ بصيغة أخرى تؤكد اعتماد كل الوسائل الدستورية السلمية، وعدم إعطاء فرصة للتأويل أو لبعث المخاوف من استخدام التخويل.
بتصوري وتقديري وفي ضوء معرفتي إن العبادي سيكون آخر من يلجأ إلى السلاح، في حال لم يخيب ظني، ولو كان ما يحصل قد حصل في زمن المالكي، فـ(الله الساتر) كما يقول العراقيون.
بكل تأكيد إن لوبي المالكي المعادي للعبادي، صوّت بحماس لقرار مجلس النواب، لإحراج العبادي بمنحه هذا التخويل، مع احتماله فشل العبادي في الحيلولة دون استقلال كردستان، ليعوّض القائد الضرورة، مختار زمانه، الذي يحلم بالثالثة الكارثة، ويخطط لها؛ ليعوض عن صفحته السوداء في تضييع ثلث العراق وتسليمه لداعش، والتي سيصعد رصيد العبادي، كونه سيكون محررا لما ضيعه المالكي، وذلك ستتعادل الكفتان، إذ سيكون ثلث العراق قد ضاع في زمن العبادي، وذهب به الكرد.
مسعود البرزاني آخر من يحق له القول بأن العراق أصبح دولة دينية (يعني إسلامية)، وطائفية (يعني شيعية)، أولا لأنه وحزبه وحليفه الاتحاد الوطني الكردستاني، هما اللذان كرسا سلطة الأحزاب الشيعسلاموية (التي هي شيعية + إسلامية)، بحجة أن هذه الأحزاب تمثل حليفهم الاستراتيجي، وهما (الحزبان الكرديان) مسؤولان عن المشاركة في تأسيس دولة الطوائف والأعراق، بدلا من دولة المواطنة. ثم أين علمانيته وهو الذي جمع حشدا من رجال الدين الكرد، لمنحهم الاستفتاء الشرعية والمباركة الدينيتين.
لا يحق للبرزاني ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها عنوة وبطريقة غير دستورية إلى كردستان، سواء بقيت إقليما أو صارت دولة مستقلة.
في الحالة الثانية يكون هذا ضم مسعود لكروك وغيرها عنوة إلى كردستان، بمثابة إعلان حرب من قبله، مع هذا نحذر أشد التحذير من اللجوء لسفك الدماء العراقية والكردية، مهما كانت المبررات.
الحزب الكردي الوحيد الذي يحترم موقفه هو حركة التغيير (گوران)، مع إنه ليس ضد الاستفتاء، ولا نحن ضد الاستفتاء، بل أنا شخصيا ضد المعارضين للاستفتاء حتى من حيث المبدأ، وإنما هي (حركة التغيير) ونحن معهم نعترض على كل من التوقيت والآلية.
الاتحاد الوطني الكردستاني لم يعد له دور يذكر بعد مرض أمينه العام، واختلاف القياديين من بعده، فهو تارة يحاول أن يكوم له دور مستقل، وتارة يعمل على إيجاد تخالف، كان سيكون مفيدا، مع حركة التغيير، ثم يعود إلى دور هامشي ذيلي تابع لقرارات القائد الضرورة، رئيس الإقليم، ولو كره الكارهون.
لا نتفق مع الموقفين الإيراني والتركي في معارضة الاستفتاء، لكونهما ينطلقان في معارضتهما له من معاداتهما لقضية الشعب الكردي.
إذا تأسست دولة كردية فنتمناها دولة ديمقراطية علمانية تؤمن بالتعددية والتداول السلمي، وليس دولة محكومة من قائد مدى الحياة، أو من الحزب الحاكم الأوحد (ولو عمليا) ودولة محكومة من (أسرة مالكية).
إذا تأسست الدولة الكردية سنبارك للشعب الكردي، لكن لنا مبرراتنا للمخاوف الأكيدة التي تنتابنا على حقوق الأقليات الدينية والمذهبية والقومية، التي ستعمل سياسات البرزاني وسائر القوى ذات النزعة القومية الكردية الشوفينية، على صهر هذه الأقليات كرديا، ومنحها دورا شكليا ديكوريا وحسب.
إقليم كردستان لم يتعامل على كل الأصعدة الخارجية والاقتصادية وغيرها، منذ 2005 حتى الآن، كإقليم في دولة فيدرالية، بل كدولة مستقلة.
كان يمكن إعادة صياغة العلاقة بين الإقليم والسلطة الاتحادية، حتى لو بجعل العراق فيما يتعلق بإقليم كردستان خاصة وبدون تعميم دولة كونفيدرالية، وفيما يتعلق بباقي أجزاء العراق دولة فيدرالية، ولكن على أن تقوم أقاليمها على أسس سياسية إدارية، وليس على أسس طائفية.
لا يحق للساسة العرب من شيعة وسنة القول بعدم دستورية الاستفتاء، في الوقت الذي كانوا السبب في تجميد المادة (58) من قانون إدارة الدولة، والمادة (140) من دستور 2005، وإذا كانوا لم يفعّلوا المادة (140) عمدا، لأنهم شخصوا فيها أنها تتضمن مخاطر على التضحية بكركوك، فكان عليهم ألّا يوافقوا على هذه المادة بصيغتها التي اعتمدت في دستور 2005.
مصير كركوك لا يمكن البتّ فيه باستفتاء، والعمل بقرار الـ51% أو حتى الـ55%، لحساسية القضية، ولتنوع المجتمع الكركوكي. وإلا فهذا سيخلق مشكلة لها أول وليس لها آخر، ربما تدوم لتستغرق ما تبقى من القرن الحادي والعشرين، وقد تستقبل القرن الثاني والعشرين.

أخيرا أشير إلى مقالتين لي في عام 2012، الأولى بعنوان «رؤية في إعادة صياغة العلاقة بين الإقليم والدولة الاتحادية» 30/11/2012، والثانية بعنوان «الدولة الكردية التي أتمنى أن أرى تأسيسها» 28/04/2012، والتي بسببها اتهمني أحدهم في مقالة نشرها، باستلامي ثمنا للمقالة، عبارة عن دار في أربيل، هدية من مسعود البرزاني، الذي لا أراه إلا شبيها لكل من نوري المالكي ورجب طيب أردوغان، فالثلاثة رغم الاختلافات بينهم، يشتركون بمشتركات وثوابت وملامح شخصية وطريقة خطاب وطريقة تعامل مع المعارضة، وأخير من حيث ثقة كل منهم أنه فلتة زمانه، وأنه شخصية تاريخية.

رابط المقالة الأولى «رؤية في إعادة صياغة العلاقة بين الإقليم والدولة الاتحادية»:

http://www..ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=334667

رابط المقالة الثانية الدولة الكردية التي أتمنى أن أرى تأسيسها:

http://www..ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=305332

13/09/2017

إضافات:

وآخر ما سمعناه من مسعود البرزاني تهديده المبطن بقوله: من يريد أن يجرب إرادة الكرد فليتفضل، وهذا ليس أول تصريح يستبطن التهديد باستخدام قوة السلاح.

أما السياسيون العرب من سنة وشيعة، فهم آخر من لهم الحق بإدلاء التصريحات والنصائح، أعني بالذات أولئك المعروف عنهم تحمل مسؤولية ما توصلت إليه العلاقة بين الإقليم والمركز.

الساسة الشيعسلامويون من أجل تأبيد سلطتهم، عملوا على تأجيج الحس الطائفي عند الشيعة بحجة المظلومية التاريخية للشيعة، كما أججوا الحس العنصري عند عرب الوسط والجنوب ضد الكرد. والساسة الكرد ومن أجل تأبيد سلطتهم، عملوا على تأجيج الحس العنصري الكردي ضد العرب، مصورين لعرب العراق كارهين للكرد، وهكذا عمل الساسة السنة على تأجيج الحس الطائفي السني، وبحجة تهميش السنة، وهكذا ساهموا جميعا في تمزيق نسيج المجتمع العراقي. وهذا يضاف إلى جرائم الساسة الشيعة والسنة والكرد، علاوة على جريمة تضييع الفرصة التاريخية على العراق في بناء دولة ديمقراطية عادلة ومستقرة ومتقدمة وإنسانية وعقلانية، بإصرارهم على دولة الطوائف والأعراق والمحاصصة، ناهيك عن جريمة هدر الثروة الوطنية (متحاصصين) في الهدر والفساد والسرقة.