هناك حالة في العراق تحولت الى ظاهرة وهي اننا كلما نقترب من الانتخابات البرلمانية او مجالس المحافظات ، تتصاعد معها حمى النقاشات والسجالات على جميع المستويات من هرم قيادات التنظيمات السياسية ، نزولا الى قاعدتهم الجماهيرة وموظفي الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية التي اصبحت مقار للقوى والاحزاب السياسية ، بسبب نظام المحاصصة المقيت وعلى المستوى الشعبي في المقاهي والكازينوهات والمطاعم والاهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي اصبحت في متناول غالبية ابناء الشعب العراقي نظرا لتطور تقنيات التواصل الحديثة.
في متابعاتي للفيسبوك والمواقع الالكترونية والاعلام بشكل عام ، لفت انتباهي حراك فيلي متصاعد بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة وكيفية مشاركة الكورد الفيليين فيها وهناك وجهات نظر مختلفة ، هناك من يؤيد ان يكون المرشحون هذه المرة بعيدين عن الاحزاب السياسية القومية والمذهبية وترشيح اشخاص من النخب والكفاءات والمثقفين للحيلولة من دون تكرار تجارب السنين الماضية ، وهناك من يؤيد ان يكون المرشح من الاحزاب القومية الكوردية وآخرون يؤيدون ان يكون المرشح من الاحزاب الاسلامية وآخرون من منظمات المجتمع المدني التي غالبيتها تابعة لأحزاب واجنداتسياسية مختلفة ، كما سمعت من نائبة سابقة بمجلس النواب تطالب بمقاطعة الانتخابات كحالة من الاعتراض على عدم اهتمام الجميع بقضية الكورد الفيليين والمطالبة بحقوقهم.
لاضير في جميع وجهات النظر اعلاه ، ومن حق كل شخص ان يطرح رأيه و وجهة نظره ازاء قضية مهمة تخصه وتخص مستقبل اطفاله بكل حرية وتعد هذه النقاشات حالة صحية للوصول الى حلول ناجعة لمشاكلنا او الوصول الى المبتغى الاساس الا وهو المصلحة العامة لشريحتنا الكوردية الفيلية ، بشرط ان نتقبل الرأي والرأي الآخر ، وعدم الاصرار على صواب الرأي الواحد.
من البديهي ان الانسان كفرد والناس كجماعات ينبغي ان يأخذوا من دروس الماضي العبر لتجاوز الأخطاء وتصحيح المسارات للوصول الى الهدف المنشود ، ونحن ككورد فيليون ينبغي ان نعترف ان خياراتنا في المرحلة الماضية كانت خاطئة مما تسبب بنشوب الخلافات وحالة التشرذم والتشت وكنا ولانزال نعلق اخفاقاتنا في الحصول على حقوقنا على شماعة الاحزاب القومية والمذهبية ونحملهم مسؤولية مراوحة قضيتنا مكانها من دون حل في الوقت الذي نحن نتحمل المسؤولية كاملة.
لو فرضنا جدلا ان رأينا بشأن الاحزاب القومية والمذهبية هو الصواب وهم كانوا وراء اخفاقاتنا في الماضي ، اذن علينا ان نفكر بصيغة جديدة لدخول اللعبة السياسية في المرحلة المقبلة لتجاوز اخطاء الماضي وذلك عبر آلية جديدة تشارك فيها جميع التيارات والتوجهات الفيلية من القومية والمذهبية والمستقلين وجمع ابناء شريحتنا الذين يمكنهم الأسهام في تحقق هذا الامر المهم والحيوي.
اعتقد اننا لسنا بحاجة الى نواب في البرلمان المقبل ، بقدر مانحتاج لأثبات الوجود عن طريق زج عدد من اصحاب الشهادات العليا والكفاءات الكوردية الفيلية في الدوائر والمؤسسات الحكومية والهيئات المستقلة كمدراء عامين و موظفين في اماكن
حساسة في الوزارات الخدمية والأمنية لخدمة ابناء شريحتنا بشكل مباشر وغير مباشر .
هنا سؤال يطرح نفسه وهو كيفية الوصول الى الهدف و الحصول على تلك الوظائف والمناصب؟
للجواب عن هذا السؤال ، ينبغي الأشارة الى نقطة في غاية الاهمية وحقيقة يجب الاذعان و الاعتراف بها هي ان الحجم السكاني لشريحتنا الكوردية الفيلية ليس بمستوى يمكننا ترشيح عدد من النواب الى البرلمان لكي نكون مؤثرين او مساهمين في صنع القرار الا بالدخول في تحالف و صفقات مع كتل سياسية وبرلمانية اخرى.
اجزم اننا في احسن الاحوال وفي حال الخروج من حالة الانقسام والتشظي الحالي التي اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم ، يمكننا ترشيح نائبين فقط وذلك كما اسلفت لمحدودية حجمنا السكاني ومشكلة الانقسام والتشرذم وايضا قلة الوعي لدى الكثير من ابناء شريحتنا في الدفاع عن المصحلة العليا لأبناء الشريحة.
اذن في ظل هذا الوضع المزري ، هل بأمكان نائبين كورديين فيليين في مجلس نوابٍ يتكون من 325 نائباً منقسماً بين كتل سياسية كبيرة وصغيرة متحالفة فيما بينها ان يحققوا شيئا للكورد الفيليين؟ هل يمكنهم من دون التحالف مع الاخرين ان يمرروا قرارا واحدا لصالح الشريحة الفيلية؟ هل يمكنهم من دون عقد الصفقات مع الاخرين تعيين كوردي فيلي واحد في وظيفة حكومية ؟ وهل يمكنهم من دون اصوات نواب من كتل اخرى الضغط والتأثير على الحكومة لتفعيل القرارات السابقة التي صدرت لصالح الكورد الفيليين؟
هذه الاسئلة بحاجة الى اجوبة منطقية وعقلانية بعيدة عن العاطفة والخيال والتهرب من الواقع ، ولكنني لي رؤية خاصة بشأن آلية العمل في المرحلة المقبلة للجواب عن الاسئلة اعلاه و تجاوز اخطاء الماضي وخوض تجربة جديدة عسى ان تعطي اكلها وتحقق ولو جزءاً من استحقاقنا القومي و الوطني ورؤيتي هي كالآتي:
اولا / دعوة ممثلين او مندوبين كورد فيليين من جميع التوجهات السياسية القومية والاسلامية والتيار المدني والمستقلين من النخب والمثقفين والكفاءات واصحاب الشهادات وايضا ممثلي منظمات المجتمع المدني الفيلية بمختلف توجهاتها لعقد لقاء او مؤتمر لأختيار لجنة خاصة يتم الاتفاق على تسميتها وهذه اللجنة تقوم بدورها بأختيار المرشحين للبرلمان المقبل.
ثانيا / دعوة جميع الشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية والاكاديمية والنخب والشباب من كلا الجنسين ومن اصحاب الشهادات العليا من كل التوجهات السياسية والمستقلين وكل من يود ترشيح نفسه للبرلمان المقبل لتقديم استمارة طلب ترشيح ، ومن ثم يتم اختيار اثنين فقط منهم عبر الاقتراع العلني من اللجنة المذكورة ، ليحظوا اولا بالاجماع الفيلي وثانيا للحيلولة من دون تشتت اصوات الناخبين لعدد من المرشحين هنا وهناك وبالتالي العودة الى المربع الاول.
ثالثا / في حال فوز احد المرشحَين او الاثنين معا ، يتم عقد اتفاق او صفقة اما مع الكتل الكوردستانية او اية كتلة سياسة اخرى وبضمانات معينة وذلك بقرار من نفس اللجنة المشكلة لأختيار المرشحين على الصيغة الآتية :
* ان يكون النائب الفيلي عضوا ضمن الكتلة المتحالفة معها ويصوت لصالحها في جميع القضايا التشريعية والمواقف السياسية التي تتخذها تلك الكتلة من بداية الدورة الانتخابية الى نهايتها ، في حال التزام الجانبين بالاتفاق المبرم.
* في المقابل تمنح الكتلة المتحالفة معها مناصب مدراء عامين او ما يعادلها للمكون الفيلي فضلا على تخصيص نسبة من تعيينات الكتلة في الوزارات والمؤسسات الحكومية للمكون الفيلي ويكون اختيار المدراء العامين او الموظفين الاخرين بحسب آلية تتفق عليها لجنة اختيار المرشحين، ربما هناك من يتصور ان نظام المحاصصة سينتهي العمل به نظرا للمتغيرات الاخيرة ، لكنني على يقين انه لا يمكن تجاوز ذلك النظام نظرا للتركيبة السكانية والعقلية الحاكمة وبنية نظام الحكم في العراق بعد 2003 والاهم وجود حالة من التعصب القومي والطائفي بين مختلف المكونات العراقية.
* زج مجموعة من الشباب الفيليين في الكليات العسكرية والشرطة والامن الوطني والاجهزة الامنية الاخرى التابعة للحكومة الاتحادية او في الاجهزة التابعة لحكومة اقليم كوردستان في حال التحالف مع الكتل السياسية الكوردستانية.
اتصور ان العمل والسعي من اجل وجود تمثيل برلماني وحده غير كفيل بتحقيق طموحاتنا وهذا ماجربناه في المرحلة السابقة و لم تعطي نتائجها لاسباب تتعلق بالنظام السياسي و سلوكيات من كان يدعي تمثيل الشريحة الفيلية ، بل جعلها جسرا للاثراء وتحقييق المصالح الشخصية العائلية على حساب الاخرين ، بل ينبغي ان نعمل على وفق رؤية جديدة وبآلية تنسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة من العملية السياسية في العراق.