11 أبريل، 2024 8:25 ص
Search
Close this search box.

رؤية شاملة لإصلاح النظام السياسي العراقي

Facebook
Twitter
LinkedIn

لقد تسبب النظام السياسي العراقي الذي أُقر بموجب دستور 2005 بالكثير من المشاكل السياسية للعراق ونجم عنه ضعف الدولة والحكومة وتشتت الهوية الوطنية وتفشي المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية والفساد والهدر المالي الكبير الذي نجده أحيانا مشرعا بموجب قوانين يصدرها البرلمان العراقي نفسه. أعتقد إنه بعد قرابة العشر سنوات قد أصبح واضحا للعيان مدى الفشل الذي مني به النظام السياسي الذي جاء به دستور 2005. وما نراه اليوم من ظهور وتزايد الدعوات والمطالبات باعتماد النظام الرئاسي بدلا من النظام البرلماني وإلى تحديد عدد النواب أو غيرها من الدعوات التي تخص مجلس النواب، إلا دليل على فشل هذا النظام والحاجة الملحة والمتزايدة لإجراء العديد من الإصلاحات وتعديل دستور 2005 تعديلا شاملا. تأتي اليوم مظاهرات العراقيين لتكون عونا لرئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي على تحقيق ما يمكن تحقيقه من إصلاح شامل في مواجهة مجلس النواب والسياسيين المتنفذين والمسيطرين على العملية السياسية، فهذه المظاهرات لا تستهدف رئيس الوزراء، إنما تستهدف مجلس النواب وبقية السياسيين الفاسدين. لذلك نضع بين أيدي المواطنين العراقيين في السطور التالية رؤية شاملة لإصلاح النظام السياسي العراقي والذي لا يمكن أن يتم إلا من خلال تعديل الدستور، وتتمثل هذه الرؤية بالنقاط التالية:

1- إلغاء النظام البرلماني واستبداله بما أسميه ب(النظام الرئاسي المعدل)، ولكن ليس نظاما رئاسيا على طريقة الويلات المتحدة الأمريكية، بل نظام رئاسي معدل يمكن فيه إقالة الرئيس من قبل البرلمان بأغلبية الثلثين. وقد سبق أن نبهنا في مقالة لنا قبل إقرار الدستور إلى إن الأخذ بالنظام البرلماني سيؤدي بالعراق للوقوع في فخ المحاصصة الطائفية والعرقية وهو ما حصل فعلا. قد يتصور البعض أن الأخذ بالنظام الرئاسي يعني إلغاء البرلمان وهذا غير صحيح طبعا، فالنظام الرئاسي هو النظام السياسي المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية ويكون فيه الرئيس منتخبا مباشرة من الشعب ويتمتع فيه الرئيس بمركز قوي ويختار نائبا واحدا له ووزراء حكومته بمفرده ويبقى الرئيس خاضعا لنوع من الرقابة والمحاسبة أمام البرلمان ( الكونغرس) على الرغم من كونه منتخبا مباشرة من الشعب. وتحدد فيه ولاية الرئيس بدورتين فقط مدة كل واحدة

منها أربع سنوات. التعديل الأساسي الذي يجب أن نضيفه على فكرة ونظرية النظام الرئاسي المعول به في الولايات المتحدة هو إمكانية إقالة الرئيس من قبل البرلمان بأغلبية الثلثين ومثل هذا الأمر، أي إقالة الرئيس، غير موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من الدول التي أخذت بالنظام الرئاسي. يأتي هذا التعديل الذي نرى ضرورة إضافته لنظرية النظام الرئاسي لطمأنة المتخوفين من تحول الرئيس إلى دكتاتور أو منفرد بالسلطة مع صعوبة تحقق ذلك، لان النظام الرئاسي الحقيقي لا يمكن أن يعمل إلا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، وإذا كنا نتكلم عن عراقي ديمقراطي في ظل دستور ديمقراطي، ففي الديمقراطية ما يكفي من الضمانات التقليدية الكفيلة بمنع تحول الرئيس إلى دكتاتور. ولكن مع ذلك، ولكي تهدأ مخاوف جميع المتخوفين والمتشككين بأهمية وجدوى وصلاح النظام الرئاسي لواقع العراقي السياسي الذي هيمنت عليه المحاصصة السياسية البغيضة بفضل النظام البرلماني الذي لا يلائم الواقع العراقي، فيكون من الضروري تعديل النظام الرئاسي التقليدي تعديلا جوهريا نستمده من بعض الحسنات القليلة التي توجد في النظام البرلماني بحيث يكون بإمكان البرلمان إقالة الرئيس وطبعا بأغلبية خاصة أو موصوفة وهي أغلبية الثلثين وهي الأغلبية المناسبة لإقرار الأمور المهمة. وبذلك ستتعدل واحدة من خصائص النظام الرئاسي الجوهرية الذي يقوم على مبدأ الفصل الحاد أو الصارم بين السلطات، والحال هذه فلا يمكن أن يسمى النظام الجديد المقترح بالنظام الرئاسي وحسب، إنما وجب كذلك تعديل أسمه إلى ما نراه مناسبا وهو (النظام الرئاسي المعدل).

2- المشكلة الأساسية التي ما زالت تعاني منها النظم الديمقراطية في العالم، نظريا وتطبيقا على حد سواء، حتى في أكثر الدول الديمقراطية تحضرا، تتمثل في انتخابات البرلمان حيث تسود وتطغى فيه تأثيرات عوامل عديدة منها مدى الوعي أو الجهل السياسي للناخبين وسطوة المال السياسي وعوامل الدعائية للناخبين المسيطرين على المالي السياسي والإعلام، وسيطرة أحزاب معينة على الساحة السياسية قد لا تكون هذه الأحزاب هي من يخدم البلد بشكل أفضل من غيرها نظرا لأفكارها أو عقائدها السياسية المتخلفة أو التقسيمية أو الطائفية أو غيرها من الأسباب، وبالتالي ما يترتب عليه من وصول مرشحين غير أكفاء إلى البرلمان وأحيانا لا يصلحون للعمل السياسي بالمرة، وسطوة وسيطرة الأحزاب الفائزة ورؤساء الكتل البرلمانية على مجموع نواب كتلهم السياسية وتحول هؤلاء النواب، في غالب الأحيان، لمجرد أيدي ترفع عندما يريد رئيس الكتلة البرلمانية أن يصوتوا لأمر معين. لذلك نقترح الإبقاء على البرلمان ولكن إلغاء الانتخابات البرلمانية واستبدالها بطريقة أخرى لاختيار أعضاء البرلمان تتمثل فيما أسميه

ب:” التعيين بالصفة” وليس التعيين بالاسم. ويكون ذلك باختيار مجموعة من الأعضاء بحدود 50- 75 ( هم مجمل أعضاء البرلمان الجديد) من قوائم تعد سلفا من قبل الوزارات المختصة وتحدثها دوريا تحتوي كل قائمة من هذه القوائم على فئة من فئات الكفاءات والاختصاصات العراقية المرموقة، مثلا قائمة رؤساء الجامعات العراقية تعدها وزارة التعليم، وقائمة القضاة ذوي الدرجات العليا يعدها مجلس القضاء الأعلى، وقائمة مديري المستشفيات تعدها وزارة الصحة، وغيرها من القوائم المناسبة التي يتفق على اختيارها. ويجري اختيار عدد معين مناسب ( مثلا 15 شخصا) من كل قائمة ليس بالاسم إنما على أساس القدم ( ولذلك تسمى طريقة التعيين بالصفة، أي إن صفتهم هم رؤساء الجامعات ومدراء المستشفيات والقضاة الأقدم) ليشكل مجموع الأشخاص المختارين البرلمان الجديد بحدود 50 – 75 عضوا هو قوام أعضاء البرلمان. ويتم توزيعهم بصورة عادلة على المحافظات. وتستمر عضويتهم لدورة برلمانية واحدة فقط أمدها ست سنوات غير قابلة للتجديد، على أن تنتهي عضوية ثلث أعضاء الدورة الأولى فقط بعد ثلاث سنوات فقط ويختار بدلا منهم ثلثا أخر لمدة ست سنوات ويستمر الثلثان الآخران من الدورة البرلمانية الأولى لنهاية الست سنوات، ليتحقق بهذه الطريقة تراكم وتدوير الخبرة البرلمانية. ويتم تنظيم تفاصيل هذا الموضوع بقانون. هذا الحل يأتي في الحقيقة لمعالجة ليس فقط مشكلة البرلمان العراقي، أنما مشكلة النظم الديمقراطية في العالم ككل الناتج عن الأسباب المذكورة في أعلاه.

3- انتخاب رئيس السلطة القضائية من قضاة السلطة القضائية نفسها من ذوي الدرجات العليا بجلسة مشتركة لكل من المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز ولمدة خمسة سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط وينظم ذاك بقانون.

4- إلغاء مجالس المحافظات والاقتصار على انتخاب محافظ مباشرة من قبل سكان المحافظة ويتشكل مجلس المحافظة من رؤساء الدوائر الأساسية في المحافظة. وتخول أكثر الصلاحيات الإدارية والمالية للمحافظ أو مجلس المحافظة حسب الحالة وتوفر التخصيصات المالية الكافية لكل محافظة بما يتناسب مع عدد سكانها، وينظم ذلك بقانون.

5- إلغاء مفوضية الانتخابات، أو تعديلها وتقليصها بشكل كبير، على النحو الذي يضمن أن تكون نتائج انتخابات رئيس الجمهورية ومحافظي المحافظات نزيهة وشفافة حقيقة لا مجرد شعارات وأن تعلن النتائج الأولية أو الشبه نهائية في ليلة الانتخابات نفسها على غرار ما هو حاصل في كل البلدان الديمقراطية.

6- إلغاء المجالس المحلية والبلدية وتعيين رؤسائها وموظفيها من سكنة المناطق المعنية من قبل الوزارات والدوائر ذات الاختصاص.

7- استمرار الأحزاب السياسية بعملها ونشاطها الذي سيقتصر، بعد الأخذ بالتعديلات المذكورة في أعلاه، على تقديم مرشحيها لانتخابات رئيس الجمهورية ومحافظي المحافظات وتوعية وتثقيف الناس بأفكارها وأهدافها وعقائدها وبرامجها ومحاولة تشكيل مجموعات ضغط ( لوبيات) للتأثير على أعضاء البرلمان بهدف استجابتهم لبرامجها ومقترحاتها.

إن الأخذ بالتعديلات المقترحة في أعلاه سيساهم بشكل جدي وكبير في إنشاء نظام سياسي ديمقراطي قوي ومستقر ورشيق لا يكلف الدولة نفقات مالية كبيرة يزخر بالكفاءات بعيدا عن المحاصصات الطائفية والعرقية والحزبية التي مزقت وشتت الهوية الوطنية.

سيقول البعض إن أمام تحقيق هذه الرؤية عوائق كثيرة ومصاعب جمة. لكني أقول إن العائق الوحيد هو كما مذكور في الرؤية يتمثل بتعديل الدستور. ومع إن تعديل الدستور هو أمر صعب كما هو معروف، ولكن لا مصاعب أمام إرادات الشعوب إذما نهضت وتكاتفت وحددت أهدافها سلفا وسعت إليها بشكل جدي ومتواصل. اليوم وفي ظل انطلاق المظاهرات الجديدة وما نلمسه من روح جديدة وثابة لدى العراقيين يجعلنا متفائلين ولو قليلا بان تحقيق الأهداف التي يرجوها الناس قد أصبح ممكنا. كلنا شاهدنا قبل عدة أيام كيف قطع موظفو السكك الحديد الشوارع الرئيسة في بغداد لنيل حقوقهم وكيف استجابت بسرعة الوزارة لمطالبهم. وكذلك كلنا شاهدنا ما حققته المظاهرات من نتائج ملموسة ولو جزئيا ونعتقد إنها ستتصاعد في المستقبل وتكون أكثر تنظيما وأكثر تحديدا للأهداف وأكثر شمولية في أهدافها. فهذه الروح الجديدة التي نلمسها جميعا لدى العراقيين ينبغي استثمارها والمشاركة فيها بهدف تحقيق أهداف الناس الموجهة أساسا تجاه البرلمان وليس تجاه رئيس الوزراء، فهذه المظاهرات هي في حقيقتها عون لرئيس الوزراء على محاربة الفاسدين من السياسيين سواء في البرلمان أو الحكومات السابقة. هذه الروح الجديدة الوثابة والقوية لدى العراقيين التي نلمسها جميعا تجعلنا متفائلين بإمكان استثمارها لتحقيق أصعب المطالب ومنها تعديل الدستور. ولا مفر من مواجهة مسألة تعديل الدستور في النهاية، فواحدة من أبسط مطالب المتظاهرين سواء في مظاهرات 2011 أو المظاهرات الحالية تتمثل بتخفيض عدد أعضاء البرلمان. وهذا الأمر لا ينمكن تحقيقه دون تعديل الدستور. فالمادة (49/ أولا) من الدستور العراقي تنص على إنه: “يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد

لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه”.

ويعتقد البعض أن الدستور العراقي لا يمكن تعديله كونه من الدساتير الجامدة. وهنا من الضروري والمهم أن نذكر شيئا عن تعديل الدساتير. فالدساتير تقسم من حيث سهولة أو صعوبة تعديلها إلى دساتير جامدة، وهي الدساتير التي يصعب تعديلها، ودساتير مرنة، وهي الدساتير التي يسهل تعديلها. العراق جمهورية اتحادية وكل دساتير الدول الاتحادية تكون دساتير جامدة بالضرورة. هذا التقسيم المدرسي والنظري للدساتير إلى دساتير جامدة ودساتير مرنة لا يعني بالضرورة أن كل الدساتير الجامدة للدول لا تعدل أو لم تجرِ عليها تعديلات، وبالمقابل لا يعني إن الدساتير المرنة كثيرا ما تكون عرضة للتعديلات. فمثلا دستور ايطاليا لعام 1848 وقد كان دستور مرنا تميز بالثبات وعدم تعرضه لتعديلات كثيرة واستمر نافذا حتى سقوط موسوليني في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا لسنة 1875 كان دستورا جامدا جمودا بسيطا ومع ذلك كان من أكثر دساتير فرنسا ثباتا على الإطلاق ولم يتعرض لتعديلات كثيرة واستمر نافذا حتى سقوط فرنسا تحت الاحتلال النازي في بداية الحرب العالمية الثانية. بالمقابل فإن دستور الولايات المتحدة الأمريكية هو دستور اتحادي جامد جمودا كبيرا يتطلب تعديله موافقة مجالس الكونغرس في خمسين ولاية، ومع ذلك نجده قد تعرض لسبع وعشرين تعديلا جوهريا ومهما.

تصحيح خطأ شائع بشأن تعديل الدستور العراقي لسنة 2005

هناك خطأ شائع إلى حد كبير لدى كثير من العراقيين، حتى بعض القانونيين منهم، بصدد تعديل دستور العراق لسنة 2005. فالكثير يظن إن أي تعديل لهذا الدستور لا يصبح نافذا إلا بعد إقراره من قبل ثلاث محافظات. وهذا غير صحيح بالمرة طبعا. ومرد هذا الخطأ إلى الحكم الذي تضمنته المادة (61/ج) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 والتي تكلمت عن شروط نجاح الاستفتاء على دستور 2005 واعتباره مصادقا عليه، حيث نصت على إنه:” يكون الاستفتاء العام ناجحاً، ومسودة الدستور مصادقاً عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر”. وهذا الحكم قد انقضى وانتهى مفعوله مع انقضاء قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 وانتهاء سريانه.

أما دستور العراق لسنة 2005 فلم يتضمن أي شي من هذا القبيل، وكل ما تضمنه فيما قد يعد له علاقة بالموضوع ولو من بعيد، هو حكم المادة (126/ رابعا) منه والتي نصت على إنه:”لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام”. فمن الواضح إن هذا الحكم يختلف تماما عن الحكم الذي تضمنه قانون إدارة الدولة الانتقالية. وحكم المادة ( 126/ رابعا) من دستور 2005 المذكور أعلاه إنما هو حكم اعتيادي تقتضيه طبيعة الدول الاتحادية ومنها دولة العراق التي أصبحت اتحادية بموجب دستور 2005.

أما عن النظام الرئاسي والخشية منه. فلا خشية من النظام الرئاسي. أولا فأنا أول من دعا للنظام الرئاسي سنة 2005 بمقالة منشورة وموجودة في كتابي (إعادة بناء الأمة العراقية) واقتبس لكم منها الجزء ذي الصلة بالنظام الرئاسي :

اقتراحـات دستـورية

د.هادي نعيم المالكي

2005-06-28 لديَّ هنا عدد من الاقتراحات الدستورية أرغب في وضعها بين يدي اللجنة الدستورية الكريمتين وإطلاع أبناء الشعب العراقي الحبيب عليها عسى أن يكون فيها الفائدة المرجوة:

1- الأخذ بالنظام الرئاسي في تشكيل الحكومة، وهو النظام المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية واقتبسه، إلى حد كبير، الدستور الأفغاني الذي تم وضعه مؤخرا، بدلا من النظام البرلماني الذي يجري الترويج له أحيانا والتصريح به أحيانا أخرى، وهو النظام الذي نشأ في بريطانيا، وأخذت به العديد من الدول، ومنها لبنان وتركيا وإسرائيل والعراق في مرحلته الانتقالية. وذلك لان النظام البرلماني لا يلائم الواقع العراقي فهو سيؤدي عمليا إلى تقسيم الحكومة العراقية عمليا وضمنيا على أساس طائفي وعرقي كما هو الحال في لبنان الآن، حتى وإن لم يجرِ النص صراحة على أي محاصصات أو تقسيمات طائفية أو عرقية في الدستور المرتقب. فضلا عن ذلك، فإن النظام البرلماني يتميز عادة بضعفه وتعقيده وكثرة مساءلة الحكومة حتى عن أشياء وقضايا لا تستوجب

المساءلة، إنما تكون هذه المساءلة أحيانا لأغراض المزايدات الحزبية الضيقة. بالمقابل فإن النظام الرئاسي يتميز بقوته ومركزيته وقلة مساءلته مما سيفسح له المجال في حرية التصرف أكثر في تدبير شؤون الدولة الداخلية والخارجية، مع توفر الضمانات الديمقراطية الأخرى التي تضع القيود والحدود اللازمة على سلطات الرئيس والتي تمنع من تحوله إلى دكتاتور.

2- إذا تم الاتفاق على الأخذ بالنظام الرئاسي كما هو مبين في النقطة السابقة، فيجب تضمين الدستور حكما خاصا يمنع من قيام ما يسمى ب” الجمهوريات الأسرية أو العائلية أو الجملوكيات”، على غرار ما حصل في سوريا من تولي بشار الأسد للرئاسة بمجرد وفاة أبيه حافظ الأسد، وهذا الحكم الخاص سيكون شرط من شروط المرشح للرئاسة، ويمكن صياغته على النحو الآتي:”أن لا يكون المرشح للرئاسة ابنا للرئيس السابق”. ابنا للرئيس السابق فقط دون الأسبق.( انتهى الاقتباس). وربما هنا ينبغي تطوير هذا الشرط وإضافة الاقرباء حتى الدرجة الرابعة وأزواج البنات أو الأبناء بناء على ما يعرفه جميع العراقيين من تجارب سياسية سابقة مؤلمة.

ربما يتخوف أو يتحرج بعضكم من إن النظام الرئاسي قد دعت إليه عصائب أهل الحق. فالآن قد تبين لكم إني أول من دعا للنظام الرئاسي وليس العصائب ومنذ سنة 2005. ومع ذلك، فالمهم في الأمر انه إذا كانت الدعوة لتحقيق أمر معين إن هذا الأمر يفيد الناس أم لا، بصرف النظر عمن دعا إليه سواء أكان الدكتور هادي نعيم أو العصائب أو نيلسون مانديلا أو انديرا غاندي. وهنا الدعوة للنظام الرئاسي وتطبيقه هو في الحقيقة يفيد الشعب ويضر الأحزاب والكتل السياسية ومنها العصائب، فدعوة العصائب لتطبيق أمر يضرها في الحقيقة أمر تشكر عليه.

النظام الرئاسي كما هو معروف هو النظام المطبق في الولايات المتحدة وفيه الرئيس منتخب من قبل الشعب مباشرة ويختار فيه الرئيس نائبا واحدا فقط له ويختار وزراءه ويعرضهم على الكونغرس ليس من اجل نيل الثقة إنما يعرضون سياستهم وبرنامجهم في جلسة استماع من قبل اللجنة البرلمانية المختصة. وللعلم فان أفغانستان اختارت النظام الرئاسي بعد تحريرها من طالبان على يد الأمريكان. وقد يقول البعض إن النظام الرئاسي لا يلائم الدول المتخلفة أو النامية ومنها العراق وإنه سيتحول لنظام دكتاتوري. ولكن كل من النظام الرئاسي والنظام البرلماني ممكن أن يوجد في دول متقدمة أو دول نامية على حد سواء، ولا ترابط بين النظام الرئاسي وتخلف الدول.

حيث تأخذ 42 دولة متقدمة ونامية بالنظام الرئاسي، وتأخذ 61 دولة متقدمة ونامية بالنظام البرلماني.

ونجد من الغريب حقا أن يشبه البعض النظام الرئاسي ويصفه بأنه نظام دكتاتوري؟! فهذا الكلام لا يمكن أن يقبله أي قانوني، فالنظام الرئاسي هو النظام المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية. فهل النظام الأمريكي هو نظام دكتاتوري؟ ويضرب البعض مثالا أنظمة الحكم العراقية السابقة منذ سقوط العهد الملكي وحتى 2003، ويبدو إنه قد فاتهم إنها جميعا لم يكن فيها نظام ديمقراطي واحد. ومع ذلك فمن الناحية القانونية والدستورية لم يكن بينها نظام رئاسي واحد، بل كلها كانت أنظمة مختلطة بين الرئاسي والبرلماني خصوصا ما أخذ به دستور البعث لسنة 1970، وبعضها كانت أنظمة هجينة يصعب توصيفها دستوريا. قد تجد مثل هذه الدعوات أحيانا ممن يتخوفون لا على مصالح الشعب التي سيحققها النظام الرئاسي على نحو أكيد، بل يتخوفون على مصالحهم وامتيازاتهم وإقطاعياتهم الطائفية والحزبية والسياسية التي سيجعلها النظام الرئاسي في خبر كان. فالقول بأن النظام الرئاسي هو نظام دكتاتوري هو قول مخادع أو جاهل. ومع ذلك فنحن قد دعينا واقترحنا ما أسميناه ب( النظام الرئاسي المعدل) وليس النظام الرئاسي التقليدي المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية، كما هو مبين في أعلاه.

هذا النظام سيحقق الاستغناء عن مؤسسة رئاسة الجمهورية الحالية بنوابها الثلاثة التوافقيين والمحاصصيين وسيكون رئيس الجمهورية ونائبه الواحد ووزرائه هو الرئيس وهو رئيس الوزراء في الوقت نفسه. وسيعمل الرئيس أكيدا على اختيار حكومة رشيقة بدلا من الوزارات الكثيرة الموجودة حاليا.

وإذ ما أثير اعتراض في إن النظام الرئاسي قد يجلب لنا رئيسا شيعا طائفيا نتيجة لاستمرار الاصطفافات الطائفية والعراقية الشيعية السنية الكردية وقدرة الأحزاب الشيعية على ترتيب أمرها أكثر من السنة وتقديم مرشحا واحدا يساعدهم في ذلك إن الشيعة هم الأغلبية. فهذا أمر يمكن الرد عليه من أكثر من جهة:

أولا، وكما هو معروف للجميع، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوجد مرشحان فقط ينتميان لحزبين اثنين فقط ومع وجود استطلاعات رأي عديدة من مؤسسات ذات مصداقية حقيقة وهذه الاستطلاعات تحدث دوريا وأسبوعيا، ومع كل ذلك يبقى من غير المعروف أي من المرشحين الاثنين سيفوز حتى قبل أيام من يوم الانتخاب، وأحيانا تكون النتيجة متقاربة كما حدث في حالة

فوز الرئيس بوش الابن في دورته الرئاسية الأولى. فأي افتراضات مسبقة بأن الانتخابات الرئاسية العراقية سيفوز فيها مرشح شيعي طائفي ستكون افتراضات غير دقيقة تماما. لأنك حتى تعرف من سيفوز أو من سيكون له الحظ الأوفر بالفوز في أي انتخابات قادمة فيجب أن تعرف أولا كم هو عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية ويجب أن تعرف ثانيا من هم هؤلاء المرشحين. وبخلافه سيكون الأمر أشبه بضرب تخت رمل.

ثانيا، مع ذلك، حتى لو سايرنا الافتراض السابق، فانا أجد الأمر سيكون على العكس من ذلك تماما. أي إن تطبيق الانتخابات الرئاسية اعتقد إنها ستأتي لنا برئيس على الأقل سيكون رئيسا غير طائفي ( تجاه السنة) وغير عنصري ( تجاه الأكراد) إن لم يكن رئيسا مدنيا. كيف؟ الجواب في الاحتمالات التالية:

لو فرضنا أجريت انتخابات رئاسية الآن – وأقول الآن وليس بعد عشرة أو عشرين سنة باعتبار وجود النفس الطائفي الآن وهو مستمر عند الناس، أما بعد عشرة أو عشرين سنة فلا احد يعرف أو يمكن أن يتنبأ بكيف سيكون عليه نفس الناس والناخبين-. ومع ذلك لو أجريت انتخابات رئاسية عراقية الآن فأعتقد سيفوز في الجولة الانتخابية الأولى مرشح شيعي واحد أو اثنين ومرشحي سني واحد أو اثنين ومرشح كردي واحد أو اثنين ومرشح مدني واحد أو اثنين. وفي هذه الحالة افترض (وتذكروا إن الأمر كله افتراضات واحتمالات) إن المرشح الشيعي سيخسر لأنه لن يحصل على دعم الناخبين السنة ولا الناخبين الأكراد، هذا على فرض إن جميع الناخبين الشيعة سينتخبونه، وهو ما لا يحصل طبعا. والعكس بالعكس للمرشح السني والمرشح الكردي. أي إن المرشح السني لن يحصل على دعم الناخبين الشيعة ولا الأكراد، وكذلك المرشح الكردي لان يحصل على دعم الناخبين الشيعة ولا السنة.

الناخبين السنة والناخبين الأكراد سيدركون سلفا إنهم إذا صوتوا لمرشحيهم السني والكردي، على الترتيب، فإنهم مع ذلك لن يفوزوا لأنهم لا يستطيعون أن يوفروا لهم عدد الأصوات اللازم للفوز بحكم الأغلبية السكانية.

ولو قال قائل إن من مصلحة الأكراد استمرار التوتر الطائفي الشيعي السني فهذا يصب في مصلحتهم ويمكنهم من الاستمرار في ابتزاز الحكومة الشيعية، وفي سبيل ذلك سيبرم الأكراد كعادتهم اتفاقا مسبقا مع المرشح الشيعي الأوفر حظا للفوز بان يوجهوا ناخبيهم لانتخابه مقابل أن يضمن لهم في حالة فوزه التنازل عن بعض الأمور وتحقيق بعض المطالب الكردية. ومثل

هكذا كلام يمكن الرد عليه ببساطة إن رؤساء الوزراء الشيعة الثلاثة الذين تولوا الحكم في ظل النظام البرلماني الحالي ما كان لهم أن يحصلوا على ثقة البرلمان إلا بعد إبرام اتفاقات سياسية مع السنة ومع الأكراد نزلوا فيها عند شروط الأكراد والسنة ووافقوا فيها على بنودهم في ظل حكومات التوافق أو المشاركة أو الشراكة السياسية كما تسمى. ومع ذلك لم يحصل لا الأكراد ولا السنة على ربع ما كانوا قد اتفقوا عليه في الاتفاقات السياسية لتشكيل الحكومات الأربعة حتى الآن وما زال التذمر والشكوى الكردية والسنية مستمرين. فإذا كان هذا ما يحصل في ظل نظام برلماني لا تتشكل فيه الحكومة إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان، فما بالك بنظام رئاسي ورئيس منتخب من الشعب مباشرة يشكل حكومته بمفرده دون عرضها على البرلمان لنيل ثقته. فإذا ما لجأ الأكراد لإبرام مثل هكذا اتفاق مفترض( على فرض سهولة وجدوى حصوله وتنفيذه) فإنهم لن يكونوا إلا ضحية سراب خادع أوقعوا فيه أنفسهم بأنفسهم.

إذن لمن سيوجه السنة والأكراد أصواتهم في الجولة الثانية؟ أكيد لن ينتخبوا المرشح الشيعي يقينا. وعلى الأرجح لن يكونوا بتلك الدرجة من السذاجة وينتخبوا مرشحيهم السني أو الكردي وهم يعلمون إنهم لن يفوزوا وبالتالي قد يتسببون بفوز المرشح الشيعي. لذلك على الأرجح وإذا كان لديهم شيء من عقل فإنهم في الجولة الثانية لان ينتخبوا لا المرشح الشيعي ولا المرشح السني ولا المرشح الكردي. إذن لمن سيوجهون أصواتهم في هذه الحالة؟ سيوجهون أصواتهم طبعا للمرشح الذي وصفناه بأنه غير طائفي (تجاه السنة) وغير عنصري ( تجاه الأكراد) على أقل تقدير أو المرشح المدني ليضمنوا عدم فوز المرشح الشيعي.

و . هـ . م . (وهو المطلوب)

مع ذلك حتى لو افترضنا إن ما افترضته كان خاطئا وإن افتراض إفراز الانتخابات الرئاسية رئيسا شيعيا طائفيا كان صحيحا ووقعت أسوء مخاوفنا. فسيكون ذلك أمر مهم على الناخبين أن يتعلموه بالتجربة لكي يستفيدوا منه في الانتخابات اللاحقة فلا يقعوا في غلطهم السابق نفسه.

ومع كل ذلك فنحن بإمكاننا أن نضع الاحتياطات اللازمة لكي لا تتحقق أسوء المخاوف، وما دمنا تكلمنا ونتكلم عن تعديل الدستور تعديلا شاملا للأخذ بالنظام الرئاسي المعدل بدلا من النظام البرلماني ويستبدل طريقة تشكيل مجلس النواب الحالية المزرية في العراق وفي كل الدول الديمقراطية وهو العيب الذي ما زال قائما في الديمقراطية نظريا وتطبيقا ويصعب التغلب عليه إلا بالأخذ بالطريقة المقترحة في هذه الرؤية والتي أسميتها ب(التعيين بالصفة) وليس التعيين بالاسم. فما دام الحال كذلك سيكون من التعديلات الميسورة التي يمكن إضافتها وإجراءها هو إمكانية

سحب الثقة من الرئيس المنتخب من قبل البرلمان الجديد بأغلبية الثلثين، وبذلك يكون هذا تعديلا عراقيا يتم إجراءه على فكرة ونظرية النظام الرئاسي نفسه المعمول به في الولايات المتحدة حيث لا يمكن هناك سحب الثقة من الرئيس إلا في أحوال الخيانة العظمى وبتدخل المحكمة الاتحادية وبشروط صعبة. ولكن لو أجرينا هذا التعديل كعراقيين على النظام الرئاسي فسيكون انجازا يحسب لنا كعراقيين وسيكون نظامنا الرئاسي المقترح يأخذ بعض الخصائص من النظام السويسري الذي تجيز دساتير بعض ولاياته الاتحادية مسالة إقالة الرئيس أو سحب الثقة منه. وبهذه الطريقة نكون قد آخذنا بالاحتياطات اللازمة لمعالجة النتائج السيئة المحتملة المترتبة عن إفراز الانتخابات الرئاسية العراقية رئيسا شيعيا طائفيا. وبذلك سيكون نظامنا الرئاسي نظاما رئاسيا معدلا يستجيب لمخاوف وشكوك الكثير من العراقيين الذين يخشون من إنفراد الرئيس بالسلطة.

اعتقد من الواضح أهمية بقية النقاط التي احتوت عليها هذه الرؤية خاصة النقطة المتعلقة باقتراح طريقة (التعيين بالصفة) لتشكيل البرلمان وما توفره من ميزات عديدة، أهمها أن يكون النائب ذي كفاءة علمية وسيكون مستقلا فعلا وحقيقة وغير خاضع للأحزاب أو الكتل السياسية فهي لم تأتي به إنما من جاء به هو كفاءته العلمية وعدم خضوعه لابتزاز المال السياسي الذي جاء به للبرلمان أو الوسائل الإعلامية المملوكة للأحزاب التي سوقته للناس لتمهد لجلبه للبرلمان. فهذه الأمور السيئة كلها ستختفي وسيكون هذا التعديل إذ ما أقررناه كعراقيين فخرا لنا نبز به العالم ونباهي به العالم وبرلماناتهم التي ستكون برلمانات غير مستقلة وليس كل من فيها ذي كفاءة علمية ومتخلفة قياسا لبرلماننا. هو يشكل تعديل على النظرية الديمقراطية النيابية نفسها يتجاوز ما فيها من سيئات. ولا ننسى إن توجه الناس والمتظاهرين الآن هو ضد البرلمان وليس ضد رئيس الوزراء، بل هذه المظاهرات في حقيقتها هي عون لرئيس الوزراء على من يحاول أن يكبله ويعوقه ويمنعه من تحقيق الاصلاح المطلوب. فيأتي اقتراح هذه الرؤية هنا في وقته استجابة لتطلعات الناس ورئيس الوزراء معا برؤية شاملة متكاملة موضوعة من خبير. وإلا كيف نضمن عدم وصول السوقة والرعاع والجهلة والسراق والقتلة وحيتان الرأسمال والإعلام للبرلمان، كما هو حاصل الآن في برلماننا والكثير من برلمانات العالم، لن يتم ذلك بتعديل الدستور وحسب، بل بتعديل نظرية الديمقراطية النيابية نفسها السائدة في العالم لتجاوز ما فيها من سلبيات لا يجرؤ الكثير على انتقادها والمطالبة بتعديلها حتى أمست تابو من التابهوات المقدسة وخرافة من الخرافات التي تسيطر على عقول الناس على الرغم مما فيها من خطأ واضح. لا يمكن ذلك إلا من خلال طرح رؤية أكثر شمولا وجرأة وأبعد نظرا وأطول مدى.

لا ننسى إن اقتراح إلغاء مجالس المحافظات يأتي استجابة لمطالب الناس نظرا لسيطرة الأحزاب الطائفية عليها وعدم جدواها أو فاعليتها وعبثها بالمال العام وكونها حلقة زائدة لا تقدم ولا تنفع وتسمى تجاوزا السلطة التشريعية للمحافظات، ولكن أبسط قانوني يعرف إنها لا تملك أي سلطة تشريعية، فسلطة التشريع يملكها البرلمان الاتحادي فقط ( وبرلمان الإقليم في حدود إقليمه)، والأمر نفسه ينطبق أيضا على المجالس المحلية.

بهذه الطريقة إذ ما كتب لهذه الرؤية إن تتحقق فانه سيكون الطريق الأسرع والأقصر لتحقيق نظام سياسي عراقي قوي ومستقر وفعال ورصين وكفء وقليل التكاليف غير طائفي وغير عنصري وربما نظام مدني.

لذلك اعتقد إن من المهم تبني هذه الرؤية والعمل على مشاركتها وإقناع الناس بها حتى تكون رؤية شعبية يتداولها الجميع ويسعى الجميع إلى تحقيقها بالوسائل السلمية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب