يطمح العراق إلى زيادة انتاجه النفطي إلى 5 ملايين برميل يومياً العام المقبل و ذلك بعد أن ارتفع انتاجه من 4.559 مليون برميل يومياً في حزيران الماضي إلى 4.632 مليون برميل يومياُ في تموز.
وزير النفط العراقي الجديد عبد الجبار اللعيبي لم يتوان فور توليه المنصب عن وضع عدة أهداف تساعد في تطور القطاع النفطي أهمها تعديل عقود جولات التراخيص و استثمار الغاز و إشراك القطاع الخاص بالإضافة إلى اتفاق جديد قد يبرم مع إقليم كردستان.
و يبدو أن هذه الأهداف هي ذاتها الأمور التي شكلت عائقاً أمام تطور القطاع النفطي في العراق و تحقيق الإيرادات المالية المرجوة منه لخزينة الدولة العراقية.
فجولات التراخيص التي وقعت بوقت قياسي ، شملت قرابة 85 % من مجمل الحقول النفطية خلال عام و نصف العام. و تضمنت تلك الجولات منح الشركات النفطية أجوراً عن الانتاج في الحقول المطورة يبلغ ( 1.5 – 2.5 ) دولار للبرميل و ( 12- 16 ) دولار للحقول غير المطورة.
هذه الأجور لم تكن مؤثرة عندما كانت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل لكن ما أن انخفضت الأسعار إلى مستويات الأربعين دولاراً للبرميل حتى تبينت عيوب تلك العقود. فالأجر الذي تتقاضاه الشركات بقي ثابتاً في حين تحملت وزارة النفط ارتفاع التكاليف.
لذلك فإن حديث الوزير اللعيبي عن تعديل تلك العقود ينسجم تماماً مع الواقع الذي يعيشه القطاع النفطي و الذي خسر الكثير من إيراداته المالية. و على المدى الطويل فإن بقاء هذه العقود على حالها يعني خسارة كل من الشركات و العراق لإمكانات التطوير ما يعني أن العراق لن يكون قادراً على الوفاء بالتزاماته المالية.
إن إجراء اي تعديل مرتقب على جولات التراخيص النفطية يجب أن يشمل الآلية التي حددت وفقها أجور الشركات لتكون أكثر مرونة و ملاءمة لأسعار النفط في السوق العالمية.
و بالنظر إلى المدد الزمنية الطويلة للعقود الحالية و التي تصل إلى 25 عاماً فإن تطورات السوق و التقلبات الجارية تخدم بشكل أكبر الشركات النفطية أكثر من وزارة النفط . لذلك يجب ألا تقل تلك المدد عن 7 سنوات و ألا تزيد عن العشرة سنوات و ذلك للمواءمة بين حاجات الشركات لتطوير الحقول و تطورات السوق.
يضاف إلى ذلك ضرورة وجود بنود تتعلق بنقل التكنولوجيا و تدريب الكوادر الوطنية و إنشاء مراكز بحثية مشتركة. و تكون مهمة تلك المراكز تحليل البيانات و المعلومات عن السوق و التنبؤ بالأسعار و نقلها إلى الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بالسياسات النقدية و المالية و أهمها الموازنة و خاصة تحديد أسعار الأساس بالنسبة للبرميل.
و لا نغفل أهمية وجود استثمارات في البنى التحتية للمناطق التي تعمل فيها تلك الشركات خاصة في مجال تطوير الكوادر البشرية لقاطنيها و جعلهم قادرين على ممارسة الأعمال في الفرص التي يخلقها وجود تلك الشركات في تلك المناطق.
و لا مانع من الاستفادة من الخبرات الأجنبية في مجال الصناعات البتروكيماوية و التي يمكن أن تخلق سوقاً جديدة مكملة للصناعة النفطية و تحقيق إيرادات مالية كبيرة للخزينة بالإضافة لتشغيلها آلاف الأيدي العاملة.
و في مجال الصناعة التكريرية فإن تطوير محطات التوزيع كما أشار الوزير اللعيبي و تحسين نوعية مادتي البنزين و الديزل هو أمر مهم لأنه يوفر ملايين الدولارات التي تنفق لتلبية الطلب المحلي.
و يشكل استغلال و استثمار الغاز مصدراً مهماً للعراق من خلال مساهمته في توليد الطاقة الكهربائية. لذلك فإن الزام الشركات التي تطور الحقول العراقية باستثمار كميات الغاز المصاحب سيوفر قرابة 5 مليار دولار كانت تهدر سنوياً بسبب احتراق الغاز دون أية فائدة.
و يقتصر الغاز المصاحب المستثمر حالياً على ما يسمى بالحقول الرمادية (غير المطورة ) بالإضافة إلى عقد مع شركة شل إلا أن هذا الاستثمار لا يغطي الكميات المنتجة بكاملها.
و يعتبر تطوير البنى التحتية لقطاع النفط أمراً مهماً في زيادة الانتاج لكن الأهم من ذلك هو عملية التسويق. و تؤدي زيادة الانتاج دون النظر إلى استيعاب الأسواق إلى مشكلة مستقبلية لأن ذلك يعني تراكم الانتاج دون النجاح بتسويقه في السوق العالمية.
لذلك من الضروري بمكان تطوير المنشآت النفطية و أهمها المستودعات الخزنية خاصة و أنها تحقق استقراراً في معدلات التصدير خاصة من موانىء البصرة.
أما عن التصدير عبر إقليم كردستان و الذي يعتبر نقطة جوهرية في هذا المجال فالاتفاق النفطي الذي وقعه الوزير السابق عادل عبد المهدي لم يكتب له النجاح و ذلك إما لعدم الالتزام به أو بسبب انخفاض أسعار النفط ما انعكس سلباً على قدرة الحكومة المركزية على سداد رواتب موظفي الأقليم و الرد على ذلك بتصدير الإقليم للنفط دون مراجعة المركز.
من هنا فإن رغبة الوزير اللعيبي في حل هذه المسألة يجب أن تنطلق من المصالح المشتركة لكلا الطرفين. و لا مانع من تأسيس شركة جديدة تضم كلاً من الإقليم و المركز بالإضافة للقطاع الخاص وفق مبدأ الحصص و بذلك يكون لكل الأطراف مصلحة في ضمان تصدير النفط و بيعه دون أن يكون هناك أي جهة خاسرة. و هذا الأمر يزيد من قدرة القطاع الخاص أيضاً في الدخول في مشاريع مشتركة على أساس المنافسة مع الدولة ما يعطيه زخماً للدفع بالمزيد من الاستثمارات.
و يشكل ارتفاع التكاليف الرأسمالية و التشغيلية خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط هاجساً مقلقاً لوزارة النفط لذلك لا بد من تخفيف الأعباء التي تحملتها في جولات التراخيص السابقة و منها حقن المكامن النفطية. فالعقود السابقة ألقت بهذه المهمة على وزارة النفط في حين أنه كان يجب أن تحمل على الشركات الأجنبية لامتلاكها الخبرة و ارتفاع تكلفة تلك العملية.
إن ارتفاع هذه التكاليف يجعل من الضرورة بمكان الاستعانة بشركات الخبرة المالية لتقديرها و ذلك لتجنب تضخم الأرقام و تحمل أعباءها .
إن الرؤية الجديدة لتطوير قطاع النفط في العراق يجب أن تتضمن رؤية رديفة لتطوير برامج اجتماعية أيضاً. فالإيرادات المالية التي سيتم جنيها من ذلك القطاع يجب ألا تذهب لتطويره فحسب و إنما أن تعمل على خلق بيئة من الأعمال التي تساهم في تطوير و تدريب و تأهيل الإنسان بالإضافة لإشراك القطاعات الأخرى في الاستفادة من ذلك.
و لا مانع من تشكيل مجلس أعلى للموارد الطبيعية يهدف لوضع سياسة تنموية تساهم بها كل القطاعات التي تعمل في هذا المجال و بالتالي تحقيق أكبر قدر من المنفعة.
إن قدرة وزارة النفط على جذب الشركات الأجنبية لتوقيع أو تعديل العقود المقبلة يجب ألا يتم على حساب البرنامج الوطني للتطوير الاجتماعي لأن تحقيق الاستقرار السياسي و الاجتماعي في العراق سيكون أمراً مهماً في جذب تلك الشركات و خلق فرص جديدة يحتاجها العراق و المنطقة برمتها.